الشهيد العبار.. انتصار الدم على ورق السلطة
آسيا خلف - 2014-07-04 - 6:04 ص
آسيا خلف *
عجبا كيف يكون الإصرار على إحقاق الحق هو الغالب على غريزة ونزعة الأمومة التي تتجلى في المرأة البحرينية .
هكذا بنات أفكاري تصارعت فاندهشت حين التقيت أم الشهيد عبدالعزيز العبار للمرة الثانية وقد أتيتها بدافع الأمومة -قبل حقوق الإنسان والشعب والضمير- أن تتنازل لدفن الجثة التي أقرح تجمد شرايين الدماء فيها قلوب أبناء الشعب البحريني.
كان تقطب جبينها وافتقار وجنتيها وشفتيها للابتسامة الحقيقية يعتري وجهها منذ إصابة الشهيد وحتى إعلان وفاته وفي حين معاناتها التي ولدت بحق في ثلاجة الموتى.
ولكن حجم كل تلك الآلام لم يثن من عزيمة أم ثكلى لفقد ولدها على أن تثبت حق ظلامته بضرورة اعتراف القاتل بمقتله.
الشهيد عبدالعزيز العبار وجثته سيبقى قصة مخلدة عبر أزمان وتاريخ الثورة البحرينية. فقد أصيب على يد قوات النظام البحريني بمقذوف ناري (رصاص الشوزن اﻻنشطاري) في رأسه في إحدى المواجهات في تشييع أحد النشطاء سقط على إثرها ليدخل في غيبوبة لفترة طويلة وافته المنية بعدها بتاريخ 18 أبريل 2014.
ليبدأ هذا التاريخ ملحمة جديدة بين نزعة الأمومة وأوراق الحق. وليثبت تاريخ البحرين الغياب الرسمي للضمير والإنسانية المتمثل في سلطة البحرين.
حيث أنكرت السلطة البحرينية مقتله في تقرير شهادة الوفاة وأوضحت بأن السبب تلف في المخ علما بأن الشهيد لايعاني من أي أمراض.
فبدأت رحلة اﻻهل في المبادرة بتغيير التقرير المزيف ولجأت إلى الدوائر التابعة للسلطة البحرينية منها النيابة العامة ووحدة التحقيق الخاصة، ومكتب الطبيب الشرعي المعاين، ومسؤول قسم الأدلة الجنائية، والامانة العامة للتظلمات والمؤسسة الوطنية لحقوق الانسان، ومكتب وكيل وزارة الصحة، ومركز شرطة البديع للإبلاغ عن الإصابة وحث عدد من الشخصيات والمحامين للسعي لاستلام نسخة من تقرير النيابة العامة (حسبما ذكرت العائلة في بيانها اليوم) إلا أن السلطة البحرينية لم تبد أي تعاطف أو مبادرة حقيقية آنذاك لتغيير شهادة الوفاة التي تعتبر شهادة دامغة على تورطها في مقتله.
وفيما واصلت السلطة البحرينية تنصلها من دم الشهيد تدفق المئات من الشعب بكل فئاته من أفراد ومواطنين ونشطاء حقوقيين وسياسيين وإعﻻميين ورموز دينية نحو منزل الشهيد لتتضامن مع أسرته وليشهد العالم بأن شهادة مقتله لم تنحصر في سطور تقرير طبي.
إﻻ أن أهل الشهيد "جاهدوا" بصبرهم واستيعاب فكرة جثة تلتحف ببرد الثلاجة حتى جف الدم والماء من عروقها وبقيت لأكثر من 75 يوما تنتظر إصدار التقرير الحقيقي الذي يثبت واقع وأسباب مقتله.
وفي اليوم العالمي لمناصرة ضحايا التعذيب اعتصمت عائلة الشهيد عبدالعزيز العبار أمام مبنى الأمم المتحدة وطالبت بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة ونافي بيلاي التابعة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان (سابقا) وعرضت في رسالة ماتعرض له الشهيد منذ إصابته وحتى جهاد جثته في ثلاجات الموتى.
كما ناشدت عائلته بضرورة تحرير جثمانه الذي تحتجزه السلطة وتعترف بمقتله وتلغي صك البراءة المزيف الذي فضح تجردها من القيم الإنسانية وأعراف الدين الإسلامي.
واليوم يشهد العالم انتصار الدم على أقلام السلطة، وتشرئب الأعناق نحو يوم تشييع الشهيد المهيب الذي سيخلد في دفاتر التاريخ.
اليوم يشهد الشعب البحريني خنوع السلطة وهزيمة قناص الشهيد أمام أسرة بحرينية بسيطة فقدت ابنها جراء القمع الذي تدعي السلطة ديموقراطيتها وانتهاجها حرية التعبير عن الرأي.
اليوم هزم أيتام الشهيد الصغار عمالقة السلطة المتجبرين وأبوا إﻻ أن يخلد أباهم الشهيد شهيدا.
اليوم هزمت أم الشهيد كل من تحدى صبرها -تعاطفا معها- وطالبها بدفن ولدها رفقا بأعضاء جسده، وحري بنا تقبيل جبهة الصبر والجلمد الذي يعتريها.
فتحية للمرأة البحرينية التي جسد الصمود والإصرار وجودها الحقيقي والفاعل في الثورة البحرينية.
*ناشطة ومدافعة عن حقوق اﻻنسان.