الأطفال المعتقلون في ليلة المدارس: "العودة إلى المعتقل"!
2014-09-07 - 1:46 ص
"إذا لم تهتم الحكومات بالأطفال العراقيين، فقد اهتم الشعب البريطاني بهم، فقد نظمت الإندبندنت حملة لجمع الأدوية التي يحتاج إليها هؤلاء الأطفال بشكل يائس. وخلال أسابيع تبرّع قرّاؤنا الكرام بأكثر من 250 ألف دولار لنا لشراء عقاقير للسرطان وأجهزة طبّية لأخذها إلى العراق... في النهاية، بدا كأننا نستطيع القيام بشيء ما أكثر من مجرّد كتابة مقالات غاضبة حيال محنة أطفال منبوذين".
روبرت فيسك، الحرب الكبرى تحت ذريعة الحضارة، الجزء 3، صفحة 106
مرآة البحرين (خاص): روبرت فيسك، المراسل الإنكليزي العالمي الأشهر، قاد بنفسه عملية نقل المساعدات الطبّية التي تبرّع بكلفتها قراء صحيفة الإندبندنت إلى أطفال العراق في العام 1998، العملية التي لم تواجه صعوبات لوجستية فحسب، بل واجهت معوقات سياسية أيضا بسبب العقوبات المفروضة على العراق من قبل الأمم المتحدة من جهة، وحظر نظام الطاغية صدام حسين استيراد الأدوية من جهة أخرى!
"كان وصول شاحنتنا عبر صحراء العراق بمثابة معجزة" يقول فيسك.
منذ العام 1990، وحتى غزو العراق، مات أكثر من مليون طفل عراقي بسبب الحصار الجائر على الشعب العراقي. وفضلا عن القتلى الذين قضوا في قصف طال حتى الملاجئ، مات عشرات الآلاف بسبب الكوليرا والماء الملوث وسوء التغذية، وكذلك، نوع غريب من السرطان، تسبّب به قصف العراق بصواريخ رؤوسها مطليّة باليورانيوم!
فيسك، الذي قام بتحقيق استقصائي حول هذا المرض، وجد نفسه مضطرّا لأن يقوم بمهمة أخرى، خارج النطاق الصحافي: أعمال إغاثة!
في البحرين، يحتاج أطفالنا إلى ما يشبه أعمال الإغاثة، هم في سطوة الجلاد: يحتاجون لحمايتهم من الاعتقال، والتعذيب داخل السجون، ويحتاجون لحمايتهم من الضرب والتنكيل وهم في الشوارع القريبة من منازلهم، كما يحتاجون لحمايتهم من التمييز واغتيال الطفولة وهم حتى في المدرسة.
يحتاج أطفالنا وفتياننا لأن يأمنوا على أنفسهم في منازلهم، وقراهم، من قنابل الغاز، ورصاص الشوزن، ومن أيدي المرتزقة العابثين. يحتاجون إلى أن يروا آباءهم وأمهاتهم وإخوانهم المعتقلين، بينهم في المنزل مرة أخرى.
لا أمان للأطفال في البحرين، والسيء في الأمر، أنّه لا أمان لأطفال المعارضين تحديدا، والذين ينتمون بأغلبهم إلى الطائفة الشيعية. حتى في استهداف الأطفال الممنهج والعبثي، يمارس النظام البحريني عادته في الاضطّهاد والتمييز الطائفي.
لا أمان
في مارس/آذار 2011، وقبيل إعلان حالة الطوارئ، فقدت الرضيعة (زينب حرم) النظر بسبب قنابل الغاز المسيل للدموع، وفي العام 2013 استشهد طفل عمره 8 سنوات (قاسم حبيب) اختناقا بالغازات السامة، وفي حين سقط عدد من الأجنّة بسبب استنشاق أمّهاتهم لهذه الغازات القاتلة، عانى عشرات الأطفال والرضّع من مضاعفات شديدة جراء استنشاق هذه الغازات ونقلوا إلى المستشفيات، كما دخل أحدهم في غيبوبة.
معتقلون أطفال داخل السجن، حرموا من العلاج والدواء، في حين ألقي القبض على صبية معاقين، واستدعيت طفلة بحرينية عمرها 8 سنوات (أبرار عمران) للتحقيق بتهمة مشاركة في مسيرة بالمنامة، وهدد مراهقون بالاغتصاب وتعرضوا للتعذيب مثل الشاب حسن عون، واختطف فتى من كرباباد بعد ملاحقته ليتعرض للتعذيب والصعق الكهربائي لإجباره على العمل كمخبر لدى أجهزة الأمن، كما تعرض مواطن إلى صفعة من قبل ضابط شرطة في منطقة عالي، وكان طفله الصغير يرى ذلك المشهد وهو محمول على ذراع أبيه.
وتعرضت فاطمة الخواجة (15 عاما) إلى طلق أًصابها في بطنها وصدرها حين كانت تعتصم مع عائلتها إلى جانب منزلها بمنطقة الكورة، في حين اعتقل طفل من غرفة نومه، ورفع آخر من فوق سور أحد المنازل.
فيديوهات عديدة أظهرت شراسة قوات الأمن في تعاملها مع الأطفال، سواء هؤلاء الذين يتمشّون في شوارع القرية قريبا من منازلهم، أولئك الذين يتحدون السلطات بالخروج في التظاهرات المناوئة للنظام. فيديو أظهر تعرض طفل لصفعة من قبل رجل امن لدى مروره في أحد شوارع القرية، في حين أظهر فيديو آخر رجل أمن في يديه كاميرا يضرب طفلا ويلقيه على الأرض ويوجه له الركلات، وطفلا آخر يوسع ضربا بكعب السلاح على رأسه.
حواجز ترابية قرب المدارس
واختطف الطفل (علي السنقيس) من قبل قوات الأمن وتحرش به جنسيا، كما تعرّض أطفال لجروح غائرة خلال تواجدهم في تجمّعات قمعها النظام. ومنعت حافلات المدارس من دخول منطقة العكر لحمل الطلاب خلال الحصار الجائر الذي فرض عليها في العام 2012، في حين فرضت القوات الأمنية حواجز ترابية في عدة مناطق جعلت الطلاب يحتاجون إلى القفز من عليها للوصول إلى مدارسهم كما كان الحال في منطقة الديه.
وإن كانت إدارات بعض المدارس قد استدعت أهالي بعض الطلاب إلى جلسات تحقيق معهم بسبب بعض الرسومات على طاولاتهم الدراسية، من قبيل مجسم دوار اللؤلؤة، فإن الطفل هشام حسن (8 سنوات) أوقف عن المدرسة في 8 يناير/كانون الثاني 2013 وتعرض للضرب من قبل أعضاء إدارة المدرسة أمام أقرانه بسبب ترديده شعارات سياسية وأدخل لجنة تحقيق بالمدرسة دون علم والديه.
في 24 يوليو/تموز 2014، كرّمت جمعية الوفاق الشاب المتفوق محمد عبد الرضا الجلابي، الّذي تخرج من الثانوية العامةبمعدل 95٪، رغم أنّه محروم من الحرية، ولذا خصّص له مقعد خال على المنصّة وضعت عليه صورته.
بين 15-18 سنة: الفتية المراهقون في القانون البحريني
لم يعد النظام يخجل من استهداف للأطفال رغم الإدانات الدولية الواسعة، بل زاد من وتيرة انتهاكاته ضدّهم، وصار يتبجّح بأن هؤلاء ليسوا "أطفالا"، ويجب أن لا تأخذكم الشفقة عليهم لأنهم "مجرمون"!
ورغم أنّ النّظام في البحرين يحدّد عمر الطفل بما لا يزيد عن 15 عاما (على عكس العمر الذي رجّحته الاتفاقيات الدولية ولم تلزم به وهو 18 عاما)، لكنّه أيضا يعطي الفئة العمرية بين 15 و18 سنة توصيفا قانونيا خاصّا تحت عنوان "حداثة السن".
وجاء في الفصل الرابع من قانون العقوبات البحريني، في الأعذار والظروف المخففة، مادة 68 "الأعذار إما أن تكون معفية من العقاب أو مخففة له"، ومادة 70 "يعد من الأعذار المخففة كذلك حداثة سن المتهم الذي جاوز الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة، وارتكاب الجريمة لبواعث أو غايات شريفة أو بناء على استفزاز خطير صدر من المجني عليه بغير حق".
وبحسب القانون فإن القاضي يجب عليه تخفيف العقوبة "إذا توافر عذر مخفف"، بحيث يصل الأمر في بعض الحالات إلى الحكم بالغرامة بدلا من السجن.
وعلى العكس من ذلك، ومنذ 2011، كانت كل الأحكام التي صدرت ضد الفتية المراهقين في القضايا السياسية هي أحكام مشدّدة، لا مخفّفة! وقد بلغت مجموع أحكام السجن ضد فتى اعتقل وهو في 17 من عمره، إلى 64 سنة، كما قضي بالسجن 10 سنوات على مراهقين للتو بلغوا الخامسة عشرة من عمرهم.
والغريب، أن محكمة الاستئناف خففت في 23 أغسطس/آب حكم أحد الفتية عملا بالمادتين المذكورتين أعلاه1، رغم أن تهمة الفتى كانت الاعتداء على الشرطة بالمولولتوف وإشعال الإطارات "بغرض الإرهاب"، وجاء في منطوق الحكم "نظرا إلى سن المعترض وطبقا للمادتين 70 و71 من قانون العقوبات، ولتوافر العذر أن سن المتهم لم يتجاوز الثامنة عشرة، فإن المحكمة قررت قبول المعارضة شكلا، وفي الموضوع بتعديل الحكم المعارض إلى الحبس 3 سنوات" وهو ما يشكّل حالة تستدعي إبطال الأحكام الأخرى أو التشكيك فيها على أقل تقدير، بسبب إهمال النص القانوني فيها بشكل متعمّد، حتى وإن كان النص "يجيز" ولا "يلزم" القاضي بتخفيف العقوبة.
الذين اعتقلوا في سن الـ 15، هم طلّاب في الصف الثالث الإعدادي، أو طلاب في المرحلة الثانوية، فهل سيبقى مئات الأطفال والمراهقين، يقضون حياتهم في السجون، لينتجوا جيلا محطّما، وجاهلا يعجز عن الوقوف أمام آلة الاستبداد؟
أكثر من مجرد كتابة مقالات غاضبة
حين بدأنا في "مرآة البحرين" حملة "أطفال البحرين... خصوم النظام في السجن"، في 28 يوليو/تموز 2014، والذي صادف عيد الفطر المبارك، كنّا أيضا مأخوذين بأننا "نستطيع القيام بشيء ما أكثر من مجرّد كتابة مقالات غاضبة حيال محنة أطفال منبوذين" كما يقول روبرت فيسك.
كنّا نعرف أن في البحرين من يقوم فعلا بهذا الدور، وهم كثيرون، وقد كان لهم دورهم أيضا في هذه الحملة، ولكن، مثل هذا العمل الممتد منذ 3 سنوات ونصف، والمعزّز بتدخّل المنظّمات الدولية، لا يبدو أنه يلقى أي صدى لدى الحكومة البحرينية.
هناك، من آباء الأطفال المعتقلين، من ذهب بنفسه إلى جنيف، وقت انعقاد إحدى دورات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وهناك، رسالة الأطفال الأثيرة إلى جنيف، ألقاها أحد الأطفال الذين اعتقلوا يستحثّ الدول المجتمعة على التدخّل لحمايتهم من "الطغيان".
لم تحل المواثيق الدولية التي صادقت عليها البحرين وخصوصا اتفاقية "حقوق الطفل"، من أن يقتل أطفال البحرين ويعتقلوا ويعذّبوا بل ويعتدى عليهم حتى في الشارع بأعقاب البنادق، ثم ولسخرية القدر، يجرجرون إلى المحاكم بتهمة الاعتداء على "رجال الأمن"!
ثمّة ما يستدعي تحديدا الوقوف على هذا الملف، دون غيره من ملفات الضحايا والمنتهكين، في ظل هذه الثورة التي قطعت كل السبل لأي تفاهمات مع النظام الحاكم.
استهداف الأطفال جزء من عملية "التطهير" المنظّمة
كيف يمكن للطفل "سلمان مهدي" أن يهدّد النظام بكل أجهزته المخابراتية والأمنية والعسكرية، وأن يكون خطرا يجب أن يعاقب خلف القضبان؟
حين تكون تهمة أحد الأطفال أن ثقافته سياسية (جهاد السميع) أو أن تكون تهمة فتى مراهق إهانة الملك عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، في حين تكون تهمة عديدين قطع الشارع، أو الاعتداء على دورية أمنية، بغرض الإرهاب، فهذا يعني أنّ هناك استهدافا شاملا ومنظّما لأطفال البحرين من قبل النظام الحاكم، وهو جزء من تركيبة الاستهداف الشامل للسكّان الأصليين وحلفائهم في المعارضة.
الأمر الذي لا يخفيه النّظام، هو أنّ أحد أهم الفئات التي تشارك بفاعلية في الاحتجاجات المناهضة له، وتتربّى على كراهيّته، وتكبر على معارضة استبداده جيلا بعد جيل، هي فئة الأطفال والمراهقين. لا يمكن أن يكون استهداف هذه الفئة إلا جزءا من عملية "التطهير" و"الاجتثاث" التي يمارسها النظام الحاكم ضد الطائفة الشيعية بشكل معلن منذ مارس/آذار 2011.
منذ ذلك التاريخ، لم تعد هناك حاجة إلى تحريض هؤلاء الفتية، ولا حضّهم على التظاهر، أو مواجهة عناصر المرتزقة التي تحتل أحياهم وتفرض سلطة النظام على قراهم بالقوّة. هم يعرفون جيّدا أن لا مستقبل لهم في ظل نظام الامتيازات الطائفي الذي يسمح للحاقدين بأن ينشروا غيظهم في الصحف علنا من التفوّق الدراسي لأبناء الطائفة الشيعية في البحرين. هم يعرفون بأنّ "التطفيش" سيصل إلى توزيع "البعثات الجامعية"، والقبول في التخصّص المطلوب بجامعة البحرين، بل حتّى تلقّي المساعدات للدراسة في الخارج!
يتربى بعض أطفالنا على الكاميرا، وعالم الإنترنت، يوثّقون كل شيء، ويقرأون كل شيء، هم على وعي بكل ما يدور حولهم، ولذلك يعرف النّظام بأنّ يستحيل أن يسيطر على هؤلاء، أو على آبائهم، وعليه وجب الاستعداد من الآن، لما يمكن أن يكونه هؤلاء الأطفال غدا!
العودة إلى المعتقل!
في بداية حملتنا، أردنا أن ننقل صورة عيد مختلفة. أثّرت الحملة في نفوس أهالي الأطفال كثيرا، منهم من فرح بأننا قصدناه لكي يعيد نشر قضية ابنه، ومنهم من تجدد حزنه، ولم يستطع إلا أن يبكي. عوائل قادتنا إلى عوائل أخرى نوثّق اعتقال أطفالهم، وفرق عمل أرسلت قوائم منظّمة بأسماء الأطفال المعتقلين، وأمّهات فتحن قلوبهن يروين بألم ماذا حدث لأطفالهم. تفاعل الجميع، لكنّنا نعرف بأن عملنا لن يزيد على التوثيق ونشر هذه المظالم!
ولعل المشهد اليوم أكثر مأساوية على عوائل الأطفال المعتقلين، وهم يستقبلون غدا يوم "العودة إلى المدرسة"، دون أن يتمكّنوا من تجهيز أبنائهم كبقية الأطفال، ليكونوا على مقاعدهم الدراسية صباح غد.
قبل أيام تأجلت قضية الطفل المعتقل جهاد السميع (11 عاما) إلى 9 نوفمبر/تشرين الثاني القادم لعدم إحضاره للمحكمة، وهكذا عاد السمّيع إلى السجن، بدلا من "العودة إلى المدرسة".
قبل أن نكتب حصاد الأطفال في 2014
اليوم، مرآة البحرين وقبل أن تذهب إلى حصد كل هذه الانتهاكات نهاية العام، كما تفعل سنويا، تريد بمعية المنظّمات المحلية والدولية أن تجعل هذا الجرح مفتوحا على الدوام. ربّما لا يتأتّى لمرآة البحرين أن تنظّم أكثر من حملة تضامن وتوثيق، ترفع الصوت عاليا، وتصل به إلى أسماع كل من يهمّه الأمر، ويمكنه أن يفعل شيئا، ولكننا حاولنا أن نقدّم هذا الملف بأبعاده السياسية الحقيقية، التي تختصر الصراع الطويل بين النظام الحاكم والسكّان المحليين.
ما تطمح له مرآة البحرين، بخلاف أن تكون هناك قاعدة بيانات مركزية للمعتقلين، وتوثيق خاص لحالات القصّر، بل ورابطة خاصة تجمع آباء وأمهات الأطفال المعتقلين وتوحّد جهودهم، ما نطمح له أن تكون هناك خطّة مدروسة وواضحة لمواجهة هذا الخطر الكبير الذي يتهدّد جيلا بأكمله، بل شريحة من الشعب بأكملها.
ومع بدء العام الدراسي الجديد، نحن مستمرون في الحملة من أجل أطفال البحرين جميعا، وخصوصا هؤلاء الذين يقبعون خلف قضبان الديكتاتور!
هامش:
1) تخفيف الحكم في القضية المشار إليها كان شكليا، كون القاضي قد غيّر تصنيف التّهمة من جناية إلى جنحة، ليكون الحكم "الحبس 3 سنوات" بدلا من "السجن 3 سنوات"!