» رأي
عباس بوصفوان- نظام عصي على الإصلاح: قشرة الشيخ خليفة
عباس بوصفوان - 2011-08-27 - 1:13 م
عباس بوصفوان*
في 2001، أدرك الشيخ خليفة بن سلمان أهمية العنصر السني في المعادلة، حين شاع بين الجماعات السنية أن الشيخ حمد بصدد إنشاء تحالف عريض مع الجماعات الشيعية المعارضة، التي أيدته في الميثاق، إذ لم يكن للجماعات السنية الموالية أي فضل في خروجه (الميثاق) للنور.(1)
طوال الخط، كانت الجماعات السنية مشروعا لمعارضة آل خليفة، في حال تحول الحكم نحو تفاهم ما مع الشيعة. وكلما زاد التفاهم زاد حجم المعارضة السنية. والعكس صحيح.(2)
الشعور تنامى عند الجماعات السنية بعيد التصويت على الميثاق، أن الملك بصدد جعل الشيعة رقما في المعادلة. إنه يفرج عن المسجونين، يعيد المبعدين، يلغي قوانين أمن الدولة، يوافق على فتح صحيفة الوسط، يتبنى مشروعا إسكانيا في المدنية الشمالية، يوافق على تأسيس جمعية سياسية (الوفاق)، يبشر بانتخاب برلمان، ويعد بتفعيل دستور 1973...
إنها الكارثة القادمة بنظر الجماعات السنية الموالية، التي كانت وما زالت المستفيد الأكبر من طريقة إدارة الحكم، منذ نشوء الدولة الحديثة، وعلى نحو أكثر وضوحا في السنوات العشر الماضية التي تحول فيها التمييز إلى سياسة رسمية وممنهجة، عكس ما سيدعي بسيوني.(3)
وتحولت فيها الإساءة إلى المواطنين الشيعة من الغرف المغلقة إلى صفحات جريدة الوطن التي يقودها أحمد عطية الله.
وفي الواقع، وعلى عكس ما تروج الجماعات السنية، فإن الشيخ حمد راح منذ تسلمه الحكم في إقصاء الجماعات الشيعية، إقصاء تاما من القصر، ومن كل موقع مهم، حتى غدا التشكيل الوزاري في 14 فبراير يضم وزيرين شيعيين، هما مجيد العلوي وعبدالحسين ميرزا.(4)
لم يخلق الشيخ خليفة جفاء تاما مع الشيعة طوال حكمه الذي انتهى رسميا مطلع الألفية، لكنه أدرك سريعا تنامي الحساسيات السنية من احتمالات تنامي النفوذ الشيعي مع انطلاق ما بدا أنها إصلاحات (2001).
بلور رؤية جديدة، وراح يتحدث باسم السنة، باعتبارهم الخاسرين منذ قدوم الملك الجديد. ورغم ضيق بعض أطراف القصر من نشاطات الشيخ خليفة في المحرق، ظل القصر ينظر إلى هذه النشاطات على أنها مساحة مسموحة لرئيس الوزرء المعطل، من ناحية، ومن ناحية اخرى فإنها تصب في خانة تقوية القطاعات السنية وهو هدف حاسم للقصر... بيد أن القصر لم يدرك ربما حجم الرأسمال الذي يبنيه الشيخ خليفة في هذه المنطقة الحساسة، والقلقة، والتي تشعر بحاجة متزايدة إلى القرب الحسي من النظام.
بعد عشر سنوات من تسلم الشيخ حمد زمام الأمور، اتضح أنه خسر الشيعة، بعد أن مضى عكس وعوده بالإصلاح، بل ودمر كل ما هو إيجابي في العلاقات بين العائلة الحاكمة والجماعات الشيعية، ولم يربح السنة، الذين نظروا إليه كمجامل للشيعة، وصاحب العدد التاريخي في العفو عن المناهضين لحكمه.
فيما تمكن الشيخ خليفة من أن يكون رمزا للسنة، وتحديدا لقطاعات من الجماهير السنية، جعلت إحدى التلميذات في المحرق تقول، إبان اعتصامات الدوار الحاشدة، نحن لا نريد الشيخ حمد نحن نريد الشيخ خليفة.
بيد أن الشيخ خلفية لم يتمكن من اختراق الجماعات السياسية السنية، وظلت جمعيتا المنبر والأصالة وفية للقصر والرجل القوي فيه الشيخ خالد بن أحمد، وساعده الأيمن عطية الله.
وينطبق ذلك حتى على تجمع الفاتح الذي يدين بالولاء للقصر، حتى لو بدت بعض قياداته مستاءة من الشيخ حمد، الذي لا تريح سياسته أحد على أي حال، لا في الداخل ولا في الاقليم، ولا دوليا.
الرسالة التي بلغها الدكتور عبداللطيف المحمود عبر صحيفة واشنطن تايمز(6) قبل نحو أسبوع، كانت واضحة. إنها رسالة ليست عابرة. الاستعداد إلى ازاحة الشيخ خليفة واردة وممكنة، ويمكن التنظير لها بالقول بأن الأزمة انتهت، وشكرا للشيخ خليفة على جهوده الجبارة.
ولا يغير من ذلك ابدا هيجان بعض الجماهير السنية في المحرق، والتي يمكن ضبطها، عبر ضبط أبرز ممثليها الشعبيين الشيخ محمد خالد.
لقد فشل الشيخ خليفة في تشكيل تجمع سياسي يدين له بالولاء، رغم محاولاته المستميته.. يدرك القصر ذلك، لذا قطع عليه مبكرا أي محاولات للحركة السياسية.
وتظل الشعبية النسبية التي يتمتع بها غير قادرة أن تتحول إلى رأس مال قادر على المساومة. كونها تتركز في جماعات هامشية، أو صفوف المجنسين الذي يعرفون أن قرار تجنيسهم في القصر لا في المنامة. فيما الجيش وقوى الأمن تحت امرة القصر، مما يجعل الوجود الفعلي للشيخ خليفة هشا فعلا.
في اللحظة الراهنة، وأمام تحديات داخلية غير مسبوقة، فإن ازاحة الشيخ خليفة لا ينقصها داخليا سوى قرار من الملك، لتجد تلقائيا تأييدا من تجمع الفاتح والتجمعات السياسية الأخرى التي تأتمر باسم القصر، وسيطبل لها الإعلام الرسمي والصحافة المحلية، بما في ذلك جريدتي البلاد وأخبار الخليج القريبتين من رئيس الوزراء.
الخيارات ضيقة أمام الملك الذي يذهب من فشل إلى آخر. وهو إذ يختار أن يرمي الحمل على خالد بن أحمد وشقيقه قائد الجيش، فإن هذه الزمرة ما زالت تتحين الفرصة المناسبة لإبعاد الشيخ خليفة من المشهد، وقد تجد طرقا لإنجاز ذلك قبل نهاية العام الجاري.
في الواقع، فإن الوضع المحلي مهيء تماما لازاحة رئيس الوزراء، عكس ما يعتقد. جملة المقدمات الأخيرة كفيلة بايصال الرسالة إلى كل متمسك بالشيخ خليفة بأن اللعبة انتهت.
صحيح أن السعودية ستظل عائقا، لكن لنتذكر أن الملك مرر حزمة من القرارات "الإصلاحية" التي كانت مزعجة للرياض في 2001. لكن تأكيدات القصر المتتالية للشقيقة الكبرى بمواصلة الحرب ضد اي تطلع شعبي للنهوض، قد تكون خففت من استياء الرياض لاحقا.. وربما تمكن الشيخ حمد من فعل ذلك مجددا، إذا ما اعتبرنا أن ازاحة الشيخ خليفة تبدو أهم خياراته.(5)
الإشكال الضخم الذي يواجهه الملك هنا ليس السعودية، وليس الجماعات الموالية، وإنما يشغله: ماذا بعد؟ وما الفائدة من إزاحة الشيخ خليفة؟ والمعارضة تتمسك بإعادة هيكلة السلطة، وطلب برلمان بصلاحيات كاملة وحكومة تعبر عن رأي الشعب؟
على أن هذا السؤال يواجه الحركة الشعبية أيضا، ماذا بعد إزاحة الشيخ خليفة، ذلك أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي غادر كرسيه، وكذا الرئيس المصري، بيد أن النظامين في تونس والقاهرة مازالا قابضين على السلطة.
إن إزاحة الشيخ خليفة التي باتت وشيكة ستظل تذكر بأن النظام السياسي في البحرين عصي على الإصلاح.. والشيخ خليفة ليس إلا قشرته.
* صحفي بحريني
- راجع تصريحات الشيخ عادل المعاودة، ومجمل الشخصيات الموالية
- راجع: وإذ يحضتن الفاتح الحوار
- راجع: ختم بسيوني.. الانتهاكات حدثت.. والدولة بريئة
- راجع: الخطأ الاستراتيجي: نظام يُعفي الأكثرية الشعبية من الالتزام بمقتضى شرعيته
- راجع: الشيخ حمد.. الإطاحة بعمه بديلا لتسوية تاريخية
- صحافي الواشنطن تايمز لمرآة البحرين: رد التجمع لم ينفِ ما قاله المحمود، وأعتقد بأن ما قاله هو رأيه