على قاعدة "التوافق على التوافق": تحوّل سلطات الملك لرئيس الوزراء
علي شريف - 2011-07-28 - 11:23 ص
علي شريف*
في المنطق الرياضي، يقولون إن نفي النفي إثبات، لكن العلماء لم يصلوا بعد إلى فهم ما يعنيه إثبات الإثبات، ويمكن أن توجد هذه الاستقراءات فقط في دهاليز حوار التوافق الوطني البحريني الذي وصفه وزير الخارجية السويدي ساخراً بأنه مونولوج( شخص يحدث نفسه) لا حوار.
فقد "توافق" "أغلب" المشاركين في جلسات الحوار (الذي ترفع نتائجه اليوم لملك البلاد) على أن "يعيّن جلالة الملك رئيس الحكومة ويكلّفه بتشكيل الحكومة" وذلك ضمن 3 خيارات كما يذكر القيادي في جمعية وعد "رضي الموسوي"، هذه الخيارات الثلاثة هي: اختيار رئيس الحكومة من الكتلة الأكبر، أو تعيين رئيس الحكومة من جلالة الملك، أو استمرار الوضع على ما هو عليه.
وقد انهالت الأسئلة على الموسوي في تويتر، بعد أن استعصى على المتابعين فهم الفرق بين الخيارين الأخيرين، وجاءت إجابته أكثر غموضاً: "لا يوجد فرق يذكر، ولكن النص على بقاء الحال يعني الاستمرار فيما نحن فيه"!
لكن أحد المتعشمين خيراً، وجّه له سؤالاً أكثر بساطة: هل يعني أنهم يرفضون رئيس الوزراء الحالي؟ فأجابه الموسوي: "لا بالطبع"
وربما كانت التوصية الثالثة في هذا المحور (والتي رفعت على أرضية اللا توافق)، على وشك أن تجعل الموضوع أكثر وضوحاً وفهماً، من جهة الفرق بين الرؤية الجديدة والوضع الحالي، إذ إنها تتعلق بتحديد مدة رئيس الوزراء والوزراء، لولا أن الأغلبية رفضت تحديد مدة الوزارة بل أراد بعضهم شطب التوصية، بحسب الموسوي (باستثناء وعد التي اقترحت أن تكون المدة دورتين متتاليتين 8 سنوات)
الفرق "الخفي" الذي لم يعلن عن تفاصيله صراحة (والذي يطبق برهان "إثبات الإثبات" أو "التوافق على التوافق") هو الاختلاف بين هذا النص "الجديد" ونص الدستور، إذ تنص المادة 33 من دستور 2002 على أن "يعين الملك الوزراء ويعفيهم من مناصبهم بمرسوم ملكي، بناء على عرض رئيس مجلس الوزراء"، كما جاء في الأمر الملكي بتعيين رئيس الوزراء عام 2010 "ويكلف رئيس الوزراء بترشيح أعضاء الوزارة الجديدة".
أما النص الجديد فإن مؤداه أن يعيّن الملك رئيس الوزراء، ولا يعيّن الوزراء، حيث ستكون صلاحية تعيينهم بيد رئيس الوزراء، دون الرجوع إلى الملك، بالنظر إلى فقرة (ويكلّفه بتشكيل الحكومة) لا ترشيح أعضائها فحسب، وهو التفسير الذي أقره قانونيون.
يراد من هذا التغيير (الخطير جداً) أن يتواءم مع توصية أخرى أريد لها أن تظهر منفصلة عن المطلبين الآخرين، لكي تحظى بشبه إجماع (توافق واسع)، وتخرج على أنها تحقيق لرغبة المعارضة في (حكومة تمثل الإرادة الشعبية) ولو بالحدود الدنيا.
إذ خلصت هذه التوصية إلى "عرض تشكيلة الحكومة وبرنامجها على (المجلس الوطني) لنيل الثقة" على ألا يشمل ذلك بالطبع شخص "رئيس الحكومة"، كما صرّح سابقاً.
ومع أن هذا التغيير "الطفرة" تتبناه السلطة "بحذر ومنّة" عبر وكلائها من الموالين، إلا أن ذلك لم يمنع أن ترتفع بعض الأصوات للوقوف ضده بحجة ما قد يتسبب فيه من محاصصة طائفية، أو تعطيل لعمل الحكومة وبالنتيجة "فراغ سياسي" يهدر وقتها.
هذه المقترحات الكارثية، لا تزيد من سلطات رئيس الوزراء (المعيّن) وتحكم قبضته على الحكومة فحسب، بل ستجعل مساءلة الوزراء وإعفاءهم وكل أعمال السلطة التنفيذية بيد رئيس الوزراء بشكل مطلق، مقابل أن يواجه "تحدي" المجلس الوطني، التحدي الذي صمم بمقاس صاحب السمو.
فهذا "التحدي" لتمثيل الإرادة الشعبية، بالإضافة إلى أنه لا يمس شخص رئيس الوزراء، فإنه أيضاً محدد بقيود وضوابط، تسهّل مهمته كثيراً، مثل أن يستوجب رفض تشكيلة الحكومة تصويت ثلثي أعضاء المجلس، أي أن منحها الثقة هو "الخيار المفترض" ولا يعدل عنه إلا بتصويت الثلثين، كما أن عرض الحكومة على المجلس لن يعني التصويت على أسماء الوزراء، وإنما على تشكيلة الحكومة ككل، بحسب التوصية، إضافة إلى ذلك، فإن الحكومة وبرنامجها سيعرضان على المجلس الوطني بغرفتيه!
يراد لهذه التوصية بالدرجة الأولى أن تنحّي سلطات الملك في اختيار الوزراء وإعفائهم ومساءلتهم وممارسة سلطاته من خلالهم (كما ينص الدستور)، على حساب أن يكون رئيس الوزراء هو من يواجه معركة نيل الثقة (الهزيلة) من المجلس الوطني، وحتى يكون الصدام بين (المجلس الوطني) ورئيس الوزراء مباشرة لا بين المجلس والملك، ولا بين الملك ورئيس الوزراء، أي بدلاً من أن تكون الرقابة على التشكيلة الحكومية ونيلها الثقة من الملك، ستكون من البرلمان نزولاً عند الرغبة الشعبية في اشتراكها بتشكيل الحكومة.
لماذا يمكن أن يصادق الملك على مثل هذه التوصية التي تنحي سلطاته؟ وكيف تحولت المطالب السياسية إلى مكاسب لرئيس الوزراء؟ وأين سيكون موقع الملك في نظام الدولة وإدارة الحكم؟ وهل يعرف جلالته ما هو سيناريو الكارثة القادمة لو صادق على هذه التوصيات؟
للمقال تتمة.
*كاتب بحريني