» تقارير
الشهيد السادس بعد الأربعين :كم أنت قاس ياوطني، أنت تسكن قلبي وأنا أسكن سجونك
2011-11-19 - 2:58 م
مرآة البحرين (خاص): عند الساعة الثانية وست وخمسين دقيقة من فجر اليوم السبت 19 نوفمبر 2011 تحرر الفتى البحريني علي يوسف من السجن، لكن من أي سجن، وبأية طريقة؟!
على بُعد أربعة أيام من احتفال السلطات بتقرير موظفها، القاضي سابقاً والمستشار حالياً محمود بسيوني، وبعد ساعات من مرور 40 يوماً على استشهاد الفتى أحمد القطان، وبعد مرور أسبوعين على استشهاد الحاج علي الديهي، وبعد مرور أسبوع على نشر قناة فرانس 24 تقريراً عن استخدام وزارة الداخلية البحرنية سيارتها وسيلة قمع، وبعد مرور 24 ساعة قاسية على جمعة 18 نوفمبر. بعد كل هذه المرورات، سقط الشهيد البحريني السادس والأربعون علي يوسف علي الستراوي، ماراً من عالم فظاعات الشهود إلى عالم جنات الخلود.إليكم الحكاية.
قبل نحو شهر بدأت قدما علي تتآلف مع تراب قرية الجفير، هنا حيث أتى والده بالعائلة من سترة بحثاً عن سكن ملائم لها، لم يعلم أحد من هذه العائلة حينها أن هذا التراب الجديد سيرتوي من دم علي ذي الستة عشر عاماً.
لم تتخيل العائلة أن علياً ذا العيون العسلية والشعر الطويل والملامح الوسيمة، ستدوسه سنابك خيل تتار العصر، مرتزقة العائلة الحاكمة في البحرين، وستحيل جسده كومة لحم وعظام مُهشّمة.
سيارة تحمل كمّاً من مرتزقة وزارة الداخلية يقودها وحش بشري بسرعة 100 كيلو متر في الساعة، لاحقت متظاهرين كان بينهم عليٌ، كان عليٌ ورفاقه يركضون في شارع مستقيم لا مهرب جانبي فيه، صدمه المرتزقة بالسيارة التي رصته بالجدار، طاشت دماؤه وتناثرت أشلاؤه وتهشم جسده تماماً. لم تكتفِ بعلي، أصابت معه شابين آخرين، أحدهما تم ّ نقله للمستشفى.
استشهد علي وتحرر من وطن يقسو عليه، وترك لنا شكواه في بروفايل هاتفه البلاك بيري "كم أنت قاس ياوطني، أنت تسكن قلبي وأنا أسكن سجونك". تحرر علي، لاشك أنه لمح في لحظة تحرره فتيين يبتسمان ويلوحان له "تَعالَ"، ربما هو الآن في أحضان أترابه علي جواد الشيخ، وأحمد القطان يستقبلانه بحفاوة بالغة.
مواطن أجنبي رأى الجريمة من نافذته حيث يسكن، اتصل بصديقه البحريني المدون والمغرّد حسين بن حبيب (HussainBinHAB) فكتب (خبر عاجل أنباء عن شهيد في الجفير بعد عملية دهس، الشاب ملقى على الأرض والمرتزقة يمنعون الشباب من الوصول إليه، وهم يرقبون المشهد).
هذه التغريدة أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، فبدأت تتابع التغريدات المتعلقة ب(جريح الجفير) الذي أعلن حسين بن حبيب شهادته، لكن حسين عاد ليؤكد أن صديقه الشاهد غاب عن السمع أيضاً! وزارة الداخلية، نقلت على حسابها في تويتر: وقع حادث مروري أودى بحياة مواطن بعد اصطدام إحدى دوريات حفظ النظام به بسبب سكب الزيت في الشارع بمنطقة الجفير. بالطبع لم يكن ثمة زيت مسكوب بحسب شهادات متواترة من جيران الموقع الذي قُتل فيه علي.
انتقل الحدث بعدها، لمتابعة بقية المشهد، الشاهد الذي اختفى أكد لصديقه المغرّد أن الجسد مهشم تماماً وأن سيارة المرتزقة وقفت فوقه لفترة، ولم يكن يظهر إلا رأس الشهيد. في وقت لاحق أكد عم الشهيد الذي شاهد الجسد المسجى في مشرحة السلمانية أن: جسد الشهيد مهشم بصورة بشعة جداً جداً، بحسبما ما رآه.
مشهد آخر نقله جيران منزل الشهيد، لقد شاهدوا والدة الشهيد تخرج صارخة من المنزل، وهي تهرول باتجاه مصرع ابنها، حين اقتربت من الشهيد أطلقت صرخات تنادي المستحيل، كان مشهداً سريالياً، فيما كان المرتزقة واقفين بهدوء مطمئنين أن الموت البارد، لن يواجهه إلا سلام الضحايا، وأن ثمة من سيغسل يديهم بتقريره بعد بضعة أيام.
غداً لن يكون علي في مقعده الدراسي في مدرسة الشيخ عبدالعزيز الثانوية في العدلية، سيخلو مكانه فوق طاولة الطاعم في المنزل، سيخلو سريره من دفء جسده الغض، ستحنّ طرقات الجفير إلى ألفة قدميه فوق ترابها، لن يتسلم أصدقاؤه منه رسالة (بي بي) جديدة، لقد أرسل رسالته الأخيرة بدم قانٍ، تاركاً لنا الرد.