أشياء تود معرفتها عن سجن "الحوض الجاف": الحارس المخدوع والحبيبة اليمنية «2»
2015-04-21 - 12:15 ص
مرآة البحرين (خاص): هذا حوار أنجز على فترات متفاوتة. تبرّع فيه أحد الموقوفين في سجن "الحوض الجاف" والذي نشير له تحت الاسم المستعار "ك. ك"، بالإجابة على أسئلته. كما تحمّل إلحاحنا عليه بسرد أدقّ التفاصيل. هدفنا كان تصوير الحياة السجنية في هذا السجن النائي، وإعادة تركيب مشاهدها في نصّ، لتعذّر تصويرها المباشر. حاولنا سبر دورة الحياة اليومية، بإكراهاتها وتملّصاتها، وتقلبات الوجود الإنساني داخل الغرف الصغيرة المظلمة، بشقائه وشقاوته. هناك؛ حيث يقبع وجهاً لوجه: المسجون وسجّانه. شيء ما هناك، غير عين الضحية وقفا جلاّدها. فماذا هناك أيضاً؟ في هذه الحلقات، سنترك لـ"ك. ك"، أن يحدثنا عن ذلك. فيما يلي الحلقة الثانية من الحوار:
المرآة: هل يمكن الحديث عن شخصيات الحراس وأمزجتهم، وهل يُسمح للسجناء بإنشاء علاقات معهم؟
ك. ك: هناك الجيد في التعامل وهناك من يتعمد الأذى وهناك الحاقد الذى يسعى لخلق المشاكل للتقرب من الإدارة. يعمل السجناء على خلق علاقات ودية بينهم وبين الحراس في محاولة لكسبهم والاستفادة منهم. تتفطن الإدارة لذلك باستمرار، لهذا فهي تعمل على تدوير وتغيير الحراس كل ستة أشهر تقريبا.
المرآة: ما هي علاقة الحراس بالضباط، حب أو كراهية؟
ك. ك: الحراس يخافون جدا من الضباط، وخاصة العقوبات التي قد تواجههم عند أي خطأ. وهم دائمو الشكوى من ذلك. إن أقل غلطة يقومون بها يمكن أن يلقوا عليها عقوبة، مثل زيادة وقت الدوام إلى الضعف أو التحويل إلى "أسري"؛ حيث هناك يتم حبس العسكريين الذين تفرض عليهم عقوبات معينة. هناك ضباط مكروهون جداً عند الحراس مثل الملازم أحمد العمادي، وآخرون محبوبون لديهم مثل الملازم سعود الفلاح.
المرآة: هل يتحدث الحرّاس لكم عن مشاكلهم الشخصية؟
ك. ك: بعض الحراس نعم. أحد الشرطة اليمنيين أخبر أحدنا أنه تم استغفاله من قبل خاله واستقدامه للبحرين وتوظيفه في الداخلية. حين عرف حقيقة الوضع - حسب كلامه - قام خاله يتهديده. قال إنه على علاقة عاطفية بإحدى الفتيات من بلاده ويريد الرجوع لها والزواج فالاستقرار في اليمن، ولكنه لا يستطيع.
المرآة: هل الحراس متدينون أو يواظبون على أداء الصلوات؟
ك. ك: ليس لديهم مكان في العنبر للصلاة. ولكن هناك مسجد في المعسكر وبه خطيب وسماعات خارجية يسمع صوتها في كل عنابر المعسكر، ومنها تنطلق خطب الكراهية والطائفية. كل الحراس سنة ويتم تغذيتهم بمعلومات خاطئة عن الشيعة بشكل مستمر. أذكر أن أحد الحراس استغرب ذات مرة وقال لي: أول مرة أعرف أن الشيعة يصلون جماعة. آخر قال لي إنه عرف أننا مسلمون هنا فقط.
المرآة: ماذا تقصد بقولك "خطب الكراهية"؟
ك. ك: أعني الخطب التي يتم بثها عبر السماعات الخارجية لمسجد المعسكر. هي نسخة إن شئت التوضيح، من خطب (عضو البرلمان السابق) الشيخ جاسم السعيدي. دائماً ما يبدأ الإمام خطبته بالحديث النبوي القائل "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار". ثم تتلو ذلك إسقاطات هذا الحديث على عقيدة المعتقلين كالقول إن الرافضة، أي الشيعة هم أهل بدعة.
المرآة: هل تشعرون بفرق في المعاملة من قبل الإدارة - كونكم سجناء سياسيين - مع الموقوفين في قضايا جنائية؟
ك. ك: إلى حد ما ما السياسي له حساب خاص. لكن تلك ليست مسألة مرئية بوضوح.
مرآة البحرين: كيف تقضون يومكم وما هي وسائلكم للتغلب على الساعات الطويلة؟
ك. ك: أغلب المعتقلين يسهرون في الليل حتى وقت متأخر، وينامون بعد صلاة الصبح. نقوم بقضاء الوقت إما في الدردشة أو الدروس الدينية في الغالب أو الدعاء والصلاة. خلال فترة الصباح ينام المعتقلون ما عدا من لديهم زيارات أو محاكم أو مواعيد في المستشفى. في العصر تفتح أبواب الزنازين فنتبادل الزيارات بين بعضنا البعض أو نذهب إلى غرفة مشاهدة التلفزيون أو حتى ممارسة بعض ألعاب السجن مثل لعبة تسمى "الزهرة". بعض الغرف تنظم دروساً في القرآن الكريم، وأخرى في اللغة الإنجليزية. هناك جلسات حوارية تعقد لتداول الأخبار والتحليلات السياسية، وكل حزب بما لديهم فرحون. نوعية البرامج في كل غرفة تتفاوت وهي تعتمد على الكوادر الموجودة فيها. بعض الغرف نشطة وبعضها الآخر لا تحوي غير الدردشات. تقفل أبواب الزنازين بعد صلاة المغرب.
المرآة: حدثني عن البرنامج في الغرفة التي توجد فيها. على سبيل المثال، كيف قضيتم وقتكم في هذا اليوم؟
ك. ك: سهرنا حتى وقت صلاة الصبح. أدينا الصلاة وباشرنا بقراءة الأدعية كدعائي "الصباح" و"العهد"، وأعقبنا ذلك ببعض التلاوات القرآنية. نمنا مع شروق الشمس لغاية وقت صلاة الظهرين. صلينا الظهر وتناولنا وجبة الغداء. قضينا الوقت التالي في القراءة وبعضنا في الحوار حول الأخبار والمستجدات السياسية؛ وذلك إلى أن حان وقت فتح أبواب الزنازين. الأدعية والزيارات نقرأها جهراً بشكل جماعي كما يحصل عند قراءة زيارة عاشوراء؛ أما قراءة القرآن فهي فردية لكن ضمن "ختمة" جماعية. مع حلول وقت أذان المغرب، عدنا إلى الزنازين لأنه الوقت المقرر لإقفالها. صلينا وتناولنا وجبة العشاء. وأعقب ذلك درس عبارة عن "لفتات فقهية". بعضنا أخذ يلعب "الزهرة".
المرآة: هل تدرسون علوماً أخرى غير الدينية؟
ك. ك: هناك نحو (...) في غرفتنا يعملون على تطوير لغتهم الإنجليزية بمساعدة أحد السجناء العارفين باللغة. يمكننا الحصول على بعض الكتب التعليمية باللغة الإنجليزية.
المرآة: هل يسمح لأهاليكم بإدخال الكتب لكم؟
ك. ك: يسمح لكل معتقل بالحصول على كتابين في كل شهر. بعد شهر يحق له إخراج الكتاب واستبداله بكتاب آخر.
المرآة: ما هي أنواع الكتب التي يسمح بإدخالها. هل يمكنكم الحصول على أي كتاب تطلبونه؟
ك. ك: لا، كل الكتب تخضع لرقابة صارمة. يبقى الكتاب لدى الإدارة حوالي الشهر لمراجعته ومن ثم تقرر السماح له أو منعه. العديد من الكتب يتم منعها، خاصّة الكتب السياسية. الكتب السياسية ممنوعة بشكل مطلق.
المرآة: اذكر لي أمثلة لعناوين الكتب المسموحة؟
ك. ك: "شرح النهج" للشيخ ميثم البحراني، "الذنوب الكبيرة" للسيد عبدالحسين دستغيب، "القلب السليم" للسيد عبدالحسين دستغيب، "نهج البلاغة" للإمام علي، الرسائل العلمية للفقهاء، وكذلك كتب السيرة، الأدعية وكتب التفسير.
المرآة: ما هو نظام الوجبات ومم تتكوّن؟
ك. ك: الوجبات تقوم شركة خاصة بتوظيبها. كل سجين له "باكيت" خاص. وجبة الإفطار تصل في تمام الساعة السادسة صباحاً. وهي تتكوّن من الشاي والخبز والجبن. يضاف إلى ذلك البيض أحياناً، وأحياناً السمبوسة، وأحياناً أخرى "الكورن فليكس". وجبة الغداء تصل بعد صلاة الظهر في حوالي الساعة الواحدة. وهي عبارة عن "باكيت" بحجم عادي يحوي أرزاً لشخص واحد، مع كيس يحوي سلطة خضراء وقطعة فاكهة واحدة إما موز أو برتقال وأحياناً التفاح. توزع وجبة العشاء بنفس النظام عند الساعة السادسة مساء مباشرة بعد صلاة المغرب.
المرآة: كم تبلغ حصة السجين في الوجبة الواحدة؟
ك. ك: في وجبة الإفطار على سبيل المثال، العادة هي أن يحصل السجين على قطعتي خبز لبناني، قطعة جبن واحدة، بيضة واحدة مسلوقة أو بيضتين مقليتين، إضافة إلى ثلاث قطع من السمبوسة.
المرآة: كيف تتلقون ما يحصل في الخارج وهل أنتم متفائلون أم ينتابكم اليأس لطول أمد الأزمة؟
ك. ك: تختلف الحالة النفسية بين سجين وآخر. لكن الحالة الغالبة هي الأمل وأن النصر قريب. لكن هناك شعور عام لدى المساجين بأنه لحصول ذلك فإن هناك حاجة إلى تظافر المزيد من الجهود. متابعة الأخبار وتحليلها هي طقس يومي، لكن هناك مبالغات. في حال سماع أي خبر يتم تضخيم الخبر وكأنه حدث كبير. الأخبار هنا ليست بذات حجمها في الخارج. لكن هذا شيء طبيعي.
المرآة: كيف يتعامل المعتقلون مع اختلافاتهم خاصة أن معظمهم آتون من انتماءات مختلفة؟
ك. ك: السجن هنا مجتمع مصغر للمجتمع في الخارج. كل انقسامات الخارج تتم إعادة إنتاجها هنا. لكن الفرصة التي أمامك، هي أن جميع هؤلاء الذين ربما تكون متفقاً أو مختلفاً معهم تعيش معهم في نفس الغرفة أو العنبر. تقضي أوقاتاً كثيرة معهم، كل ساعاتك وأيامك، فتنشأ من جراء ذلك حوارات - بعضها عاصف - كما تنشأ عادات تزيد من مستوى الألفة. التحزبات موجودة، لكن رغم ذلك، تجد المعتقلين بشتى انتماءاتهم جالسين يضحكون أو يمازحون بعضهم. السجن مساحة مشتركة تتيح لهم أن يتعرفوا أو يتقربوا إلى بعضهم البعض أكثر. لا يسعى أي أحد لتغيير قناعات الآخر؛ ولكن دائما هناك جدل "بيزنطي" حول نقاط الخلاف في إدارة الصراع مع السلطة. في المواقف التي تتطلب موقفا موحدا تجدهم يتوحدون.
المرآة: ما هي القضايا التي يختلفون عليها عادة؟
ك. ك: قيادة الحركة السياسية، طرق مقارعة السلطة وأساليب المواجهة.
المرآة: هل تلعب إدارة السجن على وتر هذه الخلافات؟
ك. ك: نعم، بشكل كبير. في عنبرنا، استطاعت إدارة السجن فك إضراب وإفشال خطوات تصعيدية كانت مقرّرة باللعب على وتر أن القائمين عليه ينتمون الى فكر معين. وتكرر الأمر مع تحرّك آخر لتوقيع عريضة كان من المزمع رفعها إلى الأمم المتحدة.
المرآة: من يكون على اطلاع على اختلافات الموقوفين التنظيمية؟
ك. ك: الضباط فقط، وليسوا كلهم. من يضطلعون لهذه المهمة هم ضباط محددون. الملازم أحمد العمادي مثلاًً، هو أحد الذين يتابعون هذه الخلافات بشكل حثيث ويعمل على استثمارها وإدارتها. وكذلك الضابط هشام الزياني والرائد مازن التميمي.
المرآة: كيف يتمكن هؤلاء من معرفة ما يدور بينكم كسجناء؟
ك. ك: كما أن في الخارج هناك جواسيس واستخبارات هنا أيضاً في داخل السجن يوجد من يقوم بهذه المهمة. هناك حوالي (...) ممن لهم علاقة بالضباط.
المرآة: هل هم من الموقوفين؟
ك. ك: (...)
المرآة: ما هي وظيفة هؤلاء الجواسيس بالضبط؟
ك. ك: هناك من وظيفته رصد الأجهزة والهواتف ومكان تخزينها في كل غرفة. هناك من وظيفته حصراً تقتصر على استقبال الموقوفين الجدد والتحدث إليهم لأخذ معلومات حول قضاياهم. أي أن وظيفته الفعلية هي إكمال شغل التحقيقات. وقد حدث أن تم إعادة العديد من المعتقلين الى التحقيقات والتحقيق معهم من جديد ومواجهتهم بكلام ومعلومات دارت في حوارات بينهم وهذا الجاسوس.
المرآة: كيف يتواصل هؤلاء مع مشغليهم؟
ك. ك: من خلال أجهزة الاتصال الذكية أو التواصل مع الإدارة بين فترة وأخرى، خصوصاً في أوقات التمرد أو عند حصول فوضى.
المرآة: ما هي المزايا التي يحصلون عليها في قبال ذلك؟
ك. ك: (...)
المرآة: هل هؤلاء معروفون لدى عامّة السجناء؟
ك. ك: لدى قدامى السجناء نعم، لكن ليس لدى الموقوفين الجدد. لكن هؤلاء الأخيرين سرعان ما يتعرّفون عليهم بعد تلقيهم تحذيرات من السجناء القدامى.
(يتبع في الحلقة المقبلة)