» تقارير
الملك يختم رمضان بطمأنة الشعب: لن أحاكمكم جميعاً!
2011-08-30 - 7:45 ص
مصاب جنوسان، ضرب على مرئى من ابنه المذهول، عولج في منزله!
مرآة البحرين (خالص): ربما سيحتاج البحرينيون بعد خطاب الملك حمد بن عيسى مساء أمس السبت، إلى كثير من التحليل النفسي وليس السياسي لمعرفة كيف يفهم الساسة الرسميون المواطن وكيف يقرأون الوضع البحريني؟
رأس (القيادة الرشيدة) يخاطب شعبه وكأن القراءة والكتابة لم يعرفها أحد بعد، كأن ما جرى منذ 14 فبراير جرى قبل عقود وليس قبل بضعة أشهر، وكأن المؤرخين اختلفوا في نقل وقائع ما جرى. كأن الدم لم يسل لا قبل ولا بعد الخطبة، كأن مشاجرة في الشارع أخذت أبعاداً أهلية انتهت قبل يوم أو يومين.
الأخطر أن الملك يشيّد قواعد التقرير الذي يخيطه القاضي محمود بسيوني عبر نظرية (التصرفات الفردية)، والقول بأن أوسخ عمليات التطهير الطائفي ومحاكم التفتيش التي جرت منذ 16 مارس الماضي، كانت أخطاء فردية، ربما هي ظلامة أخرى سترتكب قريبا بحق البحرين كما يقرأ مراقبون.
من الذي أخطأ؟ وفي حق من؟ ومن الذي "غفل عن حتمية التعيش" كما قال الملك؟، وكيف أعاد شهر رمضان الجاري الذي تصرمت ليالية وأيامه (اللحمة الوطنية)؟، هل حدث شيء لا يعرفه البحرينيون؟، الملك بعد أن شدد أخيراً على أصالة الشعب وقوة إيمانه ووطنيته، بعد شهور من التشكيك العلني والتكفير والتخوين، قال إنه لا يرضى بقطع أرزاق البحرنيين ولا بقطع تحصيلهم العلمي، قال إن "البعض تخلف لسبب ما، يلزمنا البحث في معالجة أمرهم ليلتحقو بزملائهم"، هي عبارة ترفض التشدد في العقاب ولكنها تعترف علناً بأن ثمة عقاب مقيت قد جرى وأن القيادة كانت تعلم به، لكنه يتغافل عن الأسباب انفجار الشعب في 14 فبراير.
ختم المحاكم العسكرية
إنها سياسة الضرب بالعصا الغليظة ثم عرض جزرة صغيرة، فهل تتعظون؟، هل تستلمون وتتراجعون؟ أيضاً الملك لا يتنازل عن المحاكم العسكرية التي ألغاها ثم عاد فأحياها، والآن يقول إن "الحكم النهائي سيصدر في محاكم مدنية"، هو لا يخاطب الشعب هنا، هو يقول للعالم سأعقابهم لكن الختم النهائي سيكون مديناً لا عسكرياً، بيد أن الجميع يعرف أن الملك يرأس القضائين العسكري والمدني وأنه الذي يعين وأنه مالك وصاحب هاذين القضائين، فمن يخدع من ياتري؟
ذروة الخطاب الملكي تستجدي عاطفة هي مشحونة أصلا: "إننا لا نتطلع لمحاكمة الجميع، فهناك من اتهمو بالإساءة لشخصنا ولرجال المملكة ونحن في هذا اليوم نصفح عنهم، آملين أن يعوا أن الإساءة لنا ولغيرنا هي إساءة للجميع ولا تفيد بشيء" جملة إنسانية الملامح، تختلط فيها الدهشة بالتراجيديا بالفانتازيا، يطمئن الملك أفراد الشعب بعد ستة أشهر من انطلاق قانون الطوارئ وجريان الدماء والمآسي فيه، مفاعيل هذا القانون مستمرة ليليا في المناطق المعارضة للسياسة التي تأسر البلد، بعد هذه الأشهر الملك يطمئن شعبه أنه لن يعاقب الجميع!، نعم، فالبعض يحاكم عسكرياً وعاقبته، حسن خاتمة مدنية.
الملك يقول إنه يسامح من أساء له ولرجالات المملكة، هي عبارة، تظهر للناس مشاعر الضحية التي تسامت على ما اقترفه الآخرن في حقها. وهو يضيف كل رجالاته ويقوم عنهم مقام أنفسهم، هي عبارة تظهر جانباً من الأسى الذي يسكن نفس الملك بعد أن شاهد تحطم صورة الحكم داخلياً وخارجياً. لم يعد أحد من الشعب يوفره، ولم تعد بضاعة المشروع الإصلاحي صالحة للصرف في الصحف والوكالات والقنوات الإخبارية العالمية.
لم يوضح الملك نوع الإساءة التي لحقت به وبرجالاته، فعلاًَ، ما هي الإساءة؟، وإذا كان الدستور الحالي - المختلف عليه والساقط شعبياً منذ صدر بإرادة منفردة في الرابع عشر من فبراير2002- يعطي ذات الملك حصانة ترفع أقواله ولا أفعاله فوق النقد، فما الذي يقوله الدستور عن رجالات الملك وأية حصانه لهم؟، ومن هم رجالات الملك الذين أسيء لهم، هل هو خالد بن أحمد؟، هل هو المشير خليفة بن أحمد؟، هل هو عمه رئيس الوزراء الذي يستفظع الملك ورجالاته المطالبة برحيله؟، هل هو وزير الداخلية، أم هل هو زير العدل؟ أو وزيرة مغمغة الكذب؟ الدستور الساقط شعبياً لا ينص على ما يعصمهم من الانتقادات.
تغريدات العفو
إذن، إذا كان هذا ما يقوله الملك، فماذا يقول الناس الذين عوقبوا ويعاقبون للآن بسبب آرائهم؟ أجاد المغردون البحرينيون طرح التساؤلات للملك حول حقيقة من الذي أساء لمن. تساءلو، "من الذي ظلم من؟، من الذي أفقر من؟، من الذي سجن من؟، من الذي عذّب من؟، من الذي قتل من؟، من الذي هتك عرض من؟، من الذي فصل من؟، من الذي قطع رزق من؟، من الذي خوّن من؟، من الذي هجم على بيت من؟، من الذي منع البعثات على المتفوقين؟، من الذي فتح إعلامه النار على من؟"
فانتازيا أخرى صادمه في معرض الحديث عن حق من تم تعذيبهم والإساءة لهم. إساءة من وزن قتل ذويهم، تعرض التعويض المادي! قال: "ربما لا يفهم البعض هذه القوانين ويظنون أنها لن تطبق بعدالة"، قاسية هذه العبارة على شعب يخاطبه حاكمه "أنتم لا تفهمون"، هكذا! نفوس مجروحة، نفوس تريد الكرامة والحرية لن يقنعها المال. "أنتم لا تفهمون"!، عبارة تحيل المشهد تراجيدياً تماماً.
الأسئلة والمفارفات المتعلقة بالخطاب تبين حجم المنطق الذي أحبط تفاؤل الشباب البحريني من حديث الملك، فكان صداه سيئاً إلا على نخبة قليلة من السياسيين رأوه -كما يرون كل خطاب ملكي في عشر السنين الماضية- هادئاً قد يفتح الأفق الملبد في البحرين.
جواب الوفاق
قالت الوفاق في بيانها "فليراجع نفسع من أخذ البلاد منذ منتصف مارس الماضي ولا يزال وأراد أن يلغي الآخر من الوجود في الوظائف ودور العلم والمواقف بل حتى من الحياة"، و "نختلف في تشخيص التجاوزات على أنها فردية، بل إن الٌإنتهاكات التي جرت ممنهجة ولا يمكن فهمها ٌلا عبر وجود سياسة ممنهجة نتجت عنها هذه التجاوزات التي فاقت 50 نوعاً من الٌإنتهاكات". ومصادر (مرآة البحرين) داخل لجنة بسيوني تؤكد أن اللجنة وبعد لقائاتها مع الأطباء ومعتقلي "الجمهورية" كونت قناعتها أن تجاوزات (رجال الدولة) ممنهجة، وأن اللجنة تبحث عن سقف صدرت تحته هذه المنهجية لتضمنه في تقريرها. أما خطاب الملك، صاحب اللجنة، فيقطع الطريق ويجزم بفرديتها!
يرى خطاب الملك في مرئيات "حوار التوافق الوطني" مدخلاً للحل رأته الوفاق مفتوحاً على مزيد من التأزم كونه "محل اعتراض في المعارضة"، و"لا تلبي مطالب الشعب البحريني في التحول للديمقراطية"، بل "إجراءات صورية" و "تكريس للدولة غير الديمقراطية".
رد شباب 14 فبراير
ائتلاف شباب 14 فبراير سارعوا إلى إصدار بيان عاجل فور انتهاء الخطاب دعوا فيع الشعب إلى الرد على ما أسموه ("خطاب الطاغية"). اشتعلت المناطق بالمسيرات، واتضح جليا حجم (العفو) الذي أصدره الخطاب؛ فقد أوقعت قوات المرتزقة الأجانب الذين توظفهم وزارة الداخلية، والتي يقودها أحد رجالات المملكة. الإصابات في المتظاهرين بلا رحمة. أصيب شاب من سترة بنزيف شديد في رأسه جراء طلقة من فوهات بنادق الأمن، وأصيب شاب آخر في البلاد القديم بقنبلة صوتية، وفي سترة والدير تم استخدام طلقات الشوزن المحرمة دوليا بكثافة، فعادت للظهور الصور الممتلئة بحفر الطلقات الانشطارية، وأصيب في بني جمرة طفل بطلقة في وجهه وهو داخل المنزل.
مشهد تراجيدي آخر كان في قرية جنوسان. أوقفت قوات المرتزقة الأجانب رجلاً أربعينياً كان بمعية ابنه، وانهالت الوحشية على جسد الأب وتركته مُدمّى الجسد مرمياً على الأرض بينما كاد ابنه يدخل في حالة هيسترية وهو يرى أباه في هذه الوضعية، حادثة تجسد معاني "الصفح" الطازج، لا يستطيع هذا الرجل أن يقول للملك شكراً الآن، لأن فكه لا يساعده على ذلك! ربما يجب أن يعتذر الشعب للملك الذي عفا وصفح عن هذا الخلل البسيط الذي أصاب فك هذا المواطن!
أيضاً، في قرى: سلماباد، ودار كليب، وكرزكان، وبني جمرة، ورأس الرمان، والبلاد القديم، وسترة، قبضت قوات المرتزقة على بعض المواطنين بوحشية الصفح.
صحف الصفح
مضى الليل حتى ساعات الفجر، وسيارات الشرطة وقوات ما يسمى بمكافحة الشغب مسكونة بالصفح؛ تخرج من قرية لتقمع أخرى. تمّ استخدام مسيل الدموع والغازات الخانقة بكثافة، حالات اختاق عديدة لم توفر النساء والأطفال وكبار السن. رصاص الشوزن والمطاطي يختم عشرات الأجساد. دخل الفجر، وصدرت صحف اليوم التالي تنقل صفح الملك على ثمانية أعمدة، هي مقاس عرض الصفحة الأولى لكل صحيفة، لكن الصفح لم يأت على مقاس الوطن المختنق. لم تعرض وسائل الإعلام المحلية ومعظم الصحف العربية والأجنبية ردة الفعل الشعبية على خطاب الملك، سمعت بها، عرفتها، وستعرف عنها مساء يوم العيد.
لم يتطرق الملك للأزمة السياسية في خطابه الرمضاني، لم يفعل شيئاً، ألقى خطابا فهمه كثيرون على أن ملخصه كلمة واحدة هي: (استسلموا) خصوصا في دعوته للمشاركة في الانتخابات البرلمانية التكميلية. الكلمة تم رفضها شعبياً، فلم يتغير شيئا، في البحرين أزمة مستفحلة، تتعمق كل يوم، وستنفجر مجدداً!