الشهيد العبّار.. ذاكرة جسد مواطن بحريني
حسين يوسف - 2014-07-03 - 8:21 م
حسين يوسف*
حين يتحول الجسد إلى رواية، فلا بد أن تمتزج في ذاكرته مسارات الألم والأمل والعشق المحرّم، عن مواطن صار يحكي بحياته ورصاصاته وغيبوبته وجسده المحتجز واقعاً لا يملك أبرع الحالمين تصوره. لم تتجسد صورة المعاناة البحرينية كما تجسدت في جسد الشهيد البحريني عبدالعزيز. عن مواطن بحريني فقير يعيش مع ابنه وابنته وزوجته في زاوية متهالكة من بيت أبيه محروماً من حقه المفترض في بناء ذاته والتحصل على فرصة عمل. وعن متظاهر تضج فيه الأحلام وتمتزج متكثفة في صدره مشاعر الغضب والحزن في مراسم وداع أحد قيادات ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير فارق الحياة مغترباً. وعن مصابٍ يتهرب قاتلوه من دمائه، وبعد غيبوبة تشبه حال الوطن، تفضل حكومة البحرين أن تكتب نكتة في شهادة الوفاة: العبار المصاب توفي لأن قلبه توقف!
عن عبدالعزيز العبار نتحدث، وعن جسده المقاوم قرابة الثمانين يوماً ترفض فيه عائلته الضحك على وقع نكتة القبيلة الحاكمة، ويستمر عذاب الأب الذي هو للمفارقة عاملٌ في المشرحة، يسلم على جسد ابنه كل يوم ويواصل طريقه لايصال جثث الموتى إلى ذويها، ويبكي معهم على حال الوطن المتلخص في جثة ابنه الممنوعة من المواراة.
عن العبار نتحدث، عن الجسد الذي عنا يتحدث، عن وطن تتعطل فيه الحلول لأن حكومة فيها ترى الوطن أجساداً يمكن احتجازها ما دامت ثلاجات الموتى باردة، لتستمر محفوظة فيها أو محنطة على كرسي رئاسة الحكومة أكثر من 43 سنة، ولا يكون لضابط درجة الحرارة وظيفة، إلا كبرلمانها المسيّر، ليؤكد أن حالها يكفي لضمان عدم التحلل أو التحرر!
عن جسد العبار نتحدث، وعن توظيف السلطة لاستجابتها المتأخرة لمطالب عائلة تعرف أنها قاتلة ابنها، وتعرف هي أنها فعلت، ولكنها أيضاً تأبى إلا أن تستغل الحدث لتشير إلى برلمانها الكسيح، الممنوع من الرقابة والتشريع، وتخاطب المعارضة المكلومة بأجساد العبار المتوزعة في مقابر البحرينيين أن لا طريق إليكم إلا مربع القفص الأول، في برلمان الخدعة، في رواية لا تكتبون فصولها، ولا تنتهي حين تعدمون. وفي حين تمتزج فرحة المعارضين بإفلات القيادي البارز خليل المرزوق من حكم كماشة السلطة القضائية باستمرار أحكام الإرهاب على شبان الثورة البيضاء في جسد الخليج. تستعير اليوم الإدارة الأميركية مصطلحاً من وحي أزمة العراق، لتتحدث عن حكومة شاملة في البحرين، لا يدرى أحد هل سيتمثل فيها الشعب الطموح بوزارة للبيئة أم للسياحة.
عن العبار نتحدث، عن الذي علمنا أن قضبان السجون في البحرين تنمو وتمتد لتصل إلى ثلاجات الموتى بعد أن عبرت كل مؤسسات البلد وأراضيه وثرواته المنهوبة مروراً بحق المواطنة وجوازات السفر. وعن جسد العبار نتحدث، هناك في المنامة، حيث لا يكف بان كيمون ومجتمعه الدولي عن القلق، ولا يكف الإعلام عن صمتٍ هو في حالته المزرية أبلغ من الحديث، ولو تحدث لراودت العبار الشكوك وتوقفت الأحلام.
*ناشط بحريني.