في البحرين: أطفال "مريم سهوان" بلا أم... لأنّها الشاهد الوحيد على مقتل الشهيد العبّار!
2014-08-05 - 10:28 م
مرآة البحرين (خاص): مأساة الأطفال في البحرين قضية تتكرّس يوما بعد يوم، وملف جرح مفتوح، بعضه لم يعد يمكن أن يندمل، مثلما هو الحال في قضية يتيمي الشهيد عبد العزيز العبّار. قضى حسن العبّار (10 سنوات)، وزهراء العبّار (6 سنوات)، العيد على قبر أبيهما الذي قتل برصاص قوات النظام، ودفن في شهر رمضان المبارك، بعد 80 يوما من بقائه في ثلاجة الموتى!
كان أطفال الشهداء، أيقونة الثورة منذ فترة الطوارئ. لن ينس أحد الطفلة فاطمة ابنة الشهيد عبد الرسول الحجيري. ستبقى دموع فاطمة وكلماتها في الحشود خالدة تحفظ حالة الثورة ضد القمع والاستبداد.
سيحتضن المجتمع أيتام الشهداء، سيقيم لهم حفلات التفوق، سيعنى بتعليمهم، وسيهتم بحالهم المعيشي، ولكن ذلك كلّه لن يعوّض فقدان الأب، أو الأم. سيبقى هؤلاء أيتاما!
ثمّة أطفال آخرين يمكن عمل المزيد لدمل جراحهم. فبالإضافة إلى هؤلاء الـ 190 طفلا وقاصرا معتقلا، والذين ينتظرون حريّتهم من السجن بتلهّف، هناك آلاف الأطفال والفتية من قضوا شهر رمضان والعيد بالغصّة والألم، وهم يفتقدون في تجمّعاتهم وسفرة أعيادهم إما إخوانهم، أو آباءهم، أو حتى أمّهاتهم، الذين يرزحون في المعتقلات السياسية بالآلاف.
قدّم المبدع البحريني علي البزّاز رسما كاريكاتوريا عن حال الأسر البحرينية التي تفتقد أحبّتها المعتقلين في شهر رمضان، لكن الرسم استغلّ بشكل فاضح من قبل العنصريين والطائفيين عبر إزالة رمز دوار اللؤلؤة منه، لإسقاطه على الشعب السوري أو الفلسطيني، متجاهلين تماما أن البحرينيين يعيشون ذات المأساة.
أطفال البحرين يقتّلون، ويعتقلون، وييتّمون، وتسرق الفرحة من وجوههم باعتقال آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم، منذ 3 أعوام. ولكن في هذا العالم المليء بالكراهية، والخالي من الإنسانية، لا يعتبر أن لهم الحق حتى في أن يعبّروا عن غصصهم وآلامهم، ثمّة من لا يصدّقهم، وثمة من يشمت ويسخر منهم ويعتبر أنهم يستحقّون كل ما أصابهم!
ما يجري في البحرين على الأطفال والنساء والشبّان قد يكون مما لا يصدّق فعلا، فبلد مثل البحرين يبدو فيه غريبا أن تجرجر 3 مواطنات من محل دراستهم في السعودية إلى المعتقلات بتهم سياسية، أما الأدهى أن تكون بين هؤلاء الثلاث امرأة حامل. لقد حدث ذلك فعلا في مارس/آذار 2011، بعد إعلان قانون الطوارئ!
وفي مارس/آذار 2011، اعتقلت البحرينية فضيلة المبارك، حين كانت تقود سيارتها عبر إحدى نقاط التفتيش في منطقة "الرفاع"، برفقة ابنها ذي الثمان سنوات. اعتدت شرطيات بالضرب والسب على فضيلة داخل مركز الشرطة. كانت تهمة فضيلة تشغيل أناشيد مناهضة للنظام، والاعتداء على شرطي، وقد قضت المحكمة العسكرية بسجنها 4 سنوات، ثم خفّف الحكم إلى 18 شهرا. وبسبب الضغوط الدولية التي قادتها منظمة العفو أفرج عن المبارك بعد قضائها 8 أشهر في السجن فقط.
البحرين اليوم بحاجة إلى ضغوط كبيرة أخرى للإفراج عن النساء المعتقلات، وإيقاف محاكمة أخريات ينتظرن الرجوع إلى السجن مثل الناشطة زينب الخواجة، التي لا تزال تحاكم بتهم أخرى رغم قضائها ما يقارب العام في السجن.
داخل سجون النظام، تقبع ريحانة الموسوي، التي لا تزال قضية الاعتداء عليها وتعريتها في السجن تثير ضجّة كبيرة، وترافق ريحانة في السجن، المعتلقة نفيسة العصفور، منذ أبريل/نيسان 2013.
أبناء ريحانة ونفيسة قضوا العيد دون أم. وكذلك أبناء المعتقلة مريم سهوان (30 عاما) مر عليهم العيد كئيبا حزينا.
مرت أكثر من 110 أيام على اعتقال مريم سهوان، التي حاصرتها سيارات مدنية في مدينة حمد عند إحدى البقالات في الساعة الحادية عشرة والنصف مساءً، ثم حقّق معها طوال الليل حتى الساعة السابعة صباحا مع أنّها كانت بصحبة ابنتها فاطمة (7 سنوات).
التحقيق مع سهوان تركّز حول زعم السلطات مشاركتها في إحدى التظاهرات، لكن السبب الرئيس في استهدافها أنّها الشاهد الوحيد في مقتل الشهيد عبد العزيز العبّار، الذي استشهد في 18 أبريل/ نيسان 2014 بعد إصابته بمقذوف ناري مباشرة في الرأس أثناء تفريق الشرطة تظاهرة مؤبّنة للإعلامي سيد علي الموسوي في سار 23 فبراير/ شباط 2014.
واليوم، أبناء العبّار بلا أب، وأبناء مريم سهوان، بلا أم! لم تبحث السلطات عن قاتل الشهيد العبّار، وعوضا عن ذلك، استهدفت من حاولت أن تنقذ حياته!
استدعيت مريم سهوان للإدلاء بشهادتها في مقتل العبار مرتين، الأولى قبل اعتقالها وكان ذلك في مركز شرطة البديع، والثانية في النيابة العامة خلال فترة اعتقالها.
هي ليست المرّة الأولى التي يطبّق فيها هذا "القانون" الإرهابي على حملة الجرحى والشهداء، لقد اعتقل سابقا الشاب منعم منصور، الذي تداولت مئات المواقع الإخبارية صوره وهو يحمل جسد الشهيد أحمد فرحان، منتصف مارس/آذار 2011 في جزيرة سترة! وكذلك هو الحال مع الصحافية البحرينية نزيهة سعيد، التي اعتقلت وعذّبت لأنّها أيضا كانت الشاهد الوحيد على مقتل الشهيد عيسى عبد الحسن!
ابنها الأكبر اعتبر هذا العيد أسوأ عيد مر بحياته، لم يكن ليستطيع أن يفرح به كسائر الأطفال، وأمه بعيدة عنه. أما فاطمة، ابنتها الصغيرة التي كانت معها حتى في اعتقالها، فكان حزنها وألمها أكبر "كنت أتمنى أن تكون والدتي إلى جانبي، وأن تلبسني ملابسي العيد، وتخرج معي إلى الألعاب، كما كانت تفعل دائما".
في فيديو مسجّل، تحدّث أطفال مريم، عن غصّتهم. كانوا يظنون أن أمّهم سيفرج عنها قبل العيد، لكنّهم تفاجأوا بالنيابة العامة تجدّد حبسها في 21 يوليو/تموز 2014، 45 يوما أخرى!
أطفال مريم عبروا ببرائتهم عن صدمتهم بتجديد حبسها، وكيف تبددت أحلامهم بمشاركة أمهم فرحة العيد "كنت أنتظر أمي أن تأتي لي في العيد، حضّرنا لها مفاجأة، عملنا له كعكة، واشترينا لها هدية، وتدربنا لاستقبالها، كنا ننتظرها ولكن القاضي فاجأنا بأن حكم عليها 45 يوما أخرى"، أطفال مريم كانوا يحلمون بأن يحتفلوا بعيد ميلادها، الذي كان صدفة في نفس يوم الحكم عليها.
ابنتها الأخرى قالت إن "شهر رمضان هذا كان أكره شهر، لأن أمي بعيدة عني، كنا ننتظرها أن تخرج في العيد، لكن القاضي حكم عليها ب45 يوم" أما ابنها فتساءل "هل هذا هو العدل؟ أمي لم تكن معنا لا في العطلة، ولا في شهر رمضان، ولا في العيد!".
فاطمة، التي كانت بصحبة أمها وقت اعتقالها، روت القصة باختصار ثم قالت "كنا ننتظر الماما، انتظرناها كثيرا". لم تتمالك فاطمة نفسها، بكت طويلا أمام عدسة الكاميرا، وانتحبت ...
والدة مريم ناشدت المنظمات داخل البحرين وخارجها أن يساهموا في الإفراج عنها "ستكمل 105 أيام في التوقيف بعيدة عن أطفالها، حالتها النفسية سيئة جدا لذا حولت على طبيب نفسي. في السجن وضعوها مع الجنائيات أصحاب قضايا المخدرات والدعارة وهذا ساهم في تردي نفسيتها بشكل كبير، وقد بدأت إضرابا عن الطعام وهذا أثر على صحتها فهي تشكو من أمراض مزمنة منها ضيق التنفس كما أنها تعرضت لأزمة قلبية سابقا أدخلت إلى المستشفى على إثرها".
أحد الأقرباء رأى أن انتماء مريم إلى عائلة سهوان من قرية السنابس، المعروفة بتاريخها في النشاط السياسي منذ بداية الثمانينات، جعل مريم مستهدفة أكثر. يعبّر أقرباؤها عن استغرابهم من التّهمة الموجّهة لمريم، في حين أنها اعتقلت بكمين من قبل عناصر مدنية مقنّعة أحاطت بسيارتها وكانت ابنتها الصغيرة شاهدة على الحدث إذ روت كيف تمت محاصرتهم دون أدنى مبرّر.