دروس من الثورات العربية: ماذا يمكن أن تستفيده الثورة البحرينية
2014-10-07 - 6:16 م
علي الفرج*
ونحن نعيش فترة ما بعد الربيع العربي وقد ومرت حوالي أربع سنوات على انطلاق هذا المخاض العسير لا بد من البحث عن دروس ليس فقط لفهم المرحلة بل لكي (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين). لا شك أنه يوجد دروس من كل الحركات التي حدثت في كل دول الربيع العربي. لنحاول إيجاد فهم عام وإيجاد نتائج عامة سننظر لفهم كل تجربه على حدة وبغض النظر عن الولاءات. لتقييم كل حركة سوف نستخدم معايير بسيطة لتقييم النتائج والإنجازات خلال هذه الفترة والتي قد تعتبر قصيرة في تاريخ الأمم. هذه المعايير تشمل نجاح الثورة من حيث إيجاد تغيير سياسي جوهري، حصول الشعب الثائر على استفتاء أو انتخابات حرة ونزيهة لاختيار مجلس للشعب والسلطة التنفيذية، وأخيرا مدى قابلية النظام السياسي الجديد إن وجد في البلد للاستقرار على المدى المنظور. في هذه العجالة لا يمكن تغطية كل الثورات بتفاصيلها وبكل هذه المعايير. ولما كان اهتمام الكاتب بثورة البحرين فالمقارنة هنا ترجع لثورة البحرين لاكتساب الدروس بعد إيجاز عن كل ثوره. ما أدعيه هنا فقط محاولة لفهم الثورة وليس دعوة لحل خاص بعينه.
في تونس أولى الثورات تمكنت من إيجاد تغيير نوعي في النظام السياسي بشكل جوهري فزين العابدين بن علي انتهى في المنفى وتمكن النظام الجديد من اختيار مجتمع سياسي متعدد من حيث القوى السياسية والترتيب لانتخابات حرة ونزيهة وتشكيل سلطات ممثلة للشعب من خلال تحالفات بصيغة معينة بين القوى السياسية. من أهم إيجابيات الوضع التونسي أن الجيش والقوى الأمنية وطنية والشعب التونسي لحمته الوطنية أكثر تماسكا من حيث إنه يشترك في غالبة في اللغة والدين بل والمذهب. هذه العوامل ساهمت كثيرا في إحداث التغيير بشكل أفضل منه في الدول الأخرى وبأقل الخسائر. نعم مازالت تونس في مخاض والاقتصاد التونسي لازال يترنح إلخ من المشاكل التي تشترك تونس فيها مع الدول الأخرى في الوطن العربي. تستفاد من الثورة التونسية أن عدم تدخل الجيش في السياسة هو أكثر أمان لاستقرار أي دوله. كما أن استمتاع الساسة وخاصة قادة الفصائل الكبرى مثل السيد راشد الغنوشي بالمرونة والانفتاح على الآخرين جنب تونس ويلات وفتن كثيرة ليس فقط من خلال التصريحات بل من خلال التواصل المباشر والمستمر.
في مصر الوضع مختلف تماما فالمصريون قاموا بثورتين بدل ثورة واحدة الأولى ضد حسني مبارك والثورة الثانية ضد نظام الإخوان المسلمين. قراءة الثورة الثانية على أنها ثورة أو انقلاب أو ثورة مضادة كله قابل للنقاش. لكن ما يصعب النقاش حوله مدى رضى المصريين للنظام الجديد. هل النظام الجديد ممثل حقيقي للشعب المصري بالنظر إلى أن قيادات أكبر حركة سياسية أي الإخوان المسلمين في السجون والكثير يحاكم بالإعدام والسجن المؤبد؟ لا شك أن الجيش المصري أكثر ولاء لحكم عبدالفتاح السيسي منه من نظام الإخوان بدرجة لا تبدو أقل من ولائه السابق لحسني مبارك. لعل النظام السياسي الجديد يبدو أكثر استقرارا ولكن في المدى القصير فقط حيث إن نظام العسكر لا بد وأن يؤدي تدريجيا لحالة احتقان تزداد مدته مع الوقت حتى تأتي ثورة جديدة لا يعلم متى يحين وقتها. لا أتصور أن الكثير من المصريين يفرقون بين الوضع السياسي الجديد والوضع قبل ثورة 25 يناير و(كأنك يا أبو زيد ما غزيت). نستفيد من الثورة المصرية أنه كما أن الحل قد يأتي من العسكر فإنه كذلك قد يكونوا أساس المشكلة.
في ليبيا وإن أدت الثورة لسقوط نظام القذافي ولكن بعد التدخل الغربي، أصبحت ليبيا للأسف بلد لا تختلف عن الصومال ولولا وجود كنز البترول في ليبيا لسمعنا بوجود مجاعة في ليبيا. لحد الآن ما زالت الحرب الأهلية تحصد الأخضر واليابس حتى انعدم الأمن، ولا يوجد علامات وجود دولة فلا استقرار ولا حكومة أو برلمان مشكل من خلال انتخابات حرة ونزيهة. حتى لو رغب قادة ليبيا الجديدة من السعي وراء نظام ديمقراطي حقيقي فإن هذا الهدف يبدو بعيد المنال. مع انهيار الجيش الليبي سادت القوى القبلية والمناطقية مما عسر موضوع بناء الدولة. أخشى ما يخاف على ليبيا هو دخول الصراعات الأهلية لحرب طويلة مثل ما عاشته لبنان في النصف الثاني من القرن الماضي. التوافق الوطني بين القوى المختلفة لعله السبيل الوحيد لتجنب ذلك ويتطلب الكثير من حكمة الفرقاء الليبيين. الفيصل هنا هو تكوين جيش وطني يوالي الحكومة المركزية بدل الولاءات الفرعية. التشابه الوحيد بين الثورة الليبية والبحرينية هو كون جيش القذافي من الكثير من المرتزقة المستعدين لقتال الشعب الليبي. فلما لم يستطع الليبيون التخلص من نظام القذافي إلا بتدخل أجنبي ولم يتم هذا إلا مع وجود مخازن البترول الهائلة. الدرس الواضح هنا أنه إذا لم تملك كنزا فلا تتوقع غزوة من علي بابا وعصابته.
في سوريا ونتيجة لعسكرة المعارضة منذ وقت مبكر تحولت سوريا للأسف إلى منطقة صراعات إقليمية ودوليه. فالحركة في سوريا لم ينتج عنها حتى الآن إلا مئات الآلاف من القتلى وملايين من النازحين والمهجرين. آخر ما يناقش في الوضع السوري الآن الديمقراطية أو حقوق الإنسان مع وجود جماعات إرهابية تقطع الرؤوس وتسبي النساء. حتى مع وجود جيش قوي لم يستطع السوريون الحصول على أن نوع من الاستقرار. المستقبل المنظور أيضا لا يوحي بحل قريب بل بتعقيدات كثيره بل وتشظي للأزمة السورية لتشمل المنطقة كلها. نستفيد من الأزمة السورية ضرورة التحالفات القوية فكما الشجرة كلما قويت جذورها كلما واجهت العواصف وكانت كثيرة الثمر. التعويل في البحرين فقط على التعاطف الغربي وإغفال القوى الأخرى خطأ فادح. قد يفاجأ القارئ أني وجدت في أحد زياراتي للعراق أن سلطة آل خليفة تتواصل مع مراجع الدين في العراق أكثر من تواصلها مع المعارضة.
الثورية اليمنية والتي تشبه التجربة المصرية من حيث مرورها بمرحلتين استطاعت حتى الآن إسقاط على عبدالله صالح وتدريجيا بقايا نظامه. لحد الآن من المبكر جدا الحكم على نتائج الثورة الثانية من حيث تشكيل حكومة ديمقراطية وتحترم حقوق الإنسان. لكن ولاشك أن اليمني استطاع حماية عاملين رئيسيين يشكلان حجري الأساس للاستقرار المستقبلي هما صيانه الجيش اليمني بدرجة كبيرة وعدم الانجرار وراء الفتنه الأهلية. تشابهات الثورة البحرينية مع اليمنية عدة. أهمها الدور السعودي والقرب الجغرافي. المشكلة في موقف بعض قيادات المعارضة البحرينية عدم حسم الموقف من العلاقة مع المملكة السعودية فلا هي تتواصل مع السعودية مباشرة كما يفعل النظام ولا هي اعتبرته عدوا حقيقيا يجب السعي لإضعاف دوره. من ناحية أخرى قوى الثورة الداعية لإسقاط النظام لم تستطع إقناع التحالفات المناوئة للدور السعودي بهذا الحل.
يمكن وصف الثورة في البحرين بأنها أقوى الثورات من ثلاث نواحي (شعبية الثورة، سلمية الثورة وثالثا استمرار وهج الثورة). من سوء حظ ثورة البحرين كون الجيش غير وطني (في أغلبه من المرتزقة) ليقوم بانقلاب كما حدث في مصر. فلا شعب البحرين مستعد للسيطرة على مراكز الجيش والقوى الأمنية كما فعل الحوثيين ولا استطاع آل خليفة إيجاد تفاهم مرحلي لوقف الثورة. وبذلك يمكن وصف ثورة البحرين بالثورة الوحيدة المستمرة. ما لم نشهده في الثورة البحرينية هي المرحلة الثانية من الثورة.
* ناشط وطبيب نفسي بحريني مقيم في لندن.