» رأي
نادر المتروك - رسالة وزير العدل: استهداف العدل لا الطائفة
نادر المتروك - 2011-08-24 - 10:01 ص
الشيخ عيسى قاسم
نادر المتروك*
مأزق السّلطة اليوم ليس له مخرج. وهذا يعني أنّ مواليها الأصليين والمصطنعين في حِلٍّ تام لفعْل أيّ شيء. سيكون مفهوماً دخول الموالين في مواجهةٍ مفتوحة - ليس لها خطوط تراجع - مع المعارضين الذين يمثّلون جزءاً أساسيا من المجتمع. قدّمت السلطةُ، بنفسها وبمواليها، أبشعَ النعوت بحقّ المعارضة، وهي بذلك تعلن أنها لم تعد تجد في نفسها متسعاً للجلوس معهم أو استقبالهم بروح طيبة. وهذا هو المأزق القاتل.
تأتي رسالة وزير العدل إلى الشيخ عيسى قاسم في سياق هذا المأزق. ليس خافياً أن قاسماً كان محور انتقادات عنيفة في أوساط موالي السلطة والمقرّبين منها. حتّى وقت أخير، وبرغم الشراسة غير المسبوقة التي عمّت البلاد خلال شهري مارس وأبريل، إلا أن السلطة لم تدفع بممثليها الرسميين لخوْض ملاسنةٍ مفتوحةٍ مع الرّجل الذي كانت تعتقده بوّابة الحلول الوسطى. أسقطت السلطة كلّ الاعتبارات مع المعارضين، وبدون استثناء، وأوقعت أشد أنواع الإيلام بالمحيط الشعبي للمعارضة. وهي بذلك كان تأمل أن تُوجع البوابة المذكورة لتقبل بالحلول المعروضة من الوسطاء. خابَ ظنهم.
بالنسبة لي، يتوجّب أن أُظهر دهشتي من التلاقي الإيجابي الذي حصلَ في خطاب الشّيخ قاسم مع الأفق التغييري لحركة 14 فبراير. المسألة لا تتعلق بالصمود أو الخوف من تهديدات السّلطة، ولا بأيّ من النعوت الجامحة التي تسود عادةً السّيل التعبوي للرموز الدّينيّة. كان المسار التقليدي عند قاسم هو اللّجوء إلى أقرب خيار تفاوضي مُتاح للخروج من الأزمات القائمة، ولم يكن يعْنيه أو يُغريه الانشدادُ الثّوري الذي أخذ نزوعاً متشدّداً في المطالبة بالحقوق. ارتأى المخارجَ المؤقتة، أملاً في مجيء الوقت المناسب لإمضاء المخرج الجوهري. بعد 14 فبراير يمكن الاستنتاج أنّ قاسماً كوّن رؤيةً مفادها أن الوعي الشّعبي، وصلابة المطلب التغييري وإلحاحه؛ لا يمكن أن تُقارَن بما سبق، وأنّ الحضور الاحتجاجي السّلمي للنّاس لا يصحّ إلا التأكيد عليه ومؤازرته. عبّر عن ذلك بوضوح طوال الفترة الأخيرة، ووضعَ ما يُشبه المحدّدات الواقعية و"الشرعية" لها، ويبدو أنّ لغته الصّارمة لم تُتح للسّلطة الانفتاح على مؤدّى كلامه إلا مؤخراً.
أخطأت الوفاق وتيارها عندما اعتبروا رسالة الوزير لقاسم هو اعتداء على الطائفة. كان يُراد، بشكل أو بآخر، أن يُعبّر المعارضون عن إحساسهم وغضبهم الطائفي طوال الفترة السابقة، وبالتّالي تصديق الرواية الرسمية للأحداث والتي تنصّ على أنّ التدخل العسكري كان ضرورياً لمنع الشّرخ الطائفي الوشيك. لنتذكّر أن السلطة كانت تشعر بخزي دفين لكونها لجأت بشكل مكشوف للاحتماء بسياجها الطائفي، واستعملت دوماً الفزعةَ هذه لإذكاء مواليها. ردود الفعل الأولى على الرسالة؛ كانت هدية غير مقصودة إلى السلطة. من المتوقّع استدراك هذا الخطأ سريعاً، وأن تتم المعالجة بوضع الرسالة في سياقها الحقيقي؛ وهو بلوغ الشيخ قاسم حدودا قصوى في احتضان الحركة السلمية، وعدم المساومة عليها.
هي، أي الرسالة، وجهٌ آخر من مأزق السلطة الذي يتفاقمُ أكثر فأكثر كلّما قويت شوكة تحالف العسكر مع الإسلامويين (من السلفيين والإخوان)، ولن يسْهُل الخروج منه إلا بتقديم تراجعاتٍ حقيقية سيعتبرها الموالون المعسكرون تنازلاتٍ لا يصّح السّكوت عليها. وتلك هي الحفرة الأعمق في مأزق الحكّام المتنافسين. إنهم أوغلوا في الحفرة حدّ أنهم لا يرغبون في الخروج منها خشية الاستسلام وتنكيس الرّايات.