المصوّر حسين حبيل «ستراوي».. قبل السجن لم يتعلّق قلبه بغير الصورة، وفي السجن علق المرض بقلبه
2014-05-26 - 1:41 ص
مرآة البحرين (خاص): حين كتبت والدته عبر حسابها بالانستغرام "اليوم بدأ ابني حياته الباقية إلى كرامة باقية"، لم تكن تدرك أن الكرامة في البحرين تعني طابوراً طويلاً من المعاناة، لم تكن تعرف أن الكرامة في هذه البقعة من العالم تعني أن تضع كل حياتك بتفاصيلها واستمراريتها أمام قائمة لا تنتهي من الاحتمالات، الكرامة التي يدفع لأجلها البعض كل شيء ولا يجدون أمام ذلك وجوداً أو اعترافاً بها.
لم يكن حسين حبيل أو كما يعرفه البحرينيون "ستراوي" يعاني من أية أمراض تُذكر حين ألقت السلطة القبض عليه ملصقةً به قضية محاولة تغيير نظام الحكم المعروفة بقضية (تمرد البحرين)، سقط فجأة أثناء تواجده في سجن الحوض الجاف، نُقل لأكثر من سبع مرات إلى مجمع السلمانية الطبي، أُصيب في آخرها بتشجنات نتيجة عدم قدرته على التنفس، مكث في المستشفى لخمسة أيام قبل أن يُعاد للسجن مجدداً، يقول والده:"أخبرنا الطبيب حينها أن ابني يعاني من عدم انتظام نبضات قلبه ومشكلة تتعلق بكهرباء القلب، كان الأمر صادماً لنا، فابني لم يعاني قبل ذلك من أية مشكلات صحية، فكيف تكون أولى مشكلاته مرض بهذه الحساسية والخطورة؟".
لم تكن تلك أسوأ أوقات حبيل، ففي سجن الحوض الجاف كان يعلم يقيناً أنه حين يفقد وعيه هناك من يُسارع لنقله للمستشفى، كانت عائلته تدرك على أقل تقدير أن حياته مهمة، خوفاً أو اهتمام لا يهم، لكن هناك من سيقوم بهذا الأمر، بينما حياته أصبحت مهددة بعد الحكم عليه بالسجن خمس سنوات ما أوجب نقله لسجن جو المركزي، من قام بنقل حسين ترك ملفه الصحي هناك، لتبدأ المعاناة والقلق من مصير يشوبه الغموض لمريض قلب بحاجة لمراجعة وعناية مستمرة لا تحتمل المماطلة.
ليست حالة حبيل هي الأولى فجميع سجناء جو بلا استثناء يعانون إهمالاً متعمداً في جانب الرعاية الصحية، يقول والده:"حُكم على ابني بالسجن في تاريخ 28 أبريل ونُقل منذ ذلك الوقت إلى سجن جو دون أن يُنقل ملفه، وفي اتصال للسجن طُلب مني الذهاب شخصياً إلى سجن الحوض الجاف لأطلب منهم تحويل ملف حسين إلى سجن جو، فيما من المفترض أن تكون تلك عملية روتينية لا تستوجب تدخلي، كما طالب ابني بالملف بناءً على نصيحة أحد المرافقين له للمستشفى ومنذ ذلك الوقت لم يتم تحويل الملف ومواعيده للمستشفى قريبة وهو بحاجة ماسة للمتابعة كي لا تتدهور صحته".
في رسالةٍ كتبها الوالد لسجن جو، طلب فيها إحضار ملف ابنه موضحاً أن له أدوية يجب أن تُصرف، ومواعيد في مستشفى السلمانية والعسكري في قسم علاج القلب، وأن حالته لا تحتمل التأجيل والإهمال. توجه الأب إلى سجن جو طالباً مقابلة أي مسؤول إلا أنه مُنع، وتم استلام رسالته عند البوابة دون أن يتلقى منذ ذلك الوقت أي رد أو تجاوب مع مطلبه.
يكبر أولادنا ونحن نحيطهم بالرعاية، نخشى أن يتخطفهم همٌ أو ألم، فكيف يتعايش والدان مع شبح الموت الذي يراود أفكارهما ليل ونهار، ابن يعاني ولا يمكن لهما أن يضعا حداً لمعاناته، لا قدرة لهما على إجبار جهة من المفترض أن تكون أمينة على من فقدوا حق رعاية أنفسهم بقوة القانون الذي أصبح منفذاً لعقوبات جماعية تطال المعتقلين وعوائلهم.
والده الذي بدا شديد الحسرة على اجبنه يقول: "المسافة بين سجن الحوض الجاف وسجن جو لا تستغرق أكثر من ساعة واحدة ذهابا وإيابا ﻷن البحرين بلد صغير فلم هذا التأخير؟ أم انه إهمال متعمد لصحة السجين يصبح معه السجن انتقاماً لا إصلاحاً، إني أُحمل وزارة الداخلية نتائج هذا الإهمال المتعمد لصحة ابني".
كل حين تدخل والدته غرفته، تردد بألم"كل التفاصيل حاضرة، وحدك أنت غائب"، تحضر شهاداته، كؤوسه، ميداليات الفوز، سجادته، ومصحفه الذي علم بسورة من سور القران ولعلها يوسف، يحضر كل ذلك باهتاً دونه، لا قيمة له في غياب حسين، الإبن الأوسط، القريب للقلوب، تقول:"كنا نتوقع تخرجه هذا العام، ولم نظن لحظةً أن الأحلام تُسرق أيضاً في هذا البلد، لقد كان في سنته الأخيرة، يتأهب ليكون مهندساً مدنياً، لا أن يكون في السجن"
حسين حبيل شابٌ في الثانية والعشرين من عمره، شخصية سلمية، يحمل أفكاراً تتناسب وشخصيته الهادئة، يعشق التصوير وخصوصا المناظر الطبيعية ولقطات الدعاء. كثير على شخص مثله أن يتحمل كل القسوة والعنف الذي مر به أثناء التحقيق، تعرض إلى الضرب الشديد، والإيقاف على قدميه، وحرمانه من النوم، كما أُدخل لما تُعرف بالثلاجة، الغرفة شديدة البرودة، إضافة إلى التعذيب النفسي. هدده المعذّب (فواز الصميم) بإحضار والديه، وتعذيبهما كما فعل بذوي معتقل آخر، يقوم المعذّب بفتح موقع «مرآة البحرين» ويطلعه على الحكاية المنشورة لذلك المعتقل، مؤكداً أنه ترقى بسبب ما فعله فيه، وقد نقل حسين حبيل وجاسم ذلك للقاضي لكن دون جدوى.
اليوم الأحد 25 يونيو 2014، لدى حسين موعد مراجعة لقلبه في المستشفى العسكري، لم نتمكن بعد من معرفة ما إذا تم أخذه من قبل إدارة السجن إلى هناك أم لا، وما إذا وكانت وزارة الداخلية ستفي بأقل التزاماتها تجاه نزلاء سجونها، أم أنها تتمادى أكثر فيما يمكن تسميته بالفجور في الخصومة السياسية.