انتهاكات النظام .. قضية المرأة
آسيا خلف - 2014-07-19 - 10:57 م
آسيا خلف *
لا يمكن أن يكون للظلم ألوان وصنوف، ولكن قد تتفق معي نساء بحرينيات كثيرات على أن الظلم الذي تمارسه السلطة البحرينية لا يمكن أن يوصم سوى بالسواد والظلمة والعتمة. فالعجز أمام تغيير الواقع لحظة وقوع الظلم، أمام كل عوامل التمييز والباطل وغياب العدالة وتعزيز الإفلات من العقاب، لا تجد حينها المرأة سوى عتمة حالكة متيقنة رغم ذلك بوجود خيط شعاع رفيع من العدل وبصيص الأمل.
لو قلبت صفحات تاريخ الثورة البحرينية، منذ السبعينات وحتى الرابع عشر من فبراير، فإن القارئ لها سوف يجد الآن في معظم البيوت الشيعية امرأة ضحية انتهاكات السلطة، سواء كانت بشكل مباشر أو ضحية غير مباشرة، وما أقسى الشكلين!
لقد شكلت المرأة البحرينية ركيزة أساسية في قيام ثورة الرابع عشر من فبراير في الربيع العربي، فقد كانت الضحية الأم والزوجة والابنة قبل أن تكون طبيبة أو مدرسة أو صحفية أو ناشطة في أي مجال. فقد أخذت المرأة البحرينية الحيز الأكبر من الظلم الذي لا تزال السلطة البحرينية تمارسه بحقها. فالنظام البحريني لم يراع فقد الزوجة لزوجها الشهيد وبداية رحلة عناء وتربية أطفال تمامًا كما طال زوجات المعتقلين. كما تجاسر النظام على ذبح ممارسة الأمومة بسيف التعذيب والاعتقال الذي طال أبناء الأم البحرينية؛ فقتل الأطفال والرجال وأعطى الأحكام بالسجن لسنوات طويلة، حارمًا الزوجة زوجها والابنة والدها ومباعدًا الأم المعتقلة عن أبنائها.
لم تكن المعتقلة نفيسة العصفور سوى ضحية مباشرة وقضية للمرأة البحرينية التي كانت لها بصماتها في الوجع وفراق أبنائها وهي تقضي سنوات من عمرها في السجن بعيدًا عنهم. وأصبحت شقيقة المعتقلة ريحانة الموسوي أمًا أخرى تربي أبناء المعتقلة إلى جانب أبنائها، ولا يخلو ذلك من لوعة فراق الأخت لأختها والأبناء لحضن أمهم. ولم يكن الشهيد كريم فخراوي -الذي قضى تحت التعذيب في السجن- زوجًا عاديًا كما تذكر زوجته، بل كان الأب والصديق والأخ الذي ترك فراغًا كبيرًا في منزل زوجته وقلب بناته، ولا يزال الألم تاركًا بصمته في تعزيز كون المرأة البحرينية ضحية وقضية ملفتة في انتهاكات السلطة البحرينية.
تعددت الضحايا والمجرم واحد، وهذا ما يمارس ضد زوجات المعتقلين المحكومين بسنوات سجن عديدة ترك النظام على عاتقهن تربية أبنائهن دون المبادرة بمعرفة مصيرهن أو مساعدتهن، تمامًا كما يتخلى المجلس الأعلى للمرأة عن مهامه في نصرة المرأة البحرينية، ويتغاضى عن رؤيته وأهدافه التي يخطها فقط في أوراقه لتجميل صورة النظام البحريني وادعائه باحترام حقوق المرأة البحرينية.
خلف الحكم المستهدف بالسجن خمسة عشرة عامًا لابن عم الشهيد صلاح المعتقل مجيد أحمد حبيب الألم الكبير لوالدته، التي أرهقها فراقه بالمرض والسقم وترك على كاهل زوجته يتيمة الأب حملًا كبيرًا في تربية الأبناء، خصوصًا بأنه لا يمكنها قيادة السيارة، فتقضي حاجات المنزل والأطفال بالذهاب بسيارة الأجرة (التاكسي). لقد غفل القاضي الذي أصدر الحكم عن سوءة ذلك وتبعاته. كما تعاني كل أم يوميًا فراق ابنها على وجبة الطعام متمنية أن يكون بخير تحت براثن أيدي المعذبين في السجن، وقد تمثل ذلك في شعور والدة المعتقل رضا الغسرة، الذي يقبع في السجن الانفرادي، وتطالب والدته بأقل حقوقه أن يقضي فترة سجنه في زنزانة جماعية، تخشى بين الفينة والأخرى أخبارًا تصلها عن تعرضه للتعذيب والإهانة والبصق على الوجه والركل بالأحذية. والدة المعتقل جاسم النعيمي تتألم لوجودها حرة وفي منزلها تحت تكييف هواء بارد وطعام صحي بينما تدرك بأن ابنها ومن معه -في فترة ما- لم يحظوا بذلك. وهنا تتجسد آلام الأم البحرينية لفراق ولدها.
وماذا لو بادرت منظمات حقوق المرأة التابعة للنظام بالتحري في قصة الحاجة مريم، التي شابت وهي تنتهي من ألم اعتقال ابن لها ليبدأ اعتقال آخر؟ فقد شهدت سني عمرها المنقضية اعتقال ابنها مهدي وأحفادها الأربعة، وإصابة آخر بنحو 80 شظية شوزن صوبت فوهة بندقية القوات نحوه وكادت تودي بحياته، وكان لتلك الحاجة فيما نالت عنوانًا لثبات وعزم المرأة البحرينية.
تقول أخت المعتقل رضي القصاب المحكوم بالسجن المؤبد في القضية المعروفة ب"الخمسة طن" بأن والدتها قبيل النطق بالحكم كانت تتوجس خيفة في كل مرة تشاهد الأخبار الإعلامية التي تشهر بالمعتقلين في التلفاز وتوصمهم بالإرهابيين وتمارس التهديد والوعيد بضرورة التخلص منهم، وكانت تنهار رعبًا وبكاءً وخوفًا وحسرة على مصير ابنها، وهذا ما تتعمد وسائل الإعلام التابعة للحكومة البحرينية القيام به، إضافة لما كانت تقوم به من جرائم بث الفتن والفرقة الطائفية. وكيف لأم الشهيد أحمد فرحان أن تنسى هامته المفضوخة وحتى الآن لم تعاقب السلطة قاتله؟ وبقيت تحتضن صورته ذكرى مؤلمة وفراغ لن تسده عدالة النظام الغائبة التي ستلاحقها العدالة الإلهية في يوم الاستحقاق الأكبر.
حالات النساء البحرينيات وضحايا انتهاكات السلطة عديدة ولن تعطي تلك السطور حق ظلم السلطة ضد المرأة إضافة إلى الآلام الخافية التي تجملها المرأة البحرينية بصمودها وثباتها.
لقد سبب الإمعان في غياب حقوق الانسان البحريني في خلق المرأة كقضية بارزة وضحية كبيرة واضحة في الشأن الحقوقي والإنساني، بعيدًا عن مبادرة السلطة لحل الأزمة، وقد حصد ذلك تغاضيًا واضحًا وملفتًا من المجلس الأعلى للمرأة، المعين من قبل الحكومة، عن قضية المرأة واحتضان ألمها. إن سعي السلطة لذلك الإمعان لن يخلق من المرأة البحرينية سوى قنبلة موقوتة صامدة مشتعلة الجذوة سيظهر صدى انفجارها فيما بعد على الأنظمة الدكتاتورية.
* ناشطة بحرينية، مدافعة عن حقوق الإنسان.