ناصر وسلمان: صراع النفوذ وولاية العهد
2015-05-03 - 8:36 م
مرآة البحرين (خاص): قبل أعوام قليلة، وفي مهرجان الجنادرية، مال الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود على ملك البحرين ليقول له: هذا ولدك (يقصد سلمان) نريد تغييره. الملك أربكته المفاجأة، دافع عن ابنه وانفتاحه وعلاقاته، وفور عودته نصح ابنه بتقوية علاقته بالسعودية.
وفي الثامن من أكتوبر 2009 تلقت السفارة الأميركية في المنامة برقية من وزارة الخارجية، موضوعها: البحرين: الأمراء الناشئون ناصر وخالد. هذه البرقية نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية نقلاً عن موقع ويكليكس الذي بث آلاف الوثائق المسربة من وزارة الخارجية الأميركية.
بعد نحو ست سنوات من تلك البرقية، تتغير الأوضاع السياسية بشدة منطقة الخليج على وقع الحروب الممتدة في المنطقة من ليبيا وسوريا وصولاً إلى اليمن، فالسعودية التي تقود دول الخليج النفطية يحكمها ملك جديد. قام هذا الملك بشن حرب عنيفة ودموية ضد اليمن، وهو يعدّ حالياً لدعم لا محدود للمقاتلين ضد النظام الرسمي في سوريا. ومن أخطر الإجراءات الداخلية التي قام بها الملك الجديد، الانقلاب على ولي عهده، أخيه مقرن بن عبدالعزيز آل سعود، وتعيين محمد بن نايف مكانه، وتصعيد ولده الشاب محمد بن سلمان (مواليد1985) في منصب ولي ولي العهد، وفي ظل هذه الأجواء هناك من يتساءل: هل يمكن أن تشهد البحرين التي صارت السلطات فيها تابعة بالكامل لمزاج حكام الرياض الشيء نفسه، ويتم تغيير ولي العهد البحريني سلمان بن حمد؟
يجب الاعتراف أن ثمة عقبات أمام مثل هذا السيناريو في البحرين، لكنها ليست عقبات مستحيلة، والتحديات التي يواجهها ولي عهد البحرين ليست بسيطة. خصوصاً من أخيه غير الشقيق الصاعد بقوة في هرم السلطة، ناصر بن حمد.
وبالعودة إلى البرقية السرّية التي بعثتها الخارجية الاميركية لسفارتها في المنامة في الثامن من أكتوبر 2009 وصفت الشيخ ناصر وشقيقه الشيخ خالد بأنهما هدفان مهمان من القيادة الناشئة، وطلبت جمع تفاصيل عن السيرة الذاتية لكل منهما، بما في ذلك تاريخ ميلادهما، وقدرتهما على التحدث باللغة الانكليزية وخلفيتهما التعليمية، والخلافات بينهما وبين شقيقهما ولي العهد الشيخ سلمان وطبيعة الخلافات بينهم في حال وجدت، وما إذا كانت سببت مشاكل داخل الأسرة المالكة.
ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة، تعريفه الرسمي كالتالي: الأمير سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة عمره 45 عاماً (مواليد: 21 أكتوبر 1969)، مناصبه الرسمية: ولي العهد نائب القائد الأعلى والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس التنمية الاقتصادية. هو النجل الأكبر للملك حمد بن عيسى آل خليفة من زوجته ابنة عمته الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة.
تلقى ولي العهد تعليمه في مدارس البحرين، وفي عام 1992 حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية في واشنطن دي سي في الولايات المتحدة، وفي عام 1994 حصل على شهادة الماجستير في فلسفة التاريخ من جامعة كامبريدج.
جرى العرف لدى عائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين، أن يكون ولي العهد من أب وأم خليفيين، لكن ذلك ليس منصوصاً عليه في الدستور ولا في المرسوم الخاص بتوارث الحكم، لذا فإن عقبة العرف ليست مستحيلة.
في نهاية القرن التاسع عشر تأسس نظام ولاية العهد على مقتضى رغبة الدولة البريطانية، حسب تعبير المؤرخ ناصر الخير، وتم تنصيب حمد بن عيسى أكبر أبناء الحاكم وليا للعهد، وأرسل إلى بوشهر للمصادقة على تعيينه، وانتقلت الصراعات من الأخوة إلى الأعمام، وهذا ما أعطى استقراراً لنظام الحكم الوراثي، غير أن الأمور لا تبقى على حالها.
قبل تسع سنوات، كان الكلام عن إمكانية تولي ناصر بن حمد أو شقيقه خالد بن حمد، أمراً غير ذي جديّة، فلقد كان ناصر وأخيه صغيران في السن، وكانت اهتماماتهما تنحصر بركوب الخيل، والشعر، والرياضة بشكل عام، وقضايا أخرى. لكن الآن الأمر مختلف، ومخطيء من يعتقد أن ناصر بن حمد لم يتغير.
قبل شرح التغيير الذي جرى خلال السنوات التسع على شخصيتي ناصر وخالد، يجب الإشارة إلى أن ناصر بن حمد يبلغ من العمر 27 عامًا ( مواليد: 8 مايو 1987)، هو الابن الرابع من الذكور لملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة من زوجته شيمة بنت حسن الخريش العجمي. ويقال إن اسم والدته شَيعة بفتح الياء، لكن تم تغيير اسمها.
تزوج ناصر في 28 سبتمبر 2009، من ابنه نائب رئيس الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، واسمها شيخة، وانجبا كل من: شيمة (2010)، وتوأمين هما حمد ومحمد (2012).
في العام 2006 أنهى ناصر دراسته في كلية ساند هيرست العسكرية، وعمل ناصر كضابط في قوة الدفاع، وفي 19 يونيو 2011 قام والده بإصدار أمر ملكي بترقيته إلى رتبة عقيد وعيّنه قائداً للحرس الملكي، ومنذ ذلك الحين شقّ ناصر لنفسه طريقاً آخر، فقد قام بتغيير جذري في جهاز الحرس الملكي الذي كان غالبية جنوده من المغرب، ومهمته حماية العائلة الحاكمة، إلى جيش رديف ارتفع عدده وعدته، وهناك خطأ شائع مفاده أن ناصر ليست له علاقات قوية من الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الاميركية، هذا الأمر صار قديماً.
من خلال العلاقات العسكرية والتسليح والتدريب دخل ناصر إلى الغربيين عبر جيوبهم، فعمل على أن يكون ضابطاً احترافياً، وبالرغم من اتهامه بممارسة التعذيب في السجون البحرينية، دخل دورة كضابط مارينز في الولايات المتحدة الاميركية، ففي يونيو من العام 2011، سافر ولي العهد إلى الولايات المتحدة الاميركية ليحضر حفل تخريج أخيه ناصر بن حمد من دورة القيادة والأركان المشتركة بجامعة المشاة البحرية الأمريكية بمدينة كوانيتكو في ولاية واشنطن الأمريكية يرافقه نجله الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد ال خليفة.
وبالمثل أيضاً، قام ناصر بتقوية علاقاته بالبريطانيين، فهو بالأساس خريج كلية ساند هيرست البريطانية، وقد حقق المركز الأول في دورة إعداد المظليين في قوات الصاعقة في بريطانيا، ودخل دورات عسكرية بريطانية هامة، وبات يستقبل قادة بريطانيين كبار، وأما السفير البريطاني المنتهية ولايته إيان لينزي فهو ضيفه الدائم.
صفقات السلاح الخاص بالحرس الملكي، وعقود دورات التدريب المتخصصة التي يسيل لها لعاب الغربيين عادةً، هي الباب الذي دخل منه ناصر بقوة، وأشرك شقيقه من الأب والأم خالد في أمره وصعوده، فصار خالد بن حمد قائداً لقوات التدخل السريع في الحرس الملكي وتخرج من دورة عالية المستوى في فرنسا ، ويجتهد خالد حالياً في تطوير هذه القوة، وسافر لأجل ذلك إلى كوريا الجنوبية ليطلب خبرات قواتها الخاصة الشهيرة بوحدة 707، ومؤخراً شارك خالد في دورة فينيوس للقوات الخاصة في فرنسا. وعودة إلى ناصر بن حمد، فإنه تخرج من دورة خاصة بقيادة الطائرات العسكرية.
هذا الصعود الكبير لابني شيمة العجمي خصوصاً ناصر، لم يؤثر عليه أمر الملك بإعطاء رتبة مشير إلى ابنه سلمان ليتساوى من حيث الرتبة العسكرية مع خليفة بن أحمد القائد العام للجيش الذي يسيطر على الجيش، ولا يبدو أن ثمة خليفة له إلا ناصر بن حمد، وربما هناك تهيئة لترقية ناصر مع تقاعد رئيس هيئة الاركان دعيج بن سلمان بن حمد آل خليفة، وتعيين ذياب بن صقر بن عبدالله النعيمي مكانه، وهو الأمر الذي سيسهل على ناصر الوصول لمناصب متقدمة خلال الفترة المقبلة.
ناصر بن حمد يفعل كل ما يمكن أن يعطيه قوة ونفوذاً وشراء الولاءات، فإضافة لوجوده في السلك العسكري ومنافعه، قام بإجراء بتغيير داخل الحرس الملكي، عبر زيادة التوظيف من أبناء العوائل الموالية وعدم الاقتصار على الجنود المغاربة، وأظهرت لقطات مصورة لإحدى مراسم تخريج إحدى دورات المستجدين حضور أهالي الخريجين الذين بات مستقبل أبنائهم مرتبط بالولاء لناصر، وبحسب بحث مبسّط، قامت به المرآة فإن معدل دورات التخرج من مدرسة الحرس الملكي تبلغ دورة واحدة أسبوعياً.
ناصر بن حمد كثف حضوره الاجتماعي، عبر رئاسته مؤسسات، مثل المؤسسة الخيرية الملكية التي باتت تلعب دوراً هاماً في توفير عدد من الخدمات للأيتام وللفقراء، كما استخدمها لزيادة شعبيته عبر قيام هذه المؤسسة ببناء مشاريع خدمية في قطاع غزة الفلسطيني، ومخيم الزعتري للاجئين السوريين، كذلك رئاسته للمجلس الأعلى للشباب والرياضة واللجنة الأولمبية. بات ناصر يستقبل كتّاب الموالاة، ورؤساء مجالس ادارات البنوك الذي يسلمونه التبرعات للمؤسسة الخيرية الملكية ومشاريعها، طلباً لرضا أبيه عنهم.
ناصر بن حمد يفعل كل ما يحبه والده الملك، فهو بدوي المزاج، يكتب الشعر، ويركب الخيل، ويمارس رياضات القوّة والتحمل، وهو يحوز على اعجاب ابيه بشكل تام. وقد التفت وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد لهذا الأمر مبكراً، فرعى صعود ناصر وروّج فعالياته ومشاريعه، وذات مرة تجرأ موقع أوال المعارض في الكتابة عن هذا الأمر في 12 يونيو 2008، فنشر تقريراً تحت عنوان: (صحيفة الوطن) هي الجهة التي تنفذ المشروع وتروج له بشكل سري... وزير الديوان الملكي يقود انقلاب لسحب ولاية العهد من (سلمان).
على الفور تدخل جهاز الأمن الوطني، واعتقل مجموعة قال الجهاز انها تدير الموقع، وتعرض المعتقلون للضرب والإهانة، ولم تنقذهم سوى الوساطات والتدخلات من قبل كتلة الوفاق النيابية في ذلك الوقت. بعد انتهاء القضية قامت صحيفة الوطن بتوزيع صورة ولي العهد مجاناً مع عددها في أحد الأيام.
الخوالد لا يحبون ولي العهد الذي بات يعلم أنهم لن يسلموه البلدة إلا مقبرة، كما حذره ذات يوم أحد القريبين منه، علاقته الشخصية بقائد الجيش خليفة بن أحمد سيئة، بعد أن واجهه خليفة بن أحمد دون اعتبار لمنصبه، وحذّره من «اللين مع الشيعة»، وحمّله مسؤولية عودة الجماهير لدوار اللؤلؤة في 22 فبراير 2011، حدث هذا في اجتماع مجلس العائلة الحاكمة خلال شهر مارس 2011.
وكذلك يوجد قطاع كبير في الموالاة لا يرتاح لولي العهد ومنذ العام 2008 بدأ الموالون يتحاورون في المنتديات الالكترونية التابعة لهم عن إمكانية كون ناصر ولياً للعهد، ضباط الجيش لا يعرف كثير منهم ولي العهد بشكل شخصي إلا بعد بدء ثورة 14 فبراير، حين التفت ولي العهد أنه بعيد عن الجيش، وأن جلساته مع طلال الزين، والمماحكات مع علي بن خليفة ابن عمه لن توصله للحكم.
أيضاً الشيعة لا يشعرون بأن ولي العهد أفادهم بشيء، وكثير منهم يظنون انه ليس إلّا قفازاً ناعماً يستخدمه الملك حين يريد، وما فشل الحوارات التي قادها إلا خسارة كبرى من رصيده، فلا الموالاة رضيت عنه ولا جمهور المعارضة. قطاع التجار والأثرياء لا يعجبهم ما قام به ولي العهد من فرض ضرائب على العمالة، ويعتبر فشل المشاريع الاقتصادية التي قادها ولي العهد والفساد الذي يمارس في المؤسسات التي تقع تحت رعايته، مثل هيئة تنظيم سوق العمل، وصندوق تمكين، وبنك التنمية، وحلبة الفورملا، والمشاريع العقارية التي حصل على أرضها مجاناً عبر دفن البحر، نزيفاً إضافياً من رصيده. ويكفي أن خسارة شركة محسوبة عليه مثل شركة ممتلكات التي هي الصندوق السيادي للبحرين بلغت 560 مليون دينار خلال العام 2014 .
وبالعودة للخوالد وجناحهم المهيمن داخل العائلة الحاكمة وعلى الحياة السياسية في البحرين، فإنهم يتمتعون في هذه الفترة بانتعاش اضافي لما يحدث في الرياض، فالجناح الحاكم في الرياض الآن هو الجناح السديري، وهذا الجناح هو الجناح الصديق والقريب لجناح الخوالد في البحرين، وعلاقة الصداقة الخاصة بين وزير الديوان الملكي في البحرين وبين ولي العهد في السعودية الراحل نايف بن عبدالعزيز، كانت مؤثرة جداً في دعم صعود الخوالد في البحرين، والآن مع موت الملك عبدالله وعودة السديريين فإن الخوالد لا يزالون بخير، ومن أن يستفيدوا من مناخ التغييرات في السعودية لصالحهم بصورة أفضل.
تبقى لولي العهد العلاقة مع الغرب، والغرب أثبت أنه ينسج علاقات مع الجميع، وينحاز للأقوى ولمن ينتصر، ولن يكون صعباً تقبّل الغرب لناصر ولياً للعهد لو قررت العائلة الحاكمة ذات ليلة ذلك. كما أن ناصر لم يهمل أن ينسج ما استطاع من علاقات خاصة مع الغربيين، مدنيين، وعسكريين.
قد لا يصبح ناصر ولياً للعهد، لكنه لن يكون ضعيفاً أبداً بعد رحيل والده، وسيكون على سلمان بن حمد أن يلمس كرسي ولاية العهد كل يوم، فسيناريو ما حدث في الرياض ليس ببعيد، خصوصاً أن المملكة حالياً باتت في وضع الاحتياج الكامل من قبل السعودية. ولكن طموح ناصر سيبقى واضحاً، وقد عبر بنفسه عن هذا الطموح حين صرح ذات يوم لصحيفة الأيام قائلآً: مستعد لتولي أي منصب سياسي. فعلاً، هذا هو زمن صراع العروش.