أنف السلطة التنفيذية في السلطة القضائية: قانون الإرهاب (3)
2014-06-30 - 8:37 م
مرآة البحرين (خاص): كيف سار مخطط إطلاق مسمّى "الإرهاب" وأغراضه على جميع أشكال الاحتجاج في البحرين، شمل المعارضين والمحتجين، لم تسلم منها الجمعيات السياسية المعارضة التي ما زالت تؤكد على خيارها السلمي؟
لم يقتصر الأمر عند وسم أعمال الشغب التي تتضمّن بعض أشكال العنف بالإرهاب، بل كل دعوة لأي نوع من الممارسات الاحتجاجية السلمية تم إحالتها إلى مسميات إرهابية. كان الحدث الأبرز الذي حمّى وتيرة السلطة بتكثيف استخدام مفردة الإرهاب، وتصعيد حملات الاعتقالات وتغليظ الأحكام الصادرة بحق المعتقلين هو الدعوة لحركة (تمرّد). انطلقت في 1يوليو 2013 دعوات لإقامة فعالية (تمرّد)، تتضمن مسيرات احتجاجية سلمية في جميع مناطق البحرين في 14 أغسطس. ورغم أن السلطة كانت ماضية في تصعيدها الأمني دون توقف، إلا أن هذه الدعوة جعلتها ترتعب من إمكانية العودة إلى مربع احتجاجات فبراير 2011، الأمر الذي جعلها تمارس تصعيدا أقرب إلى الهستيري في التهديد والوعيد وحصار المناطق وإغلاقها والمداهمات الاعتقالات والمحاكمات، وبالطبع الجرائم الإرهابية هي التهم التي تنتظر المعتقلين.
في 10 يوليو 2013 بدأت أولى جلسات "المحكمة الجنائية الرابعة"، وهي المحكمة التي ستكون موضوع حلقاتنا القادمة بالتفصيل، وستتولى إصدار الأحكام في جميع القضايا السياسية التي ستحوّل اليها فيما بعد تحت مسميات الإرهاب.
وفي 13 يوليو، أصدرت وزارة الداخلية بياناً تهديدياً، حذرت فيه من الاستجابة لما أسمته "الدعوات التحريضية التي يتم تداولها عبر بعض الفعاليات السياسية ووسائل التواصل الاجتماعي تحت مسمى "تمرد 14 أغسطس"، وحذّرت مما دعت له بـ"القيام بمسيرات وأنشطة غير قانونية تهدد الأمن والنظام العام وتضر بالسلم الأهلي وحريات ومصالح المواطنين" وفق زعمها.
لم يكف وزارة الداخلية أن يقف تهديدها عند هذا الحد، بل راحت تهدّد بما هو أبعد مما لم تتطرق له دعوات حركة تمرد بالأصل، وذلك من أجل إسباغ (غرض) الإرهاب على الحركة، أضافت: "كما يجب الإشارة إلى أن التحريض على العنف وارتكاب أعمال مخالفة، جريمة قائمة بذاتها (...) كما قرر المشرع في قانون الإرهاب عقوبة الحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات للمحرض حتى ولو لم يترتب على فعله أثر". يوضّح هذا التهديد، الخطة التي انتهجتها أجهزة السلطة في (ترهيب) كل أشكال التحرك الاحتجاجي في البحرين.
وفيما كان واضحاً أنه تصعيد مخطط له يستهدف القضاء على كل أشكال الاحتجاجات في البحرين، عن طريق إطلاق القبضة الأمنية وتغليظ العقوبات، شهد شهرا يوليو وأغسطس حملة مكوكية من التصريحات والزيارات واللقاءات والاجتماعات قادها ونفذها بشكل علني رئيس الوزاء وأتباعه بدعم من الملك.
ففي 20 يوليو، اجتمع وزير الخارجية برئيس مجلس النواب بشأن إعادة نظر السلطة التشريعية في القوانين الموجودة لدعم الاجهزة الامنية فى عملها لمواجهة ما أسماه الطرفان بـ"تصاعد الاعمال الإرهابية مؤخرا"، اتفق الطرفان خلالها أن "هناك بعض القوانين التى قد تحتاج الى اعادة نظر وهناك بعض المواد والمشاريع الموجودة تحتاج فقط الى التفعيل".
وفي 22 يوليو أصدرت وزارة الداخلية ما أسمته بياناً توضيحاً قانونياً بشأن القانون رقم (58) لسنة 2006 بشأن "حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية". ومن الواضح أن استحضار هذا القانون في ذلك الوقت تحديداً، يكشف أن خطة السلطة قد حسمت بإحالة كل قضايا الاحتجاجات إلى إرهاب. قالت وزارة الداخلية في توضيحها: "تأسيساً على أن رجال الأمن يواصلون أداء مهامهم في إطار من القانون، يلزم الإشارة إلى أنه وفق القانون رقم (58) لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية؛ فإن الجريمة الإرهابية هي من الجنايات المنصوص عليها في قانون العقوبات أو أي قانون آخر، إذا كان (الغرض) من ارتكابها إرهابياً".
يتضح هنا، أن (الغرض) الذي تحدثنا عنه بالتفصيل في الحلقة السابقة، هو المنهج الذي ستستخدمه السلطة لتكييف القانون. تكمل الداخلية في بيانها أن هذا التعريف مبني على تعريف محدد للإرهاب، وهو "استخدام للقوة أو التهديد باستخدامها أو أي وسيلة أخرى غير مشروعة تشكل جريمة يعاقب عليها قانوناً، يلجأ إليها الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، بغرض الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة البلاد وأمنها للخطر أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو أمن المجتمع الدولي، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص وبث الرعب بينهم وترويعهم وتعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو الصحة العامة أو الاقتصاد الوطني أو المرافق أو المنشآت أو الممتلكات العامة أو الاستيلاء عليها وعرقلة أدائها لأعمالها، أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم عن ممارسة أعمالها". المادة (1).
ستكون العقوبات تحت هذا القانون مختلفة تماماً عن تلك الأحكام الواردة تحت قانون التجمهر والشغب. ستصل شدّة الأحكام هنا إلى الإعدام والسجن المؤبد.
بعد تهديد وزارة الداخلية، وبيانها المتوعد باستخدام قانون الإرهاب، وإنشاء المحكمة الجنائية الرابعة، والتقاء وزير الخارجية برئيس مجلس النواب بشأن تغيير ما أسموه بـ(القوانين التى قد تحتاج الى إعادة نظر)، كان لا بد من جعل كل ذلك يبدو وكأنه قد انطلق من (إرادة الشعب)، متمثلة في إرادة المؤسسة التشريعية المتمثلة في المجلس الوطني. وهو الدور الذي أنيط بما سُمي بـ(الجلسة الطارئة للمجلس الوطني) في 28 يوليو.
أصدرت الجلسة الطارئة 22 توصية عنوانها الأبرز "مراسيم بقوانين لمواجهة الإرهاب واتخاذ إجراءات مستعجلة للحفاظ على امن الوطن واستقراره"، داعية إلى إسقاط الجنسية عن المتورطين في الإرهاب والمحرضين عليه، كما دعت إلى فرض عقوبات مشددة على كافة جرائم العنف والإرهاب، وتجفيف ما أسمته "كافة منابع الإرهاب" ومنع الاعتصامات والتظاهرات في العاصمة المنامة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ الأمن والسلم الأهلي. كما دعت الجلسة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية ضد بعض الجمعيات السياسية التي تشجع العنف والإرهاب" وفق قولها.
بدوره، نفذ رئيس الوزراء خلال شهر أغسطس 2013 حراكاً مكوكياً عبر سلسلة مكثفة من الزيارات واللقاءات والاجتماعات مع الجهات الرسمية والأهلية. وذلك من أجل تثبيت مسمّى "الإرهابيين" على جميع المعارضين دون استثناء وإفزاع الرأي العام ضدّهم، وتبرير العقويات المشدّدة التي ستصدر (استجابة لتوصيات المجلس الوطني الذي يمثل شعب البحرين)!
ففي 2 اغسطس، زار رئيس الوزراء بيت التجار، مخاطباً إياهم: "افزعوا لتجارتكم واحموها بالوقوف جنباً إلى جنب مع الحكومة في تنفيذها لتوصيات "المجلس الوطني"، "هناك من يسعى من خلال أعمال العنف والإرهاب إلى زعزعة الاستقرار، والإضرار بالاقتصاد الذي لن تتأثر به الحكومة فحسب". وأضاف "ما يحدث في البحرين ليس بمطالب إصلاحية وحياتية، بل استهداف خارجي يُنفذ للأسف بأيادٍ محلية لزعزعة استقرارنا عبر العنف والإرهاب، لكننا مع ذلك لن ننجرَّ للمجابهات والمواجهات، بل (سنشدد العقوبات)، ونطبق القانون كما أراده شعب البحرين".
وفي 6 أغسطس، زار مقر تجمع الوحدة الوطنية، وبالفزاعة نفسها قال: "مثلما فزعتم لوطنكم لمنع اختطافه، أفزعوا اليوم لوقف الإرهاب بالتضامن مع الحكومة في خطواتها لمكافحة الإرهاب و(تشديد العقوبات) لحماية المجتمع من بؤر الإرهاب والمحرضين عليه".
نلاحظ هنا أن الفزعة التي يدعو إليها رئيس الوزراء تتمثل باختصار في تأييد "تشديد العقوبات" المقبلة، وهي محور كل زياراته ولقاءاته التي توالت بشكل مكثف خلال تلك الفترة. بل إنه سيستخدم عبارات تتضمن ما هو أبعد من تشديد العقوبات، سيتحدث عن (اجتثاث)، وهو الأمر الذي بدا واضحاً في توجه السلطة.
ففي 16 أغسطس، زار رئيس الوزراء معسكر الوحدة الخاصة في (سافرة)، وأكّد أن "الحكومة لن تنتظر جماعة تفتقر للإحساس بالمسئولية والخبرة السياسية وذلك على حساب الأمن والسيادة الوطنية، فقد تعلمنا من دروس الماضي ما يكفي وأول الدروس الواجب تطبيقها الآن هو (اجتثاث) كل ما يعوق الاستقرار"
وفي 17 أغسطس، زار ممثلي المجالس الأهلية بمدينة حمد وعدد من النواب الحاليين والسابقين ورجالات المنطقة، وقال: «إن أقصى ما نعانيه في مملكة البحرين هو فكر مريض يستتر خلف الإصلاح لتمرير أجندات خارجية، وحينما تقفلت الأبواب أمامه، اتخذ من الإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافه السقيمة لتفتيت المجتمع، غير مُدرك لتاريخ وطنه وطبيعة شعبه الذي يشهد تاريخه المشرف بمواقفه البطولية في دحض المؤامرات».
الملك الأبعد عن مطالب شعبه وحاجتهم، لم يكن يوماً بعيداً عن تسمية المعارضين بالإرهابيين ودعوته بتشديد العقوبات عليهم واجتثاثهم. ففي 19 أغسطس، استقبل بقصره كل من رئيس الوزراء وولي العهد ووزير الداخلية، وأكد دعمه المطلق: «لا تهاون مع من يحرض على الإرهاب ويسعى لشق الصف الواحد والعمل على ترويع المواطنين، وذلك وفق القانون وانطلاقاً من الإرادة الوطنية لشعب البحرين لنبذ الإرهاب ومن خلال التوصيات التي أقرها المجلس الوطني».
كان ذلك بمثابة اعتماد مطلق لنهج السلطة في ترهيب المعارضين (أي اتهامهم بالإرهاب)، وإطلاق يد وزارة الداخلية في اجتثاث المعارضين والمحتجين، وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء بثقة في اليوم نفسه عندما استقبل مسؤولين وبرلمانيين ومواطنين في مجلس القضيبية، وأكّد لهم: "البحرين ستطوي قريباً صفحة من تاريخها وتبدأ أخرى".
وفي 21 أغسطس، أكد خلال اجتماع أمني ومدني رفيع المستوى: "أهمية تشديد العقوبات على المحرضين على ارتكاب الجرائم الإرهابية وإعادة النظر في تمتعهم بالأهلية الوطنية"، وفيما يفهم منه وجود نية بسحب جنسيات عدد آخر من المعارضين أضاف "لا يستحق شرف الانتماء لهذا الوطن من يحرقه ويدمره بأعمال العنف والإرهاب".
وفي 22 أغسطس، التقى السفير البريطاني، وأكد له أن " الحكومة ماضية دون تردد في تشديد الخناق على الإرهاب ومرتكبيه والمحرضين عليه" وفق قوله.
ما هو قانون الإرهاب البحريني؟ وما مدى دستوريته؟ ولم وصفه تقرير اللجنة الدولية للحقوقيين في الأمم المتحدة، بأنه فضفاض كشباك جر السمك يصطاد أيما يشاء من سمك كبير أم صغير؟
في الحلقة القادمة..
- 2014-09-11القاضي إبراهيم الزايد: الأقصى في العقوبة ضد السياسيين، الأقصى في التبرئة لصالح الجلادين (9)
- 2014-09-09ما قبل حلقة القاضي ابراهيم الزايد: قضاء يُمعن في إهانة المحامين (8)
- 2014-07-21 ملف القضاء في البحرين: القاضي علي بن خليفة الظهراني: الأحمق الحموس (7)
- 2014-07-14ملف القضاء في البحرين، الجنائية الرابعة: على خطى محاكم السلامة الوطنية (6)
- 2014-07-10ملف القضاء في البحرين، المحكمة الجنائية الرابعة: مشنقة المُشرّع (5)