» رأي
أحمد البوسطة: عبور نحو العدالة الانتقالية (...)
أحمد البوسطة - 2011-09-28 - 2:08 م
أحمد البوسطة*
علمونا، في كتبهم وأدبياتهم ورطانة أحاديثهم الثقافية والسياسية، إن الثورات تنجح فقط عندما تنضج الظروف الذاتية والموضوعية، ووضعوا لنا شروطاً للنجاح، داخلية وخارجية يفرضها الناس في الغالب بوثبة توحِّد غضب جميع الفئات والانتماءات الفكرية والسياسية والعقائدية ضد القهر والاستبداد، في حين من المفترض أن تجد هذه الانتفاضة تضامناً خارجياً من الشعوب الأخرى وأنظمتها لتدفع بها ثورات أخرى، وفق موازين القوى الإقليمية والعالمية.
قالوا ذلك، ولم تكن آنذاك ثورة تكنولوجية جبارة في الاتصالات كما هو حاصل الآن من وفرة في المعلومات عبر "تويتر وفيسبوك ويوتوب" وكاميرات ديجاتيل وفضائيات، يتم من خلالها استثمار أحدث المبتكرات الالكترونية في الثورات من أجل حق ممارسة الديمقراطية وتعميم ثقافة العدالة الاجتماعية والتقدم والتوزيع العادل للثروة في بلدانهم... ومع ذلك، فإن وجود هذه التكنولوجيا التي تنقل الأحداث في ثوانٍ، وحدها ليس كافياً لتفكيك مفاهيم "الاستعصاء السياسي" نحو التغيير المنشود ما لم تجد مقدمات تراكمية تدفع بضرورة وحتمية التغيير.
الكاتب العراقي اليساري جاسم الحلفي، أعطى ثلاثة نماذج لفرض الديمقراطية بعواملها الداخلية والخارجية في مقال عنونه بـ"الشبيحة رهان خاسر" (1)، قال إن النموذج الأول: "تشكله انتفاضة عامة، بعد ان يتصاعد غضب الشعب إلى درجة، لا يمكن احتواؤها بالطرق التي يعتمدها النظام المعني في إدارة أزماته، سواء بالترغيب أو الترهيب. مشيراً إلى إن حركة التغيير لا تتوقف عن فعلها، مهما مارس النظام من أساليب قمعية، إلى أن تتم الإطاحة به عن طريق حركة جماهيرية جبارة، تشترك فيها طبقات وشرائح المجتمع بصورة شاملة. ومثال ذلك ثورتا تونس ومصر.
والنموذج الثاني يتشكل حينما تتساوى بشكل تقريبي قوى النظام الحاكم مع القوى المعارضة له، فلا النظام يستطيع التغلب على المعارضة، ولا المعارضة قادرة على حسم الصراع لمصلحته، وقد تتسع الأزمة وتشل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فيتم اللجوء إلى المساومة التاريخية، التي يتخلى النظام من خلالها عن الحكم عبر فترة انتقالية، في مقابل ضمان عدم ملاحقة رموزه. ويرافق ذلك في الغالب انتهاج سياسة المصالحة الوطنية، مثلما حدث إبان التغيير في جنوب إفريقيا. أما النموذج الثالث فيظهر عند شعور السلطة السياسية في البلد المعني بضرورة إجراء الإصلاح السياسي وانتهاج التغيير الديمقراطي، بعد ان تتبين لها عدم ملائمة طريقة الحكم المنتهجة؛ فلا الشعب يستطيع تقبلها، ولا هي تستطيع الاستجابة للتطورات وجديدها. عندها تضطر السلطة السياسية للمبادرة إلى إجراء التغييرات الضرورية للانتقال الديمقراطي، والأمثلة على ذلك ليست قليلة، ومنها تجارب التغيير الديمقراطي في أمريكا اللاتينية، حيث تحولت أنظمة من الدكتاتورية إلى الديمقراطية".
من حلال ما تقدم يقفز إلى الذهن سؤال حيوي، أي الخيارات من النماذج الثلاثة تصلح للحالة البحرينية، و"كيف نحوّل الأخطاء البشرية عدلاً بشرياً؟!" كما في العبارة التي خُطتْ على حائط منزل رئيس أساقفة جنوب إفريقيا "ديزموند توتو" في مدينة كيب تاون؟!
كل البلدان التي تحمل تاريخاً أسوداً من مآسي انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية تحتاج إلى "عدالة انتقالية"، والعدالة الانتقالية بمفهومها الواسع والعام تعني: تقريب الدول القمعية أو الديكتاتورية، ذات الإرث الكبير من الانتهاكات صوب الديمقراطية وبناء مجتمع آمن، سواء عبر الحوار الجاد والمصالحة الوطنية، أو عبر تشكيل لجان الحقيقة والإنصاف لإعادة البناء الاجتماعي والاعتذار للضحايا وتعويضهم، وفي القلب، إصلاح أو تغيير مؤسسات الدولة العامة التي ترتبط بها الشبهات بالانتهاكات الجسيمة وإحلال مكانها مؤسسات مدنية عبر التداول السلمي للسلطة بمشاركة الفرق السياسية المختلفة وأفراد المجتمع واختياراتهم من خلال صناديق الاقتراع في انتخابات نزيهة وشفافة، لا ديكورية كما هو الحاصل عندنا.. فمن كان يصدق، إن نيلسون مانديلا يخرج من السجن ليصبح أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا غير العنصرية، وذلك حين تخلى الحكم العنصري هناك في مرحلة انتقالية في مقابل ضمان عدم ملاحقة رموزه، أو يُجبر نظام على التنحي مكرهاً وملاحقة رموزه المنتهكين في محاكم محلية (غير الموجودة في النظام السابق طبعاً) أو دولية، كمحكمة الجنايات الدولية؟!
في السياسة لا تبدو الأمور مستحيلة، فيسار عرفات سلم على رابين، وسور برلين انهار، والمنظومة الاشتراكية تفككت وكثير من ديكتاتوريات أميركا اللاتينية تحولت إلى اليسار الاشتراكي، وفي الربيع العربي المعاصر بعد تونس ومصر تحدث ولا حرج، فاليمن قاب قوسين أو أدنى، وسوريا كذلك، ولا هو مستثنى أن يحدث تغييراً كبيراً في المنامة والرياض، أو أية عاصمة عربية ذات الأنظمة المتشابهة.
في البحرين لدينا ملفات منتفخة كثيرة، وكل ملف من هذه الملفات جدير بأن ينتفض ضده الناس على اختلاف مللهم فملف أملاك الدولة مثلاً، وحده كافٍ أن يوحد غضبنا من الفساد والمفسدين، واسألوا النائب الوفاقي المستقيل عبد الجليل خليل الذي حقق ورفاقه في 10 بالمائة بقيمة 15 مليار دينار بحريني، أي 45 مليار دولار، وبالروبية.. احسبوها!!. وبالمناسبة، هذا الملف ليس شيعياً أو سنياً أو يهودياً أو مسيحياً، أو متديناً وغير متدين، وإنما يخص الجميع، فهذه أموال عامة تبخرت وتجمعت أمطارها في جيوب فاسدين كبار ينبغي محاسبتهم حتى لا نردد المقولة الشهيرة: " في بلدنا فساد، ولكن بدون مفسدين!!".
هل يكفي هذا الملف أم نضيف إليه ملفات منتفخة أخرى، ملف الأراضي المسروقة في البحر واليابسة، ملف التخريب البيئي، ملف التجنيس والتمييز، البطالة والفصل المكارثي، الملف الدستوري، ملف الانتهاكات والجرائم الإنسانية؟!.
أصغر ربة بيت بحرينية تعرف أن كل هذه الملفات لا تخص طائفة دون أخرى، بل تتجمع في مصب واحد اسمه: "المواطنة"، اللهم إلا عند أصحاب المنطق المعكوس كما جاء في تغريدة أخونا حسين خلف في حسابه في تويتر ساخراً حين كتب: " منطق معكوس: السلم الأهلي يهتز لدى الشلّة بمجرد إطلاق سراح سجين، السلم الأهلي فقط إذا أصبح الآخرون في السجون والمنافي!!، شي فاشل".
*كاتب يحريني.