المشير الرّكن: أنا بعد عندي مجلس
2014-07-13 - 9:36 م
مرآة البحرين (خاص): في شهر رمضان، يُجدّد النّظام في البحرين بعضاً من عاداته في اختطافِ الصّورةِ، واقتناص اللّحظاتِ التي تُعزِّز الطّبع القبلي والرّغباتِ المتأجّجة في انتزاع الولاءات وإحناء الرّؤوس لهم. تتحوّل مجالس رمضان إلى حفْلٍ صاخبِ بالطّاعة وتأكيد الارتماءِ والعبوديّة.
وفي إطار تغطيتها لزيارات كبار المسئولين في هذا الشّهر الفضيل؛ نشرت وكالة أنباء البحرين (بنا)، صوراً لزُوّارِ مجلس القائد العام لقوّة دفاع البحرين (المشير الرّكن) خليفة بن أحمد آل خليفة. وتعكسُ هذه الصّور طبائع العبوديّة والاستبداد التي تتجدّد في رمضان، حيث فرص الحشْد والتّدافعِ على موائدِ الطّاعة والطّعام.
من بين الصّور، صورةٌ تلفتُ العينَ وحاسّة النّقد. الصّورة هي لمجاميع من النّاس الذين ينتظرون دورهم للدّخول إلى مجلس (المشير)، وجلّهم من ضبّاط وضبّاط صف في قوّة دفاع البحرين، وآخرين من أفرادِ القوّة. هذه الصّورة الأولى.
الصّورةُ الأخرى تنقلُ الحدثَ داخل المجلس، وتعكسُ صورة "الرّجل"، وهو بلباسه المدني، مُسلِّماً على الحضور "المتدفّق" الذي أقبلَ للتهنئة بشهر رمضان. ومن خلف "الرّجل"، ويساره ويمنه؛ يبرز حُرّاسه، وبلباسهم المدنيّ أيضاً، وقد بدا شخصٌ آخر على مقربةٍ منه، وهو يُمارس دور "المشرف" على المراسم والبروتوكل وتنظيم "مرور" الزّوار وإلقائهم السّلام والتّبريك.
اختيار هذه الصّور، ودون شكّ، ليس عبطاً. إبراز الحشْد المتلهّف على المصافحة وتقبيل "أنف" المشير، هو جزءٌ من رسالةٍ تشتغلُ عليها الصّورة "المحبوكة" على مقاس الاحتياجِ والافتقاد.
تريد الصّور أن تُشكّل فكرةً معيّنة، وتخلق اتجاهاً محدّداً حيال القضايا البارزة، وأن تُقدِم الصورُ إجاباتٍ على الشّكوك والتساؤلات، فضلاً عن تحديدها لاستجاباتِ الجمهورِ في شأن ما يستجدّ من قضايا وموضوعات.
تسعى الصّورُ إلى جعْل الناس أكثر إدراكاً لما يدور من مواقف، وهو إداراك محكوم بوقتٍ معيّن، وبعمليّة هادفة، ومبرمجة. أيّ أنّ الصّور هنا معبّأة بالرّسائل التي تُكتب عادةً في أوقاتِ الحروبِ، وبما تقتضيه من دعاياتٍ "نفسيّة"، وتأجيجٍ لمشاعر وإخفاء أخرى.
وكما تستخدم اللغةُ حروفَ الجرّ وظروف المكان والزمان لتوضيح الاتجاهات، والتّرابط بين الجمل، فإنّ الصّورة لها حروفُ جرِّها أيضاً، فمن الممكن – عبر الصّورة – أن يكون الشّيء "فوق" أو "تحت"، ومن الممكن أن تحتوي الصّورة على معانٍ ورسائل أكثر مما تحتويه اللّغة.
اللغة تكشف رغبة الكاتب، وتوجّهه المضمر، ومضامينه الخفيّة، وصوته الأيديولوجي. أمّا الصّورة، فكتشف الاحتيالات الأيديولوجيّة، والرسائل الدّفينة للمُصوِّر الذي يختارُ جزءاً من الحدث ليوجِّه إليه الكاميرا، ويُهمِل الأجزاء التي لا تُسْعِف مبتغاه. كما أنّه يتحكّم في مستوى الإضاءة لإبراز ما يريده بوضوحٍ مُضاعف، أو لحجب وإخفاتِ ما يريده أيضاً.
أيضاً، فإنّ الزاوية التي يلتقط من خلالها المُصوِّر صورَه؛ تلعب دوراً هاماً في تحديد ملامح خطاب الصورةِ ورسائلها.
فإذا كانت الزّاوية من أعلى، فإن ذلك ينطوي على التّحقير والإزدراء وعدم الاهتمام بالتّفاصيل، أما إذا كان الزّواية من أعلى، فإنّ ذلك يرمز إلى التّعظيم. وإذا كانت زاوية المُصوِّر من أحد الجانبين، الأيمن أو الأسر، فإن الصّورة في هذه الحال تسعى إلى حذف جزءٍ من الصّورةِ، أو التّركيز على الجزء الذي تلتقطه الصّورة، أكثر من الجزء الآخر المحذوف.
على هذا النّحو، كان مجلس (المشير)، وكانت صُور مجلسه الرّمضاني. إبرازٌ للجموعِ اللاهثة، ولكن بصحبةِ احتقار السّيدِ الذي لا يُبالي بتفاصيلهم وأسمائهم. وإظهارُ الانتفاخ الطّاغي، والذي يكادُ يصطدم بعدسة الكاميرا بغية إظهار المزيد من العلوِّ والشّكيمة. وبين هذا وذاك، تريد صُور مجلس المشير أن تقول بأنّه حاضرٌ في المشهدِ، مثل بقيةِ المسؤولين الكبار، ولكنّه يتفوّق عليهم بانقيادِ الجموعِ المُجنّدة، ترتيب صفوف الطّاعة.