» رأي
إيمان شمس الدين: الاستنزاف حرب صامتة
إيمان شمس الدين - 2011-08-18 - 6:35 ص
إيمان شمس الدين*
في تاريخنا العربي الذي صال وجال في حروب أغلبها مهتوكة الحجاب وفاسدة السلاح وأنظمتنا متواطئة فيها مع العدو من خلف طاولة المقاومين والثوار، سمعنا عن حروب استنزاف كانت أدواتها حربية بامتياز استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة، فكانت استنزاف لحياة الإنسان وكرامته وللمال وما حققه من أهداف لا يرتقي إلى مستوى التضحيات.
واليوم تكشف لنا ثورة البحرين عن استنزاف من نوع آخر، صاغته بيئة الثورة ورسمته يد الأحداث وفرض أدواته تواطؤ العالم بقضه وقضيضه على شعب أعزل تهمته الوحيدة أنه طالب بإصلاحات سياسية تحول البحرين إلى دولة مدنية في وسط خليجي اتسم تاريخيا بتحالف القبيلة مع السلطة لشراء الولاءات، فقامت أنظمة رعوية تحولت فيها الشعوب من شعوب منتجة وواعية إلى شعوب همها كم ستدفع الدولة منحة لتحسن بها معيشتها، رغم أن وظيفة الدولة أن تقدم الخدمات لتحسن معيشة المواطن وتنهض به ليصبح أداتها وذراعها في التنمية والتطوير.
فأوجدت هذه الظروف تصاعدا مرحليا في طرق المطالبة، يتناسب وكل مرحلة ومعطيات الحدث حتى بتنا اليوم نلحظ أن المطالبات رغم سلميتها إلا أنها تحولت إلى استنزاف صامت، وما أعنيه بذلك هو أنها مطالبات سلمية بفاعلية حربية صامته لا يستخدم فيها السلاح وإنما وقودها الناس الذين يتحركون في كل قرية على حدة وفق فعاليات يومية تستنزف قوة الجيش والأمن بطريقة تدريجية، سلاحها الشعارات والتجمعات والأعلام والإصرار على المواصلة رغم كل أنواع التعذيب والترهيب.
فسلاح الثائرين السلميين اليوم هو استنزاف صامت يستمد قوته ورصاصه من إصرار الشعب على المطالب وعدم التراجع أو القبول بأنصاف الحلول .
ورغم عدم تكافؤ طرفي المواجهة من حيث القوة والعتاد والعدد، إلا أن الملفت للنظر هو قدرة الثائرين على إنهاك الطرف المقابل بطرق سلمية.
اليوم يقف النظام البحريني أمام معادلة صعبة هي إصرار الشعب على تحقيق كافة المطالب رغم كل التعسف الذي مورس ضده، واستخدام كل الأوراق المحتملة لإركاعه، إلا أنه لم ولن يركع، ومواصلة الشعب رغم أنه مثقل بالجراح والحزن في حراكه وفعالياته ومصر على سلمية أدواته، بل ارتقائه إلى مستوى مارس فيه كل مقومات المواطنة الصالحة التي هي مطلب رئيس في قيام الدولة المدنية.
ولكن النقطة المهمة التي يجب أن يلتفت إليها الثوار هي الحفاظ على سلمية الحراك المطلبي، لأن ما تقوم به السلطة من تسليح لموالين، لهو مؤشر واضح على احتمال وجود نية في استدراج الثوار إلى مواجهة مسلحة، لتحول المسار من السلمية إلى مواجهات عسكرية تكون فيها ذريعتها أكبر في كسب إجماع دولي على مواجهة الثوار بشكل عسكري واضح وعنيف للانقضاض على الثورة ومنعها من المضي قدما نحو إجبار السلطة على تحقيق المطالب، خاصة أنها وصلت لمرحلة حرجة من المواجهة فشلت فيها كل الوسائل لوقف زحف المعارضة نحو تحقيق المطالب وإثباط عزيمتها في ذلك، فباتت تبحث حاليا عن مخرج يبقيها في موقعيتها التي تريد، دون أن تحقق المطالبات التي من شأنها أن تحرج جيرانها.
والمطلوب من المعارضة وخاصة الشباب أن لا ينجروا لأي محاولة للمواجهة المسلحة مهما كانت التضحيات، فما قدمته الجماهير إلى الآن من تضحيات عظيمة لأجل الحفاظ على سلمية الحراك يستحق التضحية أكثر والصبر والثبات على مبدأ السلمية حتى تتحقق كافة المطالب، وأي تصرف غير مدروس تحت انفعال أو رد فعل يحول السلمية إلى مواجهة عسكرية سيكون ذلك تضحية بكل دماء الشهداء وبعذابات المسجونين وبكاء الثكالى.
فإما أن يخضع النظام للمطالبات رغم كل ما يمارس عليه من ضغوط من دول مجاورة تخشى من التحول الديموقراطي في البحرين على وجودها واستمراريتها ككينونة حاكمة، أو أن تستمر حرب الاستنزاف الصامته بأدواتها السلمية حتى يتحول كل شعب البحرين إلى معارضة ويبقى الحاكم بلا محكومين، لأن واقع الحاكمية لا يمكن أن تقوم له قائمة دون قبول الطرفين أي الشعب والسلطة.
Chamseddin72@gmail.com
*كاتبة كويتية