ولاءات السيوف والطوائف
نادر المتروك - 2011-08-02 - 10:03 ص
نادر المتروك*
يطالب أحدُ كتّاب الصحافة في البحرين بقياس مستوى وعي الناس، ليرى ما إذا كان مطلب حكومة منتخبة وبرلمان حقيقي يناسبهم أم لا. والحقّ، أن المطلوب – وبعد كلّ ما حصل – هو إجراء قياس لوعي النظام. يحتاج النظام إلى جهود واسعة للارتقاء بوضعه وتحسين حاله، وإعداده ليكون في مقاس الناس، وليس العكس.
خلال الأشهر الماضية، أثبت النظام أنه متخلّف عن مستوى شعبه، وبنسبٍ قياسية. هذا الكلام ليس شعارات، وليس رغبة جامحة في احتقار النظام أو الازدراء به. فليس هذا المكان مناسبا للخروج في مظاهرة أو الاستعراض. الممارسات الأمنية التي غطّت البلاد خلال الفترة الماضية، وحتى اللحظة، لم تكن مسنودة بعقل سياسي وإعلامي قادر على تبريرها للرأي العام الداخلي والخارجي. يمكن لقمع الدولة أن يكون مفهوماً، وتستطيع الدولة أن تغلّفه بعمليات تحايل تتناسب مع "الحداثة" والتنقية الجديدة. ما حصل هو أن النظام لم يكشف عن أقسى مستويات القمع فحسب، ولكن الأسوأ أنه فعل ذلك من خلال أداء سياسي وإعلامي هابط ومليء بالكذب والقذارة.
كان يُفترض أن يحرص النظام على توفير عتاد إعلامي وطواقم سياسية مناسبة ومؤهلة، بحيث يمكنها التغطية على أوسع/ أشنع جريمة اقترفها نظام عربي في العصر الحديث. حجم الجريمة كان يتطلّب غطاء واسعا ومحترفا. لكن، ما فعله النظام هو أنه تقبّحَ أكثر من الجرائم المقترفة حينما جنّد لها حشْداً من الأدوات الإعلامية والدعائية والسياسية الساقطة.
ليس في الموضوع مبالغة. خلال أشهر قليلة، تمّ ارتكاب انتهاكات غير مسبوقة. وليس من داع لسردها، ففي هذه الأيام تنشط لجان التقصّي والتوثيق، وهي تكشف يومياً الحجم الهائل لتلك الانتهاكات. لم تكتف السلطة بأن تكون سبّاقة في اقتراف مختلف أنواع الانتهاكات وتسجيل ابتكاراتها في ذلك، ولكنها زادت الأمر إجراما حين أتْبعت ذلك بتحويل أنصارها إلى موالين معسكرين. أفرغت عليهم صناديق مملوءة بالأكاذيب والتلفيقات، وطلبت منهم نقلها إلى كل مكان. فماذا فعل الموالون؟ زادوا على الجريمة مسحاتٍ غير معهودة من الوقاحة والبلاهة والكوميديا، ليكتمل الوجه القبيح للنظام. جرائم مُنكَرة، وموالون مضحكون.
الانتهاكاتُ ملفٌ، وإنتاجُ النظام موالين لا يفكّرون ملفٌّ آخر من الجريمة.
هل هناك أسْفل من تحويل جريمة اغتصاب إلى وسيلة للتأجيج الطائفي؟ أيّ دماغ يسكن في رأس ذلك الكاتب الذي أراد أن يربط بين الاعتداء على (دلال) والجرائم التي يتم ارتكابها في العراق ضد أهل السنة والجماعة؟ ما الذي يتحرّك في رأس هذا الكاتب عندما يريد الإيحاء بأن المعتدين قاموا بعمل ممنهج من خلال تغذية طائفية تُعطي الأجر والثواب لمنْ يفعل هذه الجريمة بحقّ أبناء طائفة معينة؟ بأي شيء يفكّر الكاتب الذي يقدم تحليلات يومية بشأن ولاية الفقيه في البحرين واستمرار مشروع حزب الدعوة؟
ألم يُخبر أحدٌ هؤلاء الكتبةَ أننا اليوم في عصر الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية، ولسنا في البادية وعصر القبائل الصحراوية؟ من أين يتعلّم هؤلاء ولاءات السيوف والطوائف؟ لماذا لم يتبرّع أحد المثقفين في الديوان الملكي أو "اتحاد" الكتاب والأدباء والطّلب من جموع الموالين التخفيف من ضرب الطّبول والدفوف والتغني بالجماعة والطائفة لأن ذلك لا يستقيم لا مع دولة عصرية، ولا مع مجتمع مدني يُراد أن يكون للإنسان كرامته وحريته الشخصية.
ثم، ماذا كان يتحرّك فوق رأس السياسي الذي كتب التقرير النهائي لما يُسمى حوار التوافق؟ كيف يُعقل أن تُسطّر في التقرير عبارات من قبيل "الدولة المدنية" و"التعددية السياسية"، في حين يُرفض التحوّل إلى مملكة دستورية، يكون الشعب فيها مصدر للسلطات ومن خلال حكومة منتخبة، وبرلمان كامل الصلاحيات؟ كيف يتحدث التقرير عن المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، في حين أن الامتيازات العائلية والقبلية والطائفية هي التي تحكم البلاد جهارا نهارا؟
وأخيرا، كيف انتهى كل هذا الانتظار والترقّب إلى مشهد راقص بزيادة موعودة في الرواتب؟!
ليس عليك إلا أن تتعجّب. البحرين باتت ممرّا لكلّ العجائب. الحكمُ يُمعِن في الهروب، والتحصّن بالأضاليل والوعود الضائعة، والناس تمضي في طريقها غير مكترثة بكل الذخائر والنيران التي تنهال عليها.