» رأي
في رثاء (أبوأمل)
أنور الرشيد - 2011-09-01 - 1:24 م
أنور الرشيد*
لا أبالغ عندما أخط شهادتي للتاريخ بحق رجل ناضل وثبت على موقفه منذ أول يوم آمن بهذا الموقف حتى انتقاله لوجه الباري عز وجل، بوجه ناصع وقلب أبيض وروح وثابة للمستقبل، عندما التقيت (أبوأمل) رحمه الله وأسكنه فسيح جناته أول مرة، شعرت بشعور غريب من الوهلة الأولي التي التقت فيها عيناي بعينيه، وقفز إلى ذهني بسرعة البرق صورة المرحوم سامي المنيس حيث الهيبة والوقار والهدوء والرزانة، هي صفات تشعرك بالزعامة التي تلاحقه وهو لا يطمح لها، التقيت في (أبو أمل) عدت مرات، وهو على سرير المرض أكثر من لقائي به وهو بعافيته ونشاطه، حيث كنت أصر على زيارته سواء عندما كان يرقد بالمستشفى أو عندما كان في البيت، أطلب من الأصدقاء أخذي اليه حتى وإن كان لا يدرك زائريه، فمجرد زيارتي له هي تكريم له ولمشواره الطويل الذي قضاه بالمنافي.
في عام 2006 أبان فترة الانتخابات البرلمانية ذهبت إلى مقره الانتخابي وإذ بإحدى الصغيرات من البنات توزع منشورا لأبو أمل، قلت لها مازحا، أريد أن أختبر رد فعلها بحكم صغر سنها وهل تدرك ما تفعل؟ وماذا تقوم به من نشاط؟: هل تؤيدين أبو أمل فقالت: أكيد، فقلت: لها أبو أمل ليس جدير بأن ينجح ودعوت الله ألا ينجح أمامها، فما كان من تلك الصغيرة إلا أن أشاحت بوجهها عني رافضة ما قلته لها جملة و تفصيلا وعبرت لي بشكل غير مباشر وبإيماء المرأة الناضجة فكريا، بأني شخص غير مرغوب به في هذا المكان، وفي هذه اللحظات بالذات كانت نظراتها قاسية جدا بقسوة كلماتي لها.
أبو أمل بالنسبة لي نضال ومشقة وتعب وإرهاصات لا مدى لها، ورغم كل ذلك لم يكن ولم يستكن ولم يخضع لأغراء المال والمنصب.
من الذكريات التي تتقافز إلى ذهني في هذه اللحظات التي نكتب بها للتاريخ، قال: لي الأستاذ علي الكندري السكرتير العام لاتحاد العمال الكويتي السابق أنه مدعو إلى برنامج فيصل القاسم الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة وهو برنامج يعتمد على الإثارة المباشرة، يجمع متحدثين متناقضين بالرأي للحديث، في إحدى الحلقات التي ستتحدث عن العمالة الأجنبية أو الوافدة بالخليج، وطبيعة البرنامج أنهم لا يخبرونك عن الضيف المقابل لك والأستاذ علي الكندري من الشخصيات المناضلة أيضا في هذا المضمار العمالي على المستوى الخليجي والعربي أيضا، وعندما دخل إلى الأستديو وإذ به يفاجأ بأن الضيف المقابل له هو المرحوم عبدالحمن النعيمي الذي تربطه به علاقة نضالية طويلة، ويخبرني بأن وضعه أي على الكندري كان صعبا جدا، كيف يمكن أن يختلف مع مناضل مثل عبدالرحمن النعيمي الذي يتفق معه جملة وتفصيلا، لذا توقع أن تكون الحلقة باردة وعلى غير العادة التي جرى عليها البرنامج من إثارة وصراخ ومقاطعة لدرجة أن ينسحب الضيوف أحاينا، وبالفعل لم تكن حلقة كالحلقات المعتادة في برنامج فيصل القاسم الاتجاه المعاكس. ويكمل لي علي الكندري بأنه كان يفكر الف مرة قبل أن يجيب على أي سؤال، لكي لا يصطدم مع أبو أمل، فكل ما يقوله أبو أمل يتفق معه كمعلم تعلم منه النضال آأبان فترة السبعينيات من القرن الماضي.
اليوم رحل عنها أبو أمل مثلما رحل عنها سامي المنيس الذين جمعهما نضال وإخلاص ونزاهة وإيمان مطلق بالحرية والديمقراطية وبحقوق الإنسان، أنا أدرك بأني لن ولم أوف أبو أمل بهذه الكلمات، ولكن من المهم جدا أن تعي الأجيال الحالية والقادمة والتاريخ أيضا بأن هناك رجالا بالخليج أبوا أن يكونوا بيادق بين أصابع الحكام، وأبوا أن يستثمروا نضالهم لتحقيق مكاسب شخصية، في وقت أصبح به هذا النوع من النضال عملة نادرة في هذا الزمن الذي أفسده المال الذي يتدفق على كل من له ذمة واسعة تستوعب كل ما يأتيها من هبات و هدايا وعطايا مقابل إسكات وكتم ومحاربة كل من يقول كلمة حق بحق الشعوب المقهورة.
رحمك الله يا أبا أمل وأسكنك فسيح جناته جنات الخلد إنشاء الله، و بالرغم من الفجيعة التي فجعنا بها برحيله أبو أمل إلا إننا على ثقة بأن الرحم الخليجي الذي أنجب الكثير من الشرفاء من المناضلين الحاليين الذين بيننا اليوم أطال الله بأعمارهم أو الذين غادرونا إلى رحاب الله الواسعة، سينجب خليجنا رجالا لا يخافون قول كلمة الحق أمام سلطان جائر.
Zwayd2007@gmail.com
*الأمين العام لمنتدى مؤسسات المجتمع المدني الخليجي.
** ينشر في مرآة البحرين بالتزامن مع موقع منتدى حوار الخليج.