الحرية .. الإيجابية
آسيا خلف - 2014-07-12 - 11:41 م
آسيا خلف*
بات جليا لشريحة كبيرة من الشعب البحريني وأفراد وكتل المعارضة على وجه الخصوص بأن مفهوم التعبير عن الرأي يدخل ضمن أطر حريات الفرد والمواطن قد تكون تصورات مستقلة عن الآخرين وقد تتضمن آراء مجتمعة لجهات مدنية وشخوص عديدة.
لقد كفلت مواثيق وعهود عالمية ودينية حرية التعبير واعتبرتها أحد الحريات الرئيسية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 18: لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده.
والمادة 19: لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودون تقيد بالحدود الجغرافية.
والمادة 20: لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية ولا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما.
هذا بالإضافة إلى أن دساتير معظم ديمقراطيات العالم تحترم هذا الحق لمواطنيها.
إن مفهوم الحرية لايتوقف فقط على تحرير سجين من قبضة القيود بل تتعدى لتشتمل حرية الدين، والكلام، والمعتقد، والتوجه السياسي، والفكر، والرأي الذي ساعد القلم وآلة التصوير والتلفاز وشبكات التواصل الاجتماعي والصحافة على تشعبها وظهورها رغم القيود التي تفرضها حكومة أو سلطة أو مقص الرقيب.
ولكن الحرية في التعبير تنقسم لقسمين قد يألف البعض قسمها الأول وقد يجره الاختلاف فيه للخلاف وعزل صاحب الفكرة.
الأول الحرية الإيجابية وهي حرية تعبير قد تحقق مصالحا فردية واجتماعية تسمو بالفرد عن الخلافات والذم والتسقيط والتخوين وبث السموم الفكرية الحاطة بالكرامة الانسانية.
الثاني هي الحرية السلبية التي تعطي الفرد صلاحيات غير مبررة أو حقيقية مطلية بشعار الحرية وهي لاتحقق منفعة أخلاقية أو حقوقية للآخرين بل تتجاسر لتتبنى الانتقاد اللاذع المشبع بالسخط والكراهية والقذف وتهديد أمن الفرد وحياته.
إن الحرية الايجابية حق من حقوق المواطن والفرد وعليه يحق له طرح فكر وتجسيد رؤية للفرد المخالف، وعلى الأخير تقبلها أو رفضها دون التجاسر على شخص الفرد وحياته الشخصية والتحاور ضمن الأطر الأخلاقية التي تضمن كرامة وأمن الشخص الآخر.
في معظم مستشفيات العالم هناك جناح طبي يخصص للمرضى ذوي الأمراض المعدية فيسمى ب "جناح العزل" وفي المجتمعات تمارس الحرية الايجابية بين بعض الافراد ولكن يتم في بعض الحالات عزل المختلف عن رأي الآخر عن المجتمع ونشاطاته المدنية والحقوقية والمجتمعية تماما كما يحدث للمريض المعدي.
فقد يختلف البعض ضد شخص أو جهة في الرؤى والنهج السياسي والحقوقي والديني فيتم عزله وتهديده ونبذه بأساليب قد تكون بارزة أو غير جلية على العلن ولكن طرق العزل تتعدد بين عزل هؤلاء الأفراد في مجالس الفكر والدين والحقوق والسياسة والفعاليات التي تتجسد تحت شعارات حرية التعبير عن الرأي. بل ويتم تجاهل تلك الفئات وتصنيفها ضمن فئات ثقافية أو عمرية ضئيلة بحجة عدم التوافق الفكري أو العمري أو التقليل من شأن وجوده ونشاطه، والحجر على فكره ووجدانه دون إعطاء الفرد المعزول أو الجهة المعزولة "فكريا" حق التعبير عن الرأي الذي ينادي به كلا الطرفين، ودون احتضان الرأي المختلف واحتوائه عبر توضيح التوجه أو الرؤية المضللة له التي قد يحترمها ويتبناها لاحقا.
وكذلك تمارس سلطة الدولة الحرية السلبية تجاه المواطنين والأفراد عبر نعتهم بنعوت التسقيط والإرهاب وممارستهم ايضا للحرية السلبية وذلك بغرض عزلهم عن نشاطات المجتمع وتكميم أفواههم حتى لا يسمعهم الآخرون فلربما يقتنعون برؤاهم ومطالبهم وقد طال ذلك جهات معارضة تمارس السلطة قمع الفعاليات الداعية لها وتعتبر مسيراتها "غير مرخصة" بالرغم من تبنيها شعار حق تقرير المصير الذي كفله العهد الدولي لحقوق الانسان.
فالفرد الذي ساء حظه تحت سلطة دكتاتورية لايحظى الا بطرده من العيش الكريم والمهانة وعزله عن حقوقه المجتمعية في العمل والسكن والتعبير عما تمارسه السلطة من انتهاكات لحقه. بل ويتم زجه في السجن بتهمة إهانة شخوص عليا في الدولة وحرمانه من ممارسة حياته الشخصية والتمتع بها مع عائلته وقد كان لاعتقال المغردين والاعلاميين والمصورين والناشط الحقوقي نبيل رجب شهادة دامغة على تفتيت حرية الرأي واستصغار المواطنين عبر إعلاء شأن شخوص أخرى وجسد تنفيذ حكم الطبيب د.سعيد السماهيجي الذي يقضي أيامه حاليا في السجن بسبب التعبير عن رأيه المثال الحي في العزل والتهميش وتكميم الأفواه.
وتتعدى أساليب السلطة ضد من يخالفها الرأي وصمه واتهامه بالارهابي بغرض التحريض على كراهية نظام الدولة وتعطيل أحكام الدستور تماما كما يحدث في وطني البحرين من تشهير للنشطاء والمتهمين في قضايا الارهاب عبر نشر صورهم إعلاميا وممارسة عملية تفريغ الكراهية والغل من قلوب منتسبي السلطة نحوهم بالضرب والتعذيب.
ولا يكمن عزل الفرد المخالف لنهج السلطة في تكبيل معصميه بالقيود وسجنه فقط، بل ويتم التشهير به وبث الفرقة والفتن الطائفية التي يشهد بها التلفاز الموالي لها وصحف إعلامه الصفراء التي تمارس التجني على الغير والاستهزاء والتحقير للفرد والوقاحة عبر سب طائفة معينة وشخوص يعارضونها الرأي كما يمارس حاليا ضد قيادات دينية لها بصمتها وصوتها الجهور في المعارضة ليتم بذلك حماية كتاب هؤلاء الصحف من المساءلة القانونية تحت مسمى حرية التعبير والتي في الواقع هي سلبية ومن جانب أخطر تعطي الضوء الأخضر لمن هم تحت كنفها بالاعتداء على الأفراد وتعذيبهم وتهديد أمنهم وحياتهم ووضعهم في القائمة السوداء بغرض التهميش والتسقيط والتحريض على إباحة دمهم.
خلاصة القول إن الحرية في التعبير عن الرأي يجب أن تتوافر في الفرد والسلطة -وكل من ينادي بهذا المفهوم- بصورة إيجابية تسمو به عن النعوت والخلافات وتحصد ثمارا طيبة ترقى به عن عزل الآخرين وتهميشهم لمجرد اختلاف الرؤى والفكر.
وأن عقارب الساعة لم تتوقف في تغيير الحرية من سلبية لإيجابية فالطفل بتنشئة الأم وزرع القيم السامية والارتقاء نحو المبادئ الكريمة عبر ترسيخها فيه، والفرد بتغيير سلوكه في المجتمع والتجمل بالمفاهيم الحقة عبر تبني الحقوق الإنسانية والإسلامية، والدولة بالمبادرة بقلع جذور الدكتاتورية وتهيئة أرض خصبة بالحرية الإيجابية المكفولة لكل مواطن.
*مدافعة عن حقوق الإنسان.