"زعران" العائلة الحاكمة البحرينيّة: ليس علينا قلم
2015-04-29 - 4:34 م
مرآة البحرين (خاص): روى الميجر ديلي المعتمد السياسي البريطاني في البحرين (1921 - 1926) في رسالة هذه القصة التي تحوي العديد من الدلالات حول تصرفات أبناء العائلة الحاكمة البحرينية تجاه مواطني البلاد. تدور أحداث القصة في عشرينات القرن الماضي في قرية توبلي حين قام حمود بن صباح آل خليفة، وهو أحد أفراد العائلة الحاكمة، بقتل أحد أبناء القرية وهو الحاج حسين العريبي. كما تسبّب في إصابة زوجته وابنه وابنته بجراح خطيرة.
يقول ديلي إن "حاكم البحرين عيسى بن علي آل خليفة أرسل لاستجواب الابن حتى مع مرضه الشديد وزج به في السجن". ويواصل سارداً وقائع القصة التي تنقلها الوثائق البريطانية الخاصة بالفترة الممتدة من مطلع القرن إلى الاستقلال بأنه "وجهت للابن تهديدات تحت طائلة السجن إذا لم يوقـّع على ورقة بأن حمود بن صباح لم يقتل والده كما لم يجرح بقية أفراد عائلته".
بين ما يرويه الميجر ديلي عن حمود بن صباح والقصص التي ترد عن سلوكيات الأبناء المعاصرين للعائلة الحاكمة فترة فاصلة تصل إلى حواليّ القرن من الزمان. لكن الأمور تتشابه.
يجوب محمد آل خليفة، وهو في العقد الخامس من العمر بسيارته "رنج روفر" السوداء الفارهة ذات النوافذ المعتّمة القرى الفقيرة التي تقطنها الغالبية الشيعية في بلاده مصطحباً معه بندقيّة. في ديسمبر/ كانون الأول 2013 توقف أمام محتجين كانوا يتظاهرون ضدّ حكم عائلته وصوّب عدداً من رصاصات الخرطوش نحوهم ثم عاد ليستقلّ سيارته ثانية ومضى في طريقه.
يصوّر مقطع فيديو الواقعة كاملة: لحظة ترجله من السيارة وقيامه بإلقام بندقيته أكثر من مرة وصياحه لحظة إطلاقه النار عليهم "يا أبناء المتعة". كما يظهر بوضوح أيضاً ملامح وجهه وهيئته الفارعة الطول بالزيّ التقليدي. في تعليقها على ذلك أعلنت وزارة الداخلية بأنها "تحقق في تعامل شخص مع مخرّبين".
لا أحد يعرف بعد نتائج هذا التحقيق رغم مرور سنة ونصف على هذا الإعلان. لكنّ محمد آل خليفة ما يزال يجوب قرى الشيعة مصطحباً معه بندقيّة.
في مارس/ آذار الماضي 2015 أعلن على حسابه الشخصي في موقع التواصل بأن "لديه أسلحة جديدة تصيب من بعيد وأن لديه نية في القتل". وعلى الفور باشر بتنفيذ تهديداته. فقد شنّ غارة على قرية الهملة الواقعة جنوبيّ البلاد عبر تسديد طلقات عشوائية على منازل ساكنيها. كما قام بتحطيم نوافذ مسجد للشيعة يدعى "العبد الصالح". أما وزارة الداخلية فقد لاذت بالصمت هذه المرّة.
يجسّد محمد آل خليفة النموذج التقليديّ لشخصيّة ابن العائلة الحاكمة في البحرين الكاره للشيعة والقادر على التفلّت من القوانين وأنظمة الضبط. إنّه يعلم أن أحداً لن يجرؤ على محاسبته. وهو يبني على ذلك ويتصرّف. وتقول المحامية فاطمة الحواج "إن أكثر من 400 حكم ضد أفراد من الأسرة الحاكمة صدرت عن محاكم التنفيذ البحرينية لكنها معلّقة دون تنفيذ حتى مع لجوء الشاكين إلى مجلس العائلة الحاكمة".
وحين اقتربت محكمة بريطانية العام 2013 من إدانة أحد أفراد العائلة وهو عيسى بن علي آل خليفة بعد أن توصلت إلى أدلة دامغة بشأن استلامه رشا تبلغ 67 مليون دولار من رجل أعمال بريطاني مقابل الفوز بعقود مع الحكومة، تدخل رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة عبر تقديم وثائق تثبت موافقته على العملية. وهو ما أدى إلى انهيار القضية كون القانون البريطاني لا يعد ذلك عملا إجراميا طالما تم تحت عين الحكومة.
لقد ذكر الميجر ديلي في رسالته التي كتبها بتاريخ 3 يناير/ كانون الثاني 1922 إلى المقيم السياسي الكولونيل "أي. بي تريفور" أشكالاً متعددة لسلوكيات الغطرسة وضرب القوانين التي تمثل إسلوباً شائعاً لدى أبناء وبنات العائلة الحاكمة. وقد روى قصصاً تتضمّن تفاصيل مثيرة عن كيفيّة استيلائهم على الأراضي واستخدام عاهرات للابتزاز واختطاف زوجات البحارنة ونهب أموال الورثة بل حتى فرض ضرائب على الموتى. إنها أمثلة قديمة غدت من التاريخ لكن لم يجر القطع مع تراثها؛ إذ ما تزال تتكرّر على نحو مدهش.
ينتمي محمد بن سلمان بن صقر آل خليفة إلى فخذ يعد بمثابة الصف الثاني الأقلّ حظوة في العائلة الحاكمة. لكنّ هذا ليس مانعاً له لئلاّ يتصرّف كبقية شيوخ عائلته. في 2 يناير/ كانون الثاني 2013 قام باقتحام مبنى وزارة الخارجية في المنامة وتوجه إلى مكتب موظف بالوزارة يدعى نايف عبدالحميد الكويتي، حيث باشر بإشهار سلاح ناري في وجهه وتهديده بالقتل والفصل من وظيفته. ثم انصرف في حال سبيله على مرأى من الشرطة وحرّاس الوزارة الذين لم يحرّكوا ساكناً.
لكن وقائع الحادثة التي تم تداولها على وسائل التواصل لقيت صدى واسعاً. بل أن صحيفة حكومية تساءلت ما إذا "كنا في تكساس أم البحرين؟". ما اضطرّ ذلك وزارة الخارجيّة إلى إصدار بيان اعترفت فيه بجميع الحيثيات التي تم تناقلها بشأن الحادثة. غير أنها اكتفت بـ"الاستنكار" على طريقة البيانات التي يمكن قراءتها على موقع منظمة حقوقية محلية وليس وزارة سياديّة.
وحتى مع ذلك، فقد اضطرّت الوزارة إلى سحب البيان وحذفه من على موقعها بعد ساعات قليلة من إذاعته. ولم يشفع للوزارة أن يكون على رأسها وزير هو الآخر من العائلة الحاكمة.
يشير ناصر الخيري وهو أحد أبرز المؤرخين في البحرين (1876- 1925) إلى أنماط التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها شيوخ العائلة الحاكمة لدى تطرقه إلى حياة أحد أفرادها وهو محمد آل خليفة. ويقول إنهم يتلقون التعليم على فنون الفروسية واقتناء العبيد والجواري والجياد والإبل وتثقيف الطيور "صقارة" وإعدادها للصيد والقنص. أما فنون العلوم والآداب والمعارف التي يحتاجها الزمان فلا يجري تثقيفهم بشأنها. يجسّد نجل الملك ناصر بن حمد آل خليفة هذا النوع من التنشئة على نحو حاسم.
لقد تسبّب العام الماضي 2014 في إغلاق شوارع حيوية في جميع أنحاء البلاد وتعطيل 42 رحلة طيران وتأخير الموظفين عن أعمالهم زهاء الساعتين بما في ذلك العاملون في المستشفيات بسبب سباق جري كان يقيمه إرضاء لنزوته كشاب. وحين ضجّ الرأي العام لذلك عقب قائلاً إن "من قاموا بالفتنة جعلوكم توافقونهم الرّأي السلبي حول أنجح سباق في العالم".
درس ناصر بن حمد العلوم العسكريّة في كلية "ساندهيرست" بالمملكة المتحدة. وتعمل أجهزة الدعاية الحكومية على تقديمه كفارس مغوار أو رجل حديدي خارق لايثنيه أي شيء. لكنه ما يزال يفتقر إلى الكثير مما تحدث عنه ناصر الخيري: فنون العلوم والآداب والمعارف التي يحتاجها الزمان. إذ يمكن لهذه أن تعلّمه باللياقة أن البهلوانيّات التي يحرص على تقديمها على أنها سبب لعظمته يُنظر لها من قبل مواطني بلاده على أنها أضحوكة. ويبدو أنه سيمرّ وقتٌ طويل إلى أن يتعلّم ذلك. وكذلك بقية أفراد عائلته.