» رأي
النظام البحريني وحلفاؤه: بين "القبضة الأمنية" والاحتواء السياسي
ناصر زين - 2011-11-20 - 8:21 ص
ناصر زين*
لا شك أن النظام في البحرين - خصوصا الجناح المتمثل في الملك وولي عهده وحتى المجتمع الدولي وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية – لا يريدون للأزمة/الانتفاضة/ الثورة أن يمتد اشتعالها في الشارع وتستمر حتى ذكرى موعد انطلاقها 14 فبراير 2012 المقبل دون التوصل إلى حل ينهيها سياسيا أو يحجمها ميدانيا ولو بالالتفاف على شرعية المطالب التي ترفعها بعدما أدرك الجميع أن ليس بالإمكان أن يتم السيطرة أمنيا على هذه الحركة الشعبية المتصاعدة, ولو تصاعدت وتيرة القبضة الأمنية نظرا لكونها نابعة من قضية مطلبيه تعود لعقود طويلة وليست وليدة الأيام أو السنوات القليلة خصوصا في ظل الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي ارتكِبتْ ضدها – ووثقتها المنظمات الحقوقية - منذ انطلاقها، الأمر الذي جعلها متأججة دائما حتى بعد قمعها في 16 مارس الماضي بشكل عنيف، وإن خَبتْ في بعض مفاصل توهجّها إلا أنها سرعان ما تشتعل من تحت الرماد مع سقوط شهيد بين فينة وأخرى.
اليوم يدرك هذا الجناح في النظام – ومعه حلفاؤه الغربيون والأمريكيون والدول الكبرى وحتى دول الخليج باستثناء السعودية - ألا محيص عن الحل السياسي في البحرين بعدما عقَّدَ الخيار الأمني معطيات الحل، وهذا ما أشار إليه أخيرا رئيس الوزراء القطري في مقابلته مع صحيفة (الأخبار) مبديا ألمه من " عدم اكتمال الحوار بين ولي عهد البحرين والجهات الأخرى في المعارضة" وهو الذي أكد عليه أيضا الرئيس الأمريكي باراك أوباما بحثّهِِ "النظام على التحاور (الجاد) مع الوفاق" دون سواها من الفصائل الأخرى من المعارضة نظرا لسقفها المطلبي الذي (ربما) ترتضيه إدارة البيت الأبيض، الأمر الذي يدلل على عدم اعتراف الدول الكبرى وحلفاء النظام وبعض دول الخليج بما سُمي بـ (حوار التوافق الوطني) كونه كان حوارا بين النظام ومناصريه.
يعلم الجميع أنه كلما تعمقتْ الأزمة وطال أمدها يصعب الخروج من عنق الزجاجة بالنسبة للنظام وحلفائه، ويُنقل عن ولي العهد الشيخ سلمان آل خليفة بشأن الحل لعلاج هذه الأزمة قوله "أن الجرح عميق في هذه الأحداث والعلاج كلفته باهضة" في إشارة منه إلى كلفة العلاج السياسي المستقبلي.
نعم، يدرك ولي العهد تماما أنه كلما ازداد الجرح عمقاً جراء الانتهاكات التي ترتكتب أمنياً وحقوقياً، كانت كلفة العلاج باهضة سياسياً، وكلما امتدت/ اشتعلت الأزمة زمانيا ودراماتيكيا، أصبحت متطلبات الحل للخروج بمصالحة وطنية في حدها الأدنى تبتعد شعبيا وتوافقيا بتوسع الهوة بين النظام الحاكم والقاعدة الجماهيرية المنتفضة على صفيح ما تفرزه الأحداث الساخنة في الشارع من توترات تتفاعل محليا وإقليميا ودوليا على مختلف الأصعدة.
ويجمع حلفاء النظام على أن السبيل للخروج من الأزمة المتصاعدة هو القيام بإصلاحات سياسية عاجلة، وهو ما أكدت عليه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أخيراً من «إن الإصلاحات والمساواة في مصلحة البحرين، وفي مصلحة المنطقة ومصلحة أميركا"مشيرة إلى عدم جدوى الاعتقالات الجماعية لمواجهة احتجاجات شريحة واسعة من المجتمع تطالب بمزيد من الحقوق في البلاد".
لكن سقف هذه الإصلاحات لدى النظام – في ظل الأزمة وتعقيداتها - يتقافز في آفاق المعتم والمجهول والضبابي نظراً لما يُشاع من تجاذبات وصراعات داخل بيت الحكم في كيفية التعامل مع الأزمة المتفاقمة بين (الضرب بيد من حديد) أو (الاحتواء السياسي) وتقديم بعض التنازلات، وإن ما يزيد حل الأزمة البحرينية صعوبة وتعقيدا هو(أقلمتها) و(دوللتها) وربط مخرجاتها بمدى تفاعلات وتوافق دول الخليج في سياق تطورات الربيع العربي والخصوصية القبلية والعشائرية في الحكم الخليجي من جهة، ومصالح الدول الكبرى في المنطقة وما ترتئيه الولايات المتحدة وبريطانيا - كحلفاء للنظام - والصراع الأمريكي/ الإيراني من جهة أخرى، وبين سقوف قوى المعارضة المختلفة والتي تتراوح بين (مملكة دستورية) أو (إسقاط النظام) من جهة ثالثة، فضلا عن دور نفط السعودية خصوصا – التي ترى البحرين (ابنتها الصغرى) - في صياغة وتشكيل المواقف السياسية الدولية لحلفاء النظام ومصالحهم الإقليمية والاقتصادية في المنطقة.
ويرى محللون أن هناك عدة سيناريوهات مستقبلية تطفو على السطح منها ما يراه ويعول عليه حلفاء النظام كانطلاقة للخروج من الأزمة الراهنة، هي ما ستسفر عنه نتائج (لجنة بسيوني) لتقصي الحقائق، والذي أشار إليه أخيرا وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، من "أن بلاده تنتظر نتائج تقرير اللجنة المزمع صدوره في 23 نوفمبر الجاري" مبديا استعداد بلاده "لمساعدة البحرين في تنفيذ أي توصيات تصدر عن هذا التقرير" وهو ذاته ما أكدت عليه كلينتون من أنها "ستلزم البحرين بتنفيذ توصيات التقرير".
وفي نظر المحللين، وعلى الرغم مما يشوب لجنة بسيوني من إثارة شبهات حولها – في رؤية الشارع المنتفض - وعدم استقلاليتها نظرا لكونها مشكلة من رأس النظام، يرون أن صدور هذا التقرير لا يصلح لأن يكون انطلاقة حقيقية لمصالحة وطنية حتى لو كانت هناك رغبة (جادة) عند النظام وحلفائه لحلحلة الأزمة سياسيا، فالبحرين اليوم ليست البحرين ما قبل 14 فبراير فالمعادلة اختلفت، وأن داخل بيت المعارضة نفسها أكثر من لاعب سواء على المستوى السياسي أو الميداني، فالاستفراد بمحاورة فصيل سياسي واحد – وإن كان يحظى بحالة جماهيرية كبيرة كالوفاق – لن يكون قادرا على إخراج النظام من عنق الزجاجة نظرا لتعدد سقوف الفصائل المعارضة الأخرى التي يطالب بعضها بإسقاط النظام أو تقرير المصير الذي يتبناه ائتلاف شباب 14 فبراير الذي يقود الحراك الثوري في الشارع ولا يستهان بالقاعدة الجماهيرية التي يحظى بها، فضلا عن الفصائل والحركات الأخرى التي تقبع قياداتها حاليا في المعتقلات.
وما يُعقّد الأزمة أكثر لدى النظام، هو عدم وجود مؤشرات – حاليا – حتى عند الفصيل المعارض الذي يراه حلفاء النظام (معتدلاً) وهي (الوفاق) – للتنازل عن مطلب التداول السلمي للسلطة وتشكيل حكومة منتخبة وفصل رئاسة الوزراء عن العائلة المالكة، وهو الأمر الذي يرفضه الجناح المتشدد – كما يُشاع - داخل أروقة الحكم، هذا فضلا عن إصرار فصائل المعارضة الأخرى – دون الجمعيات الرسمية – على المضي ُقدماً في مطلبها وسقفها المحدد.
ثمة آخرون يرون أن حلفاء النظام يبدلون جهدا لدفعه – بجانب إقناع النفوذ السعودي – لتقديم تنازلات أكبر لصالح المعارضة للحيلولة دون تمدد الأزمة وتعقيد سبل حلها المستقبلي، وثمة اتجاه في طرفي الحكم يؤمن بما يدفع إليه الحلفاء، إلا أن المشكل الأساس – في ظل وجود طرف متشدد في الحكم يؤمن بالحل الأمني لإنهاء الأزمة – في سقف التنازلات وتنحي رئيس الحكومة الحالي عن رئاسة الوزراء والذي (ربما) – بحسب رأيهم – يُرضي أطرافاً عدة من فصائل المعارضة للولوج في مصالحة وطنية، لكن يبقى الخلاف – لدى حلفاء النظام وأحد طرفي الحكم – في آلية وكيفية التنحي وإقناع فصائل المعارضة من جهتها بتقديم تنازلات جوهرية في مطلبها هذا، والقبول بجدول زمني لتنفيذ عملية تنحي رئيس الوزراء – كما يُشاع - بعد مرور عام مثلا بعد الوصول لمصالحة وطنية بين مختلف الفصائل حتى لا يمس ذلك هيبة الدولة.
صحفي بحريني*