» رأي
أزمة حوار أم أزمة ثقة؟
إيمان شمس الدين - 2011-08-06 - 9:25 ص
إيمان شمس الدين*
البحرين كدولة تاريخية قديمة شهدت الكثير من الاضطرابات السياسية وعدة محاولات للاصلاح السياسي، ولكن منذ عقود قريبة والحركة الإصلاحية في البحرين لم تهدأ وكان غالبا محصلتها إما سجن المطالبين بالإصلاح أو باستدراجهم لحوارات تكون نتيجتها اللاحوار.
وقد شهدت البحرين منذ سبعينيات القرن الماضي الكثير من الحراكات المطلبية التي سقط لأجلها عدد كبير من الشهداء البحرينيين، وبالرغم من تغير وجوه السلطة إلا أن المنهج والأسلوب المتبع كان واحدا، وهو المواجهة القمعية، ومن ثم تصعيد الأحداث بالاعتقال والقتل والتعذيب، وبعد ذلك الدعوة إلى الحوار وعقد مجموعة اتفاقيات ثم الانقلاب عليها أو تحقيق بعض المطالب التي لا ترقى لمستوى ما أقره الدستور البحريني من حقوق وواجبات للمواطن، وما وافقت عليه البحرين ووقعت عليه في ميثاق الأمم المتحدة الخاص بحقوق الفرد في وطنه.
وكان الهدف من هذا الميثاق، هو استقطاب كل أطياف المعارضة في الداخل والخارج البحريني لتكون تحت مجهر السلطة البحرينية التي يحكمها أقدم رئيس وزراء في العالم، والمعروف بسلطته القمعية، ومن ثم إدماجها في المشروع السياسي وفق رؤية إصلاحية مشوهة، يتم من خلالها رسم خارطة الطريق لضرب صفوف المعارضة بعدة طرق، منها شراء الولاءات بتوزيع المناصب والعطاءات والمنح الحكومية التي يفترض وفق أسس الدستور هي واجب الدولة اتجاه الشعب، أو تفرقة صفوف المعارضين وضرب إسفين الخلاف بينها، كي تبدو متفرقة وضعيفة أمام تماسك حكومي سلطوي صلب يمتلك مكامن القوة والقرار.
وحيث إن المطالبات الإصلاحية كانت تشمل كل أبناء الشعب البحريني من السنة والشيعة ومن كافة التيارات الايديولوجية القومية والليبرالية والعلمانية والاسلامية بتمايزاتها السنية والشيعية، إلا أن كون الاغلبية الشعبية هم من الشيعة وكونهم هم الاكثر فاعلية في الحراكات المطلبية الإصلاحية، لأنهم الأكثر تضررا وغبنا كمواطنين، لجأ النظام في فترة الهدنة التي طرح فيها ميثاق العمل الوطني إلى خطة موازية لخطة الميثاق واستقطاب المعارضين، وهي أولا فصل مسار السنة البحرينيين عن الشيعة من خلال استقطاب الشارع السني وشراء ولائه للسلطة بتقديم مجموعة من المميزات والتسهيلات على المستوى الدراسي والوظيفي وكل ما يمكن أن يمكنه من التواجد في مراكز القرار وإن لم يكن بعضهم كفءا لذلك إلا أن المقياس كان هو مدى ولائه للنظام.
من جهة أخرى عمدت إلى خطة التغيير الديموغرافي للبحرين من خلال حملة تجنيس، كان شرطها الوحيد أن يكون المجنس سنيا فقط وكانت تقدم له الجنسية وكثير من المميزات التي لم تقدمها حتى لأبناء الوطن الحقيقيين، لا لشيء إلا لكونهم من الشيعة، وبهذا التجنيس كانت تشتري ولاءات هؤلاء أيضا خاصة أنها كانت تجلبهم من دول كباكستان وسوريا والأردن والهند وغيرها من الدول التي يعيش غالبية سكانها في فقر وعوز.
وبذلك قامت بفرز الشعب البحريني مذهبيا، ومن ثم إدماج أفراد في المجتمع البحريني ثقافتهم هزيلة ومستواهم العلمي ضعيف مما يؤثر على المستوى الثقافي العام لشعب، عرف بعراقة ثقافته وحضارته. وهنا يكون النظام اشترى ولاءات لأصناف من البشر لا يملكون الوعي الكافي، بل شعارهم هو ولاؤنا لمن يعطينا ويطعمنا، ولا عزاء هنا للمبادئ والقيم وهكذا نموذج من الولاءات عرف عنه تاريخيا بوحشيته واستخدامه كأدوات فاعلة في يد النظام يبطش بها وقت يشاء لدعم سلطته.
وفي ظل هذه الحراكات، كانت الانتهاكات الحقوقية للبحرينيين واضحة من قبل السلطة، فبعد قرابة العشر سنوات من الميثاق لم يتحقق الكثير لأبناء البحرين فيما يتعلق بحقوقهم المعيشية والوظيفية والعملية والعلمية، بل بدت الطبقية واضحة في مجتمع صغير يتميز فيه مواطن على آخر وفق معيار مذهبي ولائي قبلي، وليس وفق ما أقره الدستور من المساواة وفق أسس المواطنة والكفاءة. وهو ما دفع ثوار 14 فيراير من الجيل الشاب للانتفاضة السلمية من أجل المطالبة بقوق إنسان يريد أن يعيش في وطنه عزيزا مكرما، ويطالب كونه مصدر للسلطات كما نص عليه الميثاق والدستور ,يطالب بالإصلاح السياسي وأهمها حكومة منتحبة وبرلمان كامل الصلاحيات.
وهو الأساس والمنطلق لكل الإصلاحات بالتتابع. وما حصل بعد هذه الثورة، هو ذاته ونفسه ما حصل بعد أي حراك مطلبي في تاريخ البحرين حيث استخدمت نفس المنهجية، وهي المواجهة القمعية ومن ثم تصعيد الأحداث بالاعتقال والقتل والتعذيب وبعد ذلك الدعوة إلى الحوار، فبعد كل ذلك هل يتوقع من شعب يثور ضمن عدة ثورات عربية ضد أنظمتها أن يسلم بعد كل هذه التجارب مع نفس الحاكم أن يستجيب للحوار؟ إن الأزمة اليوم ليست أزمة حوار بل هي أزمة ثقة بين شعب، شبع وعود واتفاقيات وحوارات وبين سلطة حاكمها الأقدم في العالم هو ذاته لم يتغير، فالحوار ليس الحل للخروج من الأزمة خاصة أنه حتى أدنى مقومات الحوار لم تتوفر كي يثق بها الشعب مصدر السلطات وفق إقرار ميثاق العمل الوطني.
والمطلوب اليوم كخطوة أولى من وجهة نظري، هو تغيير الشخصيات المؤزمة وتحقيق أهم مطلب للمعارضة، وهو حكومة منتخبة وبرلمان كامل الصلاحيات فلا جدوى من أي حوارات مشوهة في وجود نفس الوجوه في السلطة، وعلى السلطة أن تعي أنها استنفدت كل وسائل القمع والتضييق والقتل والتعذيب ولم تبق وسيلة إلا استخدمتها لمنع الشعب البحريني من تحقيق مطالبه إلا أنها فشلت، لأن الساحات مازالت تلتهب غضبا بأقدام الثوار، ومازالت الحناجر تصرخ محتجة في وجه الظالم مطالبة بالعدالة الاجتماعية، ومازالت القبضات مرتفعة، رايتها فقط علم البحرين مكتوب عليه، كلنا فداء الوطن.
فهل تعتقد هذه السلطة أنها قادرة على العناد والرفض؟ أعتقد إن استمرت ففي ذلك إطاحة لرأسها، فاليوم مازال هناك صوت للحكمة يرضى بنظام التوريث، ولكن لا اعتقد استمرار القمع قد يبقي لهذا الصوت الحكيم باقية بعد ذلك تحت وطأة الدماء السائلة والأعراض المنتهكة والظلم الواقع حتى على الجنين في بطن أمه.فهل تعي السلطة في البحرين أزمة الثقة وتعيد بناء جسورها من جديد قبل فوات الأوات؟ هذا ما ننتظر إجابته في الأيام القادمة وما ستحدد معالمه خطواتها القادمة.
Chamseddin72@gmail.com
*كاتبة كويتية.
البحرين كدولة تاريخية قديمة شهدت الكثير من الاضطرابات السياسية وعدة محاولات للاصلاح السياسي، ولكن منذ عقود قريبة والحركة الإصلاحية في البحرين لم تهدأ وكان غالبا محصلتها إما سجن المطالبين بالإصلاح أو باستدراجهم لحوارات تكون نتيجتها اللاحوار.
وقد شهدت البحرين منذ سبعينيات القرن الماضي الكثير من الحراكات المطلبية التي سقط لأجلها عدد كبير من الشهداء البحرينيين، وبالرغم من تغير وجوه السلطة إلا أن المنهج والأسلوب المتبع كان واحدا، وهو المواجهة القمعية، ومن ثم تصعيد الأحداث بالاعتقال والقتل والتعذيب، وبعد ذلك الدعوة إلى الحوار وعقد مجموعة اتفاقيات ثم الانقلاب عليها أو تحقيق بعض المطالب التي لا ترقى لمستوى ما أقره الدستور البحريني من حقوق وواجبات للمواطن، وما وافقت عليه البحرين ووقعت عليه في ميثاق الأمم المتحدة الخاص بحقوق الفرد في وطنه.
وكان الهدف من هذا الميثاق، هو استقطاب كل أطياف المعارضة في الداخل والخارج البحريني لتكون تحت مجهر السلطة البحرينية التي يحكمها أقدم رئيس وزراء في العالم، والمعروف بسلطته القمعية، ومن ثم إدماجها في المشروع السياسي وفق رؤية إصلاحية مشوهة، يتم من خلالها رسم خارطة الطريق لضرب صفوف المعارضة بعدة طرق، منها شراء الولاءات بتوزيع المناصب والعطاءات والمنح الحكومية التي يفترض وفق أسس الدستور هي واجب الدولة اتجاه الشعب، أو تفرقة صفوف المعارضين وضرب إسفين الخلاف بينها، كي تبدو متفرقة وضعيفة أمام تماسك حكومي سلطوي صلب يمتلك مكامن القوة والقرار.
وحيث إن المطالبات الإصلاحية كانت تشمل كل أبناء الشعب البحريني من السنة والشيعة ومن كافة التيارات الايديولوجية القومية والليبرالية والعلمانية والاسلامية بتمايزاتها السنية والشيعية، إلا أن كون الاغلبية الشعبية هم من الشيعة وكونهم هم الاكثر فاعلية في الحراكات المطلبية الإصلاحية، لأنهم الأكثر تضررا وغبنا كمواطنين، لجأ النظام في فترة الهدنة التي طرح فيها ميثاق العمل الوطني إلى خطة موازية لخطة الميثاق واستقطاب المعارضين، وهي أولا فصل مسار السنة البحرينيين عن الشيعة من خلال استقطاب الشارع السني وشراء ولائه للسلطة بتقديم مجموعة من المميزات والتسهيلات على المستوى الدراسي والوظيفي وكل ما يمكن أن يمكنه من التواجد في مراكز القرار وإن لم يكن بعضهم كفءا لذلك إلا أن المقياس كان هو مدى ولائه للنظام.
من جهة أخرى عمدت إلى خطة التغيير الديموغرافي للبحرين من خلال حملة تجنيس، كان شرطها الوحيد أن يكون المجنس سنيا فقط وكانت تقدم له الجنسية وكثير من المميزات التي لم تقدمها حتى لأبناء الوطن الحقيقيين، لا لشيء إلا لكونهم من الشيعة، وبهذا التجنيس كانت تشتري ولاءات هؤلاء أيضا خاصة أنها كانت تجلبهم من دول كباكستان وسوريا والأردن والهند وغيرها من الدول التي يعيش غالبية سكانها في فقر وعوز.
وبذلك قامت بفرز الشعب البحريني مذهبيا، ومن ثم إدماج أفراد في المجتمع البحريني ثقافتهم هزيلة ومستواهم العلمي ضعيف مما يؤثر على المستوى الثقافي العام لشعب، عرف بعراقة ثقافته وحضارته. وهنا يكون النظام اشترى ولاءات لأصناف من البشر لا يملكون الوعي الكافي، بل شعارهم هو ولاؤنا لمن يعطينا ويطعمنا، ولا عزاء هنا للمبادئ والقيم وهكذا نموذج من الولاءات عرف عنه تاريخيا بوحشيته واستخدامه كأدوات فاعلة في يد النظام يبطش بها وقت يشاء لدعم سلطته.
وفي ظل هذه الحراكات، كانت الانتهاكات الحقوقية للبحرينيين واضحة من قبل السلطة، فبعد قرابة العشر سنوات من الميثاق لم يتحقق الكثير لأبناء البحرين فيما يتعلق بحقوقهم المعيشية والوظيفية والعملية والعلمية، بل بدت الطبقية واضحة في مجتمع صغير يتميز فيه مواطن على آخر وفق معيار مذهبي ولائي قبلي، وليس وفق ما أقره الدستور من المساواة وفق أسس المواطنة والكفاءة. وهو ما دفع ثوار 14 فيراير من الجيل الشاب للانتفاضة السلمية من أجل المطالبة بقوق إنسان يريد أن يعيش في وطنه عزيزا مكرما، ويطالب كونه مصدر للسلطات كما نص عليه الميثاق والدستور ,يطالب بالإصلاح السياسي وأهمها حكومة منتحبة وبرلمان كامل الصلاحيات.
وهو الأساس والمنطلق لكل الإصلاحات بالتتابع. وما حصل بعد هذه الثورة، هو ذاته ونفسه ما حصل بعد أي حراك مطلبي في تاريخ البحرين حيث استخدمت نفس المنهجية، وهي المواجهة القمعية ومن ثم تصعيد الأحداث بالاعتقال والقتل والتعذيب وبعد ذلك الدعوة إلى الحوار، فبعد كل ذلك هل يتوقع من شعب يثور ضمن عدة ثورات عربية ضد أنظمتها أن يسلم بعد كل هذه التجارب مع نفس الحاكم أن يستجيب للحوار؟ إن الأزمة اليوم ليست أزمة حوار بل هي أزمة ثقة بين شعب، شبع وعود واتفاقيات وحوارات وبين سلطة حاكمها الأقدم في العالم هو ذاته لم يتغير، فالحوار ليس الحل للخروج من الأزمة خاصة أنه حتى أدنى مقومات الحوار لم تتوفر كي يثق بها الشعب مصدر السلطات وفق إقرار ميثاق العمل الوطني.
والمطلوب اليوم كخطوة أولى من وجهة نظري، هو تغيير الشخصيات المؤزمة وتحقيق أهم مطلب للمعارضة، وهو حكومة منتخبة وبرلمان كامل الصلاحيات فلا جدوى من أي حوارات مشوهة في وجود نفس الوجوه في السلطة، وعلى السلطة أن تعي أنها استنفدت كل وسائل القمع والتضييق والقتل والتعذيب ولم تبق وسيلة إلا استخدمتها لمنع الشعب البحريني من تحقيق مطالبه إلا أنها فشلت، لأن الساحات مازالت تلتهب غضبا بأقدام الثوار، ومازالت الحناجر تصرخ محتجة في وجه الظالم مطالبة بالعدالة الاجتماعية، ومازالت القبضات مرتفعة، رايتها فقط علم البحرين مكتوب عليه، كلنا فداء الوطن.
فهل تعتقد هذه السلطة أنها قادرة على العناد والرفض؟ أعتقد إن استمرت ففي ذلك إطاحة لرأسها، فاليوم مازال هناك صوت للحكمة يرضى بنظام التوريث، ولكن لا اعتقد استمرار القمع قد يبقي لهذا الصوت الحكيم باقية بعد ذلك تحت وطأة الدماء السائلة والأعراض المنتهكة والظلم الواقع حتى على الجنين في بطن أمه.فهل تعي السلطة في البحرين أزمة الثقة وتعيد بناء جسورها من جديد قبل فوات الأوات؟ هذا ما ننتظر إجابته في الأيام القادمة وما ستحدد معالمه خطواتها القادمة.
Chamseddin72@gmail.com
*كاتبة كويتية.