» رأي
نادر المتروك: هل سيقلب بسيوني الطاولة؟
نادر المتروك - 2011-08-15 - 2:51 م
نادر المتروك*
تبدو الصّورة الآن أكثر إرباكاً، ولكنها أكثر وضوحاً في الوقت نفسه! سياسيون وقانونيون، وشخصيات لها قُربها من التأثير السياسي المعارض، وبعض المجموعات المطّلعة بأدق تفاصيل الواقع الميداني؛ يتبنون وجهة نظر تقول بأن لجنة بسيوني سوف تقلب الطاولة على السلطة، ومن غير أن تتوقع الأخيرة.
تستند هذه النظرة على جملة من المعطيات، فالسيد بسيوني صاحب خبرة دولية، وهو تحت أنظار كبار المسؤوليين في المفوضية الدولية لحقوق الإنسان، كما أنه على دراية بطبيعة الظروف المحيطة بالجهاز الحاكم، ويُدرك رغبة المسؤوليين في الخروج من الأثقال المؤلمة للأحداث الاحتجاجية المستمرة حتّى الساعة. إضافة إلى ذلك، فإن الاختبار الذي ارتضى به السيد بسيوني ورفاقه لا يمكن أن يتم في الظلام، وهم يعلمون تماما أن العالم كله سيشهد ما تفعله اللجنة وما تقرّه في النهاية، وهم سيكونون محاطين بكل الوثائقيات والتغطيات والمعالجات غير المحدودة التي سجّلت رأيها المتعاطف وأدلتها المساندة لحركة الاحتجاج المدني، ومطالبها الديمقراطية، كما عبّرت عن توصيفات واضحة للسياسية الأمنية المتبعة ضدها.
باختصار، يقول أصحاب هذا الرأي، أن بسيوني ورفاقه ليسوا سذجا أو حديثي عهد بطبيعة المهمة الموكلة إليهم، كما أنهم ليسوا قليلي العقل والحساب لكي يضيعوا تاريخهم مقابل أرصدة بنكية مغرية في جنيف.
في المقابل، تؤكد التصريحات المتتالية لبسيوني بأنه ليس الرجل الأسطورة. منذ البدء، قبِل السيد بسيوني أن يكون مُنقذا للنظام حينما وافق على رئاسة لجنة ملكية، تكون بديلا عن اللجنة الأممية التي كان مُقرّرا إرسالها لتقصّي الحقائق. وهذا كان – في العمق – الإجراء السياسي الأوّل لبسيوني. وعندما بدأ العمل، اختار بسيوني العمل بكلام، لا بصمت. بدا بسيوني في بعض الأحيان ثرثاراً، وهو طبع غريب، ولا يتناسب مع الهالة القضائية التي قُدِّم بها. كثرة الكلام أوقعه في التناقضات من جهة، ودفعه لإعلان مواقف قطْعية من جهة أخرى. وهذا هو الإجراء السياسي الثاني.
من الواضح أنّ الشّغل الشاغل في لا وعي بسيوني هو حماية المسؤوليين الكبار. من هنا إصراره على نفي منهجية التعذيب الواقع، وعدم وجود سياسة دالة على جرائم ضد الإنسانية. وفق هذا المنظور، لا يمثّل كم الجرائم أو نوعها معيارا منهجيا، بل وجود أمر مكتوب ومُعلن. وهذه الرؤية المعتمدة يمكنها أن تبرّيء كلّ الأنظمة من جرائمها، لأنّ التنظيم الإداري والأوامر الداخلية الحديثة لا يُعقل أن تنصّ أو تأمر بارتكاب سياسات تُورّط أصحابها في الملاحقات القانونية. ومن البيّن، أن اعتماد السيد بسيوني هذا الإطار المنهجي يمثّل إجراء سياسيا ثالثا كونه الأنسب لمقاس النظام.
الأزمة السياسية القائمة التي أراد بسيوني ألا ينجرّ في دهاليزها، وجد نفسه متطايرا بين إرباكاتها وضغوطها وعجائبها.
لا يمثّل كل هذا الكلام تشكيكا في السيد بسيوني. وطبعا، من الخطأ الإحجام عن التوثيق عند لجنته وتقديم الأدّلة المتوافرة على الانتهاكات. كلّ ما هو هنالك، هو أنّ بسيوني وقع ضحية الجهل بخصوصية الشأن البحريني، كما فصّل الدكتور عبدالهادي خلف(1). والشأن البحريني المقصود به أمران: النظام الذي كوّن تجربة ثرية في إحاطة نفسه بالحمايات الداخلية والخارجية. والشعب الذي تدرّب على امتصاص ضربات الداخل والخارج.
من ناحية أخرى، فإنّ سيرورة التوثيق الأهلي يمكن أن يقلب الطاولة، لا بسيوني ولجنته. فالأخير لن يُحرّك تقريره في الهواء، بل بناء على حركة التوثيق وتفاصيلها المنظمة. وهذا يفترض أخذ الجدية والمهنية الكافية في إدارة عملية التوثيق خاصة مع وجود سياسة واضحة من الموالين في إغراق لجنة بسيوني بقصص غير حقيقية أو بتوثيقات يُراد لها أن تضيع على اللجنة التقاط المنهجية التي يبحثون عنها في ارتكاب الانتهاكات.
من المؤكد أن السيد بسيوني لن يبقى عمره كلّه في البحرين. لكنه لن ينسى البحرين أبدا حينما يغادرها فور انتهائه من عمله "شبه الرسمي" أواخر أكتوبر المقبل.
*كاتب بحريني
- مقالا دكتور هادي خلف: ورطة بسيوني