» رأي
الجزيرة الصغيرة والزوبعة الكبيرة: من السياسة العامة إلى سياسة أبناء العمومة
هدير البدر - 2011-08-14 - 5:10 م
هدير البدر*
منذ الرابع عشر من فبراير اهتزت منطقة صغيرة جدا وسط الرقعة الجغرافية الواسعة الممتدة أمام الخليج العربي، تأملنا أن يكون ذلك الاهتزاز لوهلة فقط ونتدارك ذلك الأمر سريعا. لكن التحول الدرامي في الأحداث أخذ منحنى آخر. غابت معه شعارات الديمقراطية وحق الشعب في تقرير صيره، وحق الناخب في اختيار نائبه.
أليست كل هذه شعاراتكم التي تطبعونها على لافتاتكم الانتخابية في كل مرة تأتي دورة برلمانية جديدة وعلينا أن نقف في الطوابير لنضع بصمتنا في بناء أوطاننا ! كل ذلك الكلام الإنشائي الجميل سطرته لثوانٍ فقط لكن استمر ذلك الألم في كل يوم وساعة ولحظة وثانية تاركا أثرا عميقا في جسد الشعب البحريني.
فنحن نتشابه حسب التركيبة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حسب كتبنا المدرسية التي تتلو علينا آيات الولاء صعودا ونزولا قياما وقعودا، لذلك تحرك الكويتيون لنصرة الشعب البحريني في محنته وخرج للتظاهر منددا بالقتل الوحشي الذي لاقاه من قبل قوات درع الجزيرة التي رفضت عدة دول منه الانضمام إلى هذه العمليات المخزية ودس يدها في دماء أبناء ذلك الشعب، منها الكويت وقطر وعمان، وهنا أقف أمام سياسة دولة الكويت التي تغيرت سياستها العامة التي اتبعتها دائما وخرجت عن إطار الحياد، فخرجت من السياسة العامة إلى سياسة أبناء العمومة ! رغم إنها تراجعت عن إرسال قوات برية لأن السلاح الكويتي لايمكن أن يتورط في قتل المواطن البحريني، إلا أنها أرسلت قوات بحرية فقط لمراقبة المياه الأقليمية ضد أي محاولات للاعتداء على مملكة البحرين حسب الاتفاقيات القائمة بين دول مجلس التعاون في تشكيل الدرع لصد عدوان خارجي فقط لا الاشتباك ضد أي حراك شعبي .
وهذه كانت بداية سقوط العديد من النماذج التي تدعي الوطنية والانتماء لخليجنا العربي الذي تحول بمؤامرة منا إلى خليج دموي نلقي به سيول دماء الشعوب، ونخرس كل بوق نفخ من صدر الحق منذ بزوغ فجر ذلك الحراك الشعبي الذي كان انفجارا ممتدا منذ السبيعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى وقت توقيع الميثاق القائم بين الملك والشعب آنذاك!
حين خرجت القافلة الطبية بأمر من سمو الأمير، وقف أمام تلك المبادرة عددا من نواب الأمة وهددوا بتقديم استجوابات تطال رئيس مجلس الوزراء، رغم إن كل تلك المساعدات كانت إنسانية وليست عسكرية، وفي المقابل قام أولئك النواب بالتصعيد والتهديد باستجواب رئيس مجلس الوزراء إن لم يقم بدعم السلطة البحرينية عن طريق إرسال قوات عسكرية لقمع الشعب! هذا الموقف المخزي للنواب الإسلاميين المزدوجين بكل المقاييس الإنسانية والسياسية منها، يدفعني كمواطنة للتساؤل عن مستقبل الكويت المظلم في ظل هذه السياسة الهوائية المتغيرة والتي تتبع أهواء طائفية وعنصرية بغيضة وواضحة كوضوح شمس ظهر هذا البلد ! ولست أستند على هؤلاء في كلامي، فبعد أن تكالب الرأي العام الكويتي واتجه منحدرا نحو الهاوية، فبات يتسلق على أكتاف الثورات الأخرى، لإنقاذ ما تبقى من سمعته عن طريق تحشيد الآراء نحو الطائفية وإخفاء وتغييب الثورة البحرينية في صفحات صحفنا اليومية، بل وكان هناك انحراف في النقل للواقع، ولم تذكر أخبارا معنونة عن دخول قوات درع الجزيرة وكيف قامت بقمع الشعب البحريني في الدوار. ولم نر صورا لجثث الشهداء ولا حتى الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في مستشفى السلمانية الذي أصبح مكانا لاعتقال المتظاهرين وتعذيبهم واستجوابهم ، بل إن بعض الصحف أصبحت تتقيأ كذبا في كذب مطلقة تهما زائفة تتماشى مع ما يملي عليها الإعلام الرسمي لمملكة البحرين الذي هو بدوره كان معدما ومفلسا ومتطرفا في نقله للصورة الحقيقية مساندا الحل العسكري الهمجي ضد المواطنين مقلبا ومؤلبا الرأي العام الخليجي الذي كان له الدور الأكبر للأسف لاضطهاد الشعب وعزله عزلة تامة وتضييق الخناق عليه برا وبحرا وجوا، فلم يستطع البحريني أن يغادر عن طريق أي وسيلة كانت وعليه أن يواجه بعد فصله من عمله وجامعته إما الاعتقال، أو التعذيب، أو الجوع، أو الاختناق بغازات سامة تعود صناعتها لبلدها الأم الولايات المتحدة الأمريكية !
ولم يكتف النواب الإسلاميون من الكيل بمكيالين في حق الشعب البحريني بل حاولوا إخراس أي صوت وأي جهة تدعم هذه الثورة المسالمة، فطالبوا وزارة الداخلية بإيقاف كل الفعاليات التي تنظمها عدد من الجهات المتطوعة منها والجمعيات الخيرية وحتى الكتاب أو المغردين ومرتادي المواقع الاجتماعية في الشبكة العنكبوتية. ولا يخفى على الجميع حين تدخل أحد النواب الإسلاميين شخصيا لاعتقال المغرد الكويتي (ناصر أبل) على خلفية وقوفه ضد النظام في البحرين ومساندته للشعب، كما إنه عمل على فضح الحقائق التي أبى أن يقوم بذلك الدور أي صحفي كويتي حر وأي صحيفة كويتية تظن بأنها تعمل بمهنية وتحترم شرف المهنة ! ومازال قابعا في السجن دون تهمة يستندون إليها في إدانته.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد وهنا تأتي المفارقة الحقيقية لتبيان معادن الناس وجوهرهم، فشاء الله أن يقلب الأرض من تحت عدة بقع من بقاع العالم، فكان لليمن موعد وتليها سوريا! وكأننا قد ضغطنا على جرح يؤلمه فعلا، فانتفاضة أولئك النواب الذين هم ذاتهم هاجموا الشعب البحريني بحجة طاعة ولي الأمر والخضوع والخنوع لرأيه واستنادا إلى علماء يتبعون دين المخبة (أي الجيب الصغير في ملابسنا) جعلتهم يدوسون على ولي الأمر بأقدامهم ويقفزون فوق حواجز القانون التي وضعوها أمامنا مسبقا حين كان الأمر يخص الشأن البحريني بل أخذوا الشارع مكانا لهم وأمام السفارة السورية ! وهددوا مجددا لكن لاحظ معي، هددوا مجددا إن لم تقف الكويت ضد النظام السوري وتقوم بسحب وطرد سفيرها وترسل مساعدات إنسانية عاجلة للشعب السوري ! وكأن الشعب السوري بشر والشعب البحريني دمى ! وكأن للشعب السوري حقا للحياة والشعب البحريني يستحق الموت ! فسلاح السوري حلال .. وزهرة البحريني حرام ! فدعني أذكرك عزيزي القارئ بأن ثورة البحرين كانت خالية من الأسلحة حتى البيضاء منها وكان الشعب يحمل الورود وسميت تيمنا بذلك بثورة الورود.
أقف أمام تلك المفارقات والإزدواجية وتعتليني ابتسامة صفراء ساخرة فعلا ، فكل الكذب الذي فرغ من معدتكم الخاوية كعقلكم استفرغه القدر فيكم أمام سوريا، فكأن الله أتى بميزانه ليرينا كيف للحق أن يكون حقا وإن حقروه وكيف للباطل أن يكون باطلا وإن عظموه .
والآن ونحن ننتظر العديد من النكت السمجة لتتحقق على أرض الواقع وهي انضمام الأردن إلى دول مجلس التعاون بعد عيد الفطر السعيد والذي هو الآخر بت أشك في سعادته. مع العلم والتذكير بأن الدرك الأردني يقبع على الأراضي البحرينية منذ بدء الثورة. يدفعني بتذكر سبب دعوة نوابنا إلى ضم دولة الكويت إلى المملكة العربية السعودية وجعل عاصمتنا مكة ! وتجاهل سيادتها تماما ومن بعدها ترحيبهم بالكونفدرالية الخليجية في ظل أزمة البحرين مما يجعل النموذج البحريني قابل للنسخ فيما يخص تعامل السلطة مع الشعب ! كل هذه الهلاوس التي أثارت مخيلة الأنظمة في الخليج كان سببها بقعة صغيرة .. لكن يمكن رؤيتها بالعين المجردة .. تلك البقعة التي نزفت حتى لحظة كتابتي لهذا المقال الكثير من الدم والهم والألم .
* كاتبة كويتية