» رأي
في باريس.. الملك لم يتمكن من التقاط صورة أفضل
عباس بوصفوان - 2011-09-09 - 8:59 ص
عباس بوصفوان*
يصعب أن ترى جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في الصورة الجماعية التي التقطت للمشاركين في أعمال مؤتمر أصدقاء ليبيا الذي عقد في قصر الاليزيه في العاصمة الفرنسية باريس مطلع الشهر الجاري.
وبينما وقف الأمير القطري متوسطا زعماء العالم، اختار الملك، أو اختير له، أن يقف في مكان جانبي، للتعبير عن مدى العزلة التي تعيشها السلطات البحرينية.ومع ذلك، فقد كلفت هذه الصورة الخزينة العامة مبلغ 4 مليون يورو، اي 5.6 مليون دولار، اي 2 مليون دولار بحريني، هي قيمة المساعدة التي قدمتها البحرين لصندوق دعم ليبيا الشقيقة.
قد لا يكون ذلك كافيا للدلالة على العزلة التي تعيشها المنامة، إذ لعله يبدو إيجابيا للغاية، بل هو كذلك، أن تسهم البحرين في دعم الأشقاء الليبيين، وربما تكفلت الرياض بدفع المبلغ، وهي التي تمول عمليات القمع في البحرين، وما يتصل بها من سياسات رثة للعلاقات العامة، استدعت توظيف شركات كبرى في الولايات المتحدة الأميركية، بملايين الدنانير دفعت كلفتها الرياض أيضا، ضمن خطة أوسع لتبييض وجه السلطات البحرينية الذي يعتبره المزاج الدولي أسود في ملف حقوق الانسان.وفي الواقع، فإن الدليل على عزلة الحكم هو أن جدول أعمال الزعماء الدوليين في باريس لم يتسع كي يحصل الملك على اجتماع قصير مع رئيسة الوزراء الألمانية مثلا أو أي مسئول أروربي أو أممي رفيع، ولو حتى لالتقاط صور للعلاقات العامة.وينطبق ذلك حتى على الرئيس الفرنسي ساركوزي، الذي لم يستقبل الملك في اجتماع خاص.
ومع ذلك، فإن الملك ممتن للغاية للفرصة الذهبية التي رتبها ساركوزي لحضور جلالته اجتماع، بعد غياب طويل عن المشهد الدولي. وفي تقديري، فإنه يفترض أن يوجه الشكر للأمير القطري الذي كان سخيا حين استقبل الشيخ حمد، في وقت تشن البحرين حملة غير مسئولة وتفتقد للدبلوماسية ضد الأمير القطري وسياساته الدولية والإعلامية بلغت حدا العداء السافر في صحف رسمية ومواقع يديرها الإعلام الرسمي، فيما أظهرت ويكيليس أن الملك نفسه كان دعى لـ "تطهير" قمر عربسات من قناة الجزيرة القطرية.كما التقى الملك بروتوكوليا مع رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبدالجليل.
وعلى الأرجح فإن عبدالجليل واجه حرجا لتقديم الدعم لنظام المنامة في سياساته المناهضة لمطالب الشعب، وباعتباره نظاما شبيها بنظام معمر القذافي الذي حاربه عبدالجليل وتمكن من الاجهاز عليه، بمساعدة غربية.ولعل ما عقد وضع الملك في باريس هو قيام العسكر بقتل الطفل على الشيخ صبيحة يوم العيد، وحظي الخبر بتغطية دولية واسعة جدا، فيما خيرة الأطباء يضربون في السجون، وهو الأمر الذي أكد للمجتمعين في العاصمة الأوروبية أن النظام البحريني مازال أرعن، ولم يستوعب درس تونس ومصر والمغرب، حاله كحال الأنظمة العربية المتخلفة عن ركب افصلاح.
لقد قدم ساركوزي خدمة مهمة لحكومة البحرين، ينتظر مكافأته عليها من قبل النظام ومن قبل الرياض التي غاب قادتها عن حضور اجتماع باريس ليذكر بالمأزق الداخلي مع اشتداد مرض الملك وولي العهد وكذا وزير الخارجية.. ما يحيل الأمير نايف حاكما فعليا للرياض.. والمنامة.بيد أن إشكالية الملك ربما كانت أكبر حقا، لو كان اجتماع مؤتمر أصدقاء ليبيا عقد في واشنطن أو لندن.
وعلى الأرجح فإن الملك حينها لن يتمكن حتى من التقاط صورة في تموضع جانبي.. وربما لن يتلق دعوة للمشاركة، وإن تلق فإنه لن يكون حاضرا، لأن الصحافة الأميركية، وكذا الانجيليزية ستوجه انتقادات حادة إلى الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني كاميرون، لأنه استقبل ما تسميه الصحافة الأميركية والبريطاينة "الاستبداد". وهي عبارة استخدمتها الاندبندنت في مايو الماضي، حين استقبل كاميرون ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، رغم أنه ينظر إليه على أنه شخصية معتدلة. فيما لم تترد الصحف الأميركية من التنديد بالسياسات الرسمية البحرينية المعادية للإصلاح.
ونتذكر إلغاء ولي العهد سفرته إلى بريطانيا لحضور زواج الأمير وليام، حفيد الملكة، فيما تفيد كل المعلومات المتوافرة أن الدعوة كانت موجهة أصلا للملك، وأحيلت إلى ولي العهد، ليتلقى هو الحرج والتشهير عوضا عن والده، حين اعتذر عن المشاركة في مراسم الزواج الملكي بسبب ما سماه حينها التغطية المنحازة للإعلام البريطاني للحركة المتفجرة في البحرين.وفي الواقع، فإننا لا نعرف إن تم توبيخ ساركوزي على استضافته حاكما يشتكي الشعب من سياساته الأمنية، وسواء تم ذلك أم لا، فإنه يتوجب التأكد من توبيخ الرئيس الفرنسي شعبيا ومن المنظمات الحقوقية على تسهيله حضور ممثل لحكم أحادي في اجتماع دولي، يحتفل عمليا بالإطاحة بحاكم ديكتاتوري.
إذا، لم يعد خافيا الآن حجم العزلة التي يعيشها الحكم في البحرين، بعد أن قمع حركة احتجاجية سلمية، وشن حربا شعواء ضد أجنحتها المختلفة، شملت الأطفال والنساء والأطباء والمساجد، ولم تستثن العمال والطلبة والجمعيات السياسية والتجار وكل ما يعتقد أن رابطا ما يربطه بالاحتجاجات التي طالبت بكتابة دستور يحيّد العائلة الحاكمة من القرار السياسي، ويحيل الحكم شعبيا.
ولعل النتيجة التي برزت بوضوح، أنه بحجم القوة التي استخدمها العسكر الذي يديرون شئون البلد، بقدر الضرر الذي لحق بسمعة البحرين الدولية... وإذا اتفقا أن حجم القوة كانت من الإفراط إلى حد اصاب العالم بالصدمة والذهول بل والفجيعة، يمكن حينها تصور مدى رد الفعل العالمي السلبي ضده النظام ورموزه، لدرجة تصيبهم بالصدمة والذهول بل والفجيعة .
*صحفي بحريني.