» رأي
طائفيو الموالاة ضد الديمقراطية في البحرين وسوريا
عباس المرشد - 2011-08-14 - 10:16 ص
عباس المرشد*
فجأة يتحول مناهضو الديمقراطية لدعاة لها، وفجأة يستفيق قادة أهل الفاتح ومجموعات البلطيجة التابعة لهم، أن هناك ربيعا عربيا يطالب بالديمقراطية. المشهد الذي يحاول هؤلاء أن يظهروا به، هو أنهم ضد القتل وضد ارتكارب الجرائم ضد المدنيين، وهم جزء من هذه السياسة في بلدهم الذي لا يقل دكتاتورية عن بقية الدكتاتوريات التي يعصف بها الربيع العربي. فخلافا للكثيرين من أهل السنة في البلدان العربية لا يشعر غالبية أهل السنة في البحرين بأنهم معنيون بإجراء تحول ديمقراطي في بلادهم.
ورغم ما يمكن إثباته من وجود قطاع ربما يكبر أو يصغر من الطائفة السنية في البحرين يؤيد انتقال نظام الحكم لملكية دستورية في أقصى التأملات، إلا أن الغالب على خطاب قادة أهل السنة أنهم ضد التحول الديمقراطي الذي تطالب به قوى التغيير الديمقراطي. فالغالب في خطاب القيادات السنية (إسلامية وليبرالية) هو معاضدة النظام السياسي القائم وتدعيمه جماهيريا، وبالتالي فإنه من السهل الاكتشاف بأن الموقف الذي عليه قيادات أهل السنة في البحرين، هو موقف معادٍ للديمقراطية أو أنهم يقومون بدور الثورة المضادة والكابحة للانتقال الديمقراطي المتدرج.
توالي الأحداث وتصاعدها منذ 14 فبراير وبالأخص بعد 13 مارس يظهر أن الدور السني السياسي كان مثبطا بل كان سببا رئيسيا في انكشاف ظهر قوى المعارضة وجعلها تواجه مصير الاستفراد الطائفي. فبعد تدخل قوات درع الجزيرة وتحريك وحدات الجيش البحريني تحت عنوان " هدم البؤر" برزت ممارسات عدائية اتجاه قوى المعارضة أقل ما يمكن القول عنها أنها استئطال سياسي/ طائفي، والملفت في الأمر أن كثيرا من أفراد الطائفة السنية قد انخرطوا في هذا المشروع عبر قيامهم بدور مخبرين غير مجندين أو استخدام الكيدية من أجل حسم خلافات في العمل أو مجرد الانتقام أو رغبة في تقلد رتب وظائفية. وهكذا تحول عدد كبير من الطائفة السنية من أفراد وطائفة مذهبية تعتنق المذهب السني إلى فئة بلطجية غير رسمية تقوم بدور المحرض والمدلل على شخوص المعارضة وجماهيريها، وهذا ما يمكن تسميته بالانتفاضة ضد الديمقراطية.
مثل هذه القيادات التي حولت الكثير من أفراد الطائفة السنية من مواطنين إلى أفراد مجندين لخدمة النظام تحت يافطة الدفاع عن مكتسبات أهل السنة في البحرين. وبالخطاب الطائفي نفسه تحاول الآن لبس عباءة الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان ولكن في بلد غير بلدها، وهو سوريا.
على ضوء ما تقدم يمكن فهم التحرك السعودي والخليجي اتجاه الثورة السورية، فالمراد هو تحويل الثورة السورية الديمقراطية لثورة طائفية. فلم يتحرك الضمير السعودي والخليجي الا بعد أربعة شهور من اندلاعها! فجأة، صار يرى أن هناك نزيف دماء في سوريا، وأن الذي يقف من وراء هذا النزيف هو الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد. ما يحدث في سوريا لا يخلو من أطراف سلفية وتحمل روحا عدائية لكل ما هو شيعي وهذا واقع لا يمكن إنكاره في أي حال من الأحوال إلا أنه لا يجب حجب مطالبات الشعب السوري بالحرية وبالديمقراطية لوجود مثل هذه الجماعات الطائفية على المشهد الإعلامي.
لقد تراخت المعارضة البحرينية في إظهار موقفها من المطالبة الديمقراطية في سوريا بما أفسح المجال لجماعات بلطجية كالتالي باشرت الهجوم على جامعة البحرين وبقيادة أقطاب تجمع الفاتح لأن يتصدروا الموقف السياسي والإعلامي، وكان حريا بالمعارضة البحرينية أن تظهر موقفها كما أظهرته في ثورتي تونس ومصر واليمن. ربما كان الوضع حساسا لوجود مرتزقة من مناطق البوكمال أو دير الزرو ضمن قوات القمع في البحرين، بيد أن هؤلاء أيضا هم من يقومون بقتل الشعب السوري أيضا.
وقد يزيد الوضع تعقيدا ما تبثه قناة (بردى) يوميا بعرض مقابلة مع عادل المعاودة وكأن هناك تحالفا بين تلك القوى وبين سلفية البحرين وأن الجامع بينهما هو البعد الطائفي. ونسى المعادواة، أو لجأ للكذب كالعادة، أن الذي مارس القتل وتخريب المساجد وتهديمها وتعذيب الناس وإرهابهم ومعاقبتهم جماعيا هو النظام القائم بمعاونة منه ومن قادة أهل الفاتح. هكذا هي الصورة التي يحاول أن يظهر بها مناهضو الديمقراطية، فتحجب في بلاد وتدعم في أخرى لا لشيء سوى تذكير الناس بالطائفية ودمجها في حياتهم اليومية.
إن أي عاقل ومدافع عن حقوق الإنسان وعن الديمقراطية لن يرضى أبدا بما يحدث في سوريا من قمع. لقد كانت الطائفية هي السلاح الأقوى الذي عمد إليه النظام في البحرين لمواجهة الثورة الديمقراطية فيها منذ إنطلاق شرارتها في 14 فبراير، وبفعل عوامل عديدة استطاع النظام أن يفعل هذا السلاح بصورة دقيقة جدا. فبعد يوم الخميس الدامي 17 فبراير صرح وزير الخارجية في مؤتمر صحفي حضره وزاء خارجية دول مجلس التعاون أن ما تشهده البحرين من أحداث هي أحداث طائفية واستمر الإعلام الرسمي وقادة تجمع الفاتح يروجان لهذه المقولة التي زادها زخما ومعقولية تصريح الشيخ القرضاوي عن ما يحدث في البحرين بأنه تحرك طائفي يقوده الشيعة ضد أهل السنة.
إن ما حدث في البحرين هو تحرك شعبي مطالب بالديمقراطية وضد النخبة المتخمة بالفساد وضد المنتفعين بذاك الفساد سواء من أهل السنة أو الشيعة، وإن ما يحدث في سوريا هو ليس له علاقة بالطائفة العلوية أو السنية، وهذا ما يسقط ورقة التوت التي تستر قادة الفاتح وأن عباءة الديمقراطية أكبر من أجسادهم.