» رأي
الأفعى حين تأكل ذيلها
عادل مرزوق - 2011-08-07 - 4:09 م
عادل مرزوق*
تريد الدولة الخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر، تتطلع لتسوية لا تزيد عن إصلاح ما أحدثته الأجهزة الأمنية من دمار وانتهاكات عقب إعلان حالة السلامة الوطنية (وهي مهمة لجنة بسيوني)، وكذلك الخروج بتعديلات دستورية طفيفة تزيد من صلاحيات المجلس النيابي وتعديل الدوائر وقد تصل في أقصاها إلى تسليم مجلس النواب للمعارضة مع الإبقاء على مجلس الشورى كضمانة أو (ريموت كونترول) للحيلولة من أن يكون المجلس النيابي قادراً على تحديد سياسات الدولة والرقابة الحقيقية على مواردها.
ولذلك، لا تكف الدولة عن المراوغة عن محاولاتها المستمرة في فصل المشهد الداخلي وما يشهده من انتهاكات وخروقات عن مخرجات الآلة الإعلامية العالمية والتي لا تزال توجه الصفعات تلو الأخرى للنظام وأجهزته الأمنية. وخلاصة القول: تريد الدولة تفصيل تسوية سياسية لا تنهي حالة الدولتين في الدولة الواحدة. دولة معلنة ورسمية في مجلس الوزراء ولها وزراؤها وهيئاتها وميزانياتها، ودولة أخرى هي الدولة الحقيقية لكنها لا تظهر للعيان، وهي فعلياً من تتحكم في موارد الدولة وسياساتها وهي من تدير تفاصيل تقسيم موارد وامتيازات الدولة.
على الأرض، لم تقدم الدولة حتى اليوم ما يثبت جديتها في البحث عن تسوية حقيقية، فلا تزال الشوارع والقرى تعج بالعسكر وآلياتهم التي تصطاد المتظاهرين السلميين لتنكل بهم، وما تزال بيوتات البحرينيين تستقبل جرعتها اليومية من مسيلات الدموع والقنابل وطلقات الرصاص، ما تزال السجون تعج بالمعتقلين، وما يزال المفصولون من أعمالهم ينتظرون تنفيذ التوجيهات الصادرة بإعادتهم لأعمالهم، تلك التصريحات التي يبدو أنها كانت مجرد تكتيك إعلامي ليس أكثر. وخلاف ذلك كله، ما يزال هذا الشعب مجروحاً متألماً جراء ما فعلته آلة العسكر من جرائم وانتهاكات وهتك للأعراض والحرمات والممتلكات.
تعتقد أن الدولة - من واقع خبرتها سابقاً – أن سياسة التمطيط واللعب على الوقت دائماً ما كانت تؤتي ثمارها، لكنها تغفل بشكل واضح عن قراءة تفاصيل هذه الأحداث واختلافاتها الجوهرية عما شهدته البحرين من أحداث منذ تولي العائلة الحاكمة مقاليد الحكم. وهي تغفل أيضاً، عن فهم حقيقة مهمة ومركزية وهي أن الغالبية الشعبية اليوم قد علقت اعترافها بشرعية الدولة وأصبحت تبحث عن صيغة جديدة للتوافق بين الحاكم والمحكومين، صيغة تنهي معاناة هذا الشعب لأكثر من أربعين عاماً من التجارب واختبارات الثقة وإعادة الثقة والتي كانت ترتد على الشعب بالمزيد والمزيد من الخسارات المتراكمة.
تراهن الدولة اليوم على رهانات خاسرة وخبرة سابقة بالبلاد والعباد، لكنها خبرة ومعرفة كانت محكومة بأفق وفضاء معين من الصراع السياسي والاجتماعي، ولقد خرقت الدولة بهمجية إدارتها للأزمة السياسية وبتغليبها للحل الأمني بل الإرهابي هذا الفضاء، وصنعت بامتياز قناعات جديدة لدى أبناء هذا الشعب، هذه القناعات الجديدة لن تقبل بأنصاف الحلول أو القبول في دخول تجربة جديدة من الخداع والتلاعب بمستقبل هذا الوطن وأبنائه. ولا أجد تشبيهاً أكثر دقة ووضوح لحال لدولة اليوم أكثر من أفعى جائعة واهمة، بدأت دون أن تدري في التهام ذيلها.
إذن، هل أغلقت أبواب التسوية والخروج من هذا المأزق؟، لا، فالباب ما يزال مفتوحاً لكنه يحتاج لمن يريد أن يفتحه بصدق وقناعة وإيمان بأن الحياة الكريمة والديمقراطية الحقة والحكم الرشيد العادل هي حقوق إنسانية مشروعة لكل إنسان على هذه الأرض. لا يحتاج قرار الحرية والديمقراطية والعادلة والمساواة للكثير، فالوصفة جاهزة ومعروفة، وعديدة هي الممالك الدستورية التي انتقلت لأحضان الحرية والديمقراطية بين ليلة وضحاها. لكنها لم تنتقل إلا بقرار ملك شجاع.