لو أني تعلمت (الجيتار)
عادل مرزوق - 2011-08-12 - 8:26 ص
عادل مرزوق*
لو أني تعلمت العزف على "الجيتار" بجدية في محاولاتي المترددة، لما أصبحت اليوم بلا مأوى، فالعديدون هنا في مختلف المدن البريطانية يتخذون زوايا الطرقات ومداخل محطات القطارات فضاء إبداعياً وتجارياً في صورة ما، ليعزفوا بآلاتهم الموسيقية طمعاً في بعض النقود التي قد تؤمّن لهم سكن ليلتهم المجهولة وطعامها.
ليست هذه المقالة محاولة لاستعطاف أحد، فأنا ومن معي من الصحافيين وباقي اللاجئين السياسيين والأطباء والنخب والناس المطاردين في بريطانيا وباقي الدول الأوربية ندفع
ثمن خيارنا عن طيب خاطر ومساعدات أهالينا تكفينا الحاجة لأحد، بل نحن مقتنعون أن ما ندفعه من كلفة لا يساوي في حقيقته ما عاناه أبناء هذا الشعب ولا يقارب أدمع أمهات الشهداء، إذ تتقطع قلوبهم وقلوب آبائهم وأهاليهم عند كل وجبة إفطار يتناولونها في هذا الشهر تحديداً، البعض منهم ما يزال يصر على أن يخصص على مائدة الإفطار مكاناً لأولئك الكرام الراحلين.
على الأرض، أوضاع اللاجئين في العواصم العربية والعالمية تتشابه، بعضهم بلا مأوى والبعض الآخر يعاني من صعوبة إجراءات اللجوء، والبعض يعاني حرقة البعد عن الوطن والأحبة، في مشاهد لا تقل مأساوية عما يعانيه البحرينيون في الداخل. التفاصيل محزنة ومؤلمة، لكنها تفاصيل لا أستطيع سردها لأسباب لا تغيب عن ذهن الحصيف.
المشاهد كانت متوقعة في لندن وباقي المدن البريطانية وواشنطن ونيوزيلندا وغيرها، فاللجوء السياسي ليس سفراً للسياحة أو التنزه. كل التفاصيل وساعات الحزن والوجع بدأت منذ بداية أول رحلة لأول نازح عن وطنه وعائلته. وحتى الساعة، لم يرَ أحد منا السفراء الإيرانيين او الأمريكيين - أو أي موفدين عنهم - ليقدموا لنا يد المساعدة بالمال والأجهزة والتسهيلات، طبقاً لما تخرج به الروايات الرسمية في الدولة كل يوم!.
كلما طرق أحدهم الباب نعلن بدء توقيت الفكاهة والرهانات على أن الطارق هو موفد عن السفير الإيراني او الأمريكي أو الحرس الثوري الإيراني أو المخابرات الأمريكية، على اعتبار أنه من المفترض أن يأتي أحدهم ليقدم لنا الآلاف من الدولارات السياسية!، نفتح سوق الرهان على إحدى علب السجائر التي غالباً ما نشتريها بالمشاركة نظراً لغلاء ثمنها (تبلغ كلفة العلبة الواحدة 4 دنانير!).
بالطبع، الطارق غالباً هو رجل البريد الذي لطالما كان يحمل أنباء السوء لتعلمنا رسائله بالمزيد من التعقيدات في إجراءات اللجوء أو مواعيد إضافية مع المحامين والسلطات الرسمية. وتبقى مخصصات اللجوء – ما يعادل 3 دنانير يومياً – هي مصدر التمويل الوحيد بالإضافة لمساعدات أهالينا الشخصية. وبالمناسبة فإن الباوندات الخمسة (3 دنانير) تتوقف بعد الموافقة على اللجوء، لتصبح القاعدة المتبعة "أعطيناك الإقامة وحق البقاء، اخرج من المنزل وتدبر أمورك".
لا ننكر أن نوبة من الضحك تجتاحنا كلما قرأنا في وسائل الإعلام الرسمية والصحف عن تمويل الحرس الثوري الإيراني والمخابرات الأمريكية والإيرانية لنا في الخارج. ننظر لأوضاعنا فنضحك مجدداً ونحاول تفتيش أمتعة بعضنا البعض - من باب الفكاهة - بحثاً عن أدلة التمويل. لكنها نوبة ضحك تنتهي بحزن شديد على ما نعانيه ويعانيه جميع اللاجئين في شتى العواصم، ونسأل بعضنا البعض بجدية وحزن هذه المرة: هل يعني هؤلاء هذه الاتهامات؟!، وهل يصدقونها؟!
كان أحد جيران المنزل المخصص للاجئين قبل أن أكون خارجه، يتكرم علينا بإنترنت مجاني، أما الآن فقد أضطر أن أمد رأسي وهذا الكمبيوتر خارج نافذة هذه الغرفة التي تكرم علي أحد الأصدقاء بإستضافتي فيها، لأنشر هذا المقال في صحيفة مرآة البحرين. ومرآة البحرين - التي هي بكل بساطة نتاج مجموعة من الصحافيين المُهجرين في بقاع الأرض - لم تسلم هي الأخرى من الاتهامات بالتمويل والرعاية الأجنبية، وكأن إنشاء موقع ألكتروني يحتاج لتمويل خارجي وتحالف استخباراتي عالمي!.
يحقق موقع صحيفة مرآة البحرين – ورئاسته شرف لا أدعيه ولست سوى أحد كتابه - رغم الإغلاق الرسمي في البحرين للموقع زيارات تفوق زوار الصحف البحرينية جمعاء، والعديد من المسؤولين في الدولة يتابعون ما يكتب فيه من تقارير وأخبار ومقالات دورية. وليس لهذا الموقع من سبب آخر للنجاح، سوى أن نخبة من الصحافيين البحرينيين يعملون به بصدق وحماسة وتفان، لا أكثر. هذه النخبة التي لم تجد في وطنها مكاناً آمناً للحياة فضلاً عن أن تجد فيه مكاناً آمناً للكتابة.
* كاتب بحريني