» رأي
وليمة التسوية والشعب الجائع
عادل مرزوق - 2011-07-28 - 6:26 ص
عادل مرزوق*
تخطينا حالة العمى لدى الدولة، وباتت السلطة السياسية مدركة أهمية أن تخرج بنفسها وبهذا البلد من هذا النفق المظلم. لدينا في اليد، إلغاء قانون الطوارئ، الإفراج عن بعض المعتقلين، طرح حوار وطني مبتور يمهد لتحول ما، محاولات حذرة وبطيئة لصياغة مخرج من هذا الورطة التي خلفتها السياسات الخاطئة في إدارة الأزمة.
لكن السؤال الذي يشغل بال الجميع لا يزال قائماً: من يكتب سيناريو النهاية؟، والأهم من ذلك، ماذا كتب؟، وعلى أي صيغ التسويات استقر؟ التجاذبات في مؤسسة الحكم تعيق إنضاج التسوية، وتسعى هذه التجاذبات المحكومة بالمؤثرين الإقليميين والدوليين إلى أن تتصدر مشهد إدارة المرحلة. وإذا كان لأحد من الاطراف أن يستأثر بالقرار ضارباً بالآخر عرض الحائط، فلن يستطيع أن يتجاوز القوة الإقليمية والدولية من ورائه.
يستطيع ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة المضي في إدارة المرحلة تحت الغطاء الأمريكي والبريطاني الذي يحميه ويمثله وبما يشمل المرور من رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة ووزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة، لكنه لن يستطيع تجاوز بكل تأكيد تجاوز الحاضنة الخليجية وخصوصاً قراءة الرياض وما تسمح به وترتضيه، وهي الحاضنة التي مررت الحل الأمني.
وكذلك كان الحال مع الحل الامني وما تلاه من جرائم وتجاوزات وانتهاكات، فما حدث كان تجاوزاً – بحسب بعض التسريبات – لولي العهد من جانب الحليفين الجديدين (رئيس الوزراء ووزير الديوان الملكي)، لكنه تحالف مؤقت لم يستطع الصمود أمام الفيتو الامريكي البريطاني الذي أعاد ولي العهد للمشهد من جديد، واجبر الدولة على الرجوع عن خيارها الأمني المجنون.
وتقابل التجاذبات والصراعات المفتوحة في مؤسسة الحكم تجاذبات مماثلة في المعارضة، لكن الأخيرة – للأسف – صراعات وتجاذبات ساذجة، فأقطاب المعارضة في الكثير من الأحيان لا تحسن - في أقل تقدير- ترتيب سلم عداواتها واختلافاتها وأولوياتها، فيتوهم الطرف منهم ان الطرف الآخر هو أولى بالمناكفة والمواجهة من الدولة.
من شواهد ذلك، ما تتوهمه الوجوه الجديدة في إدارة "وعد" في أن التحالف مع الوفاق هو أكثر خطورة من القبول بنتائج حوار فاقد للشرعية والمصداقية. ولهذه التجاذبات في جسد المعارضة أن تلعب دوراً فاعلاً ومهماً في تعزيز فرص الدولة في تمرير تسويتها التي ستحتاج لتعميق مثل هذه الاختلافات والتقاطعات في المعارضة. فهو تقدم قوى المعارضة هذا الكرت الرابح للدولة على طبق من الذهب؟، هذا ما سأتطرق له في موضوع منفصل.
نعود للسؤال الرئيس: من يصنع التسوية؟، من يكتب سيناريو النهاية؟، ماذا كتب؟، وعلى أي صيغ التسويات استقر؟ لن نخوض في جدلية تحديد مصدر هذه التسوية وعرابها، ذلك أن أي تسوية ستمر في البحرين لابد أن تكون العواصم الإقليمية كافة قد صادقت عليها، وقبلتها.
لكن وعلى الرغم من ذلك، يبقى الشارع البحريني هو من يملك زمام المبادرة والتحكم في القبول بهذه التسوية المرتقبة أو ردها. وعلى الشارع أن يكون مؤمناً بأن المواقف الإقليمية وإن قبلت بتسوية ما فإنها ستستجيب لقرار الشارع وما يختاره، خصوصاً إن حافظ على سلمية حركته وحيويتها دون فتور أو تراخٍ.
ومن واقع ما أفرزته الصحف المحلية في البحرين من تغطيات وتوافقات من جانب الحوار الوطني وبالإضافة لما يتردد من تسريبات، ويمكننا تلخيض ملامح التسوية التي تبدو أقرب حتى اليوم في النقاط التالية:
• الإفراج عن أغلبية المعتقلين في السجون ومراكز التوقيف باستثناء القيادات السياسية والحقوقية في المعارضة. وسيخضع مصير القيادات السياسية لقياس مدى قبول الجمعيات السياسية وشارع المعارضة بالتسوية المقدمة، إذ يؤرق الدولة احتمالية أن يكون الإفراج عنهم مبكراً سبباً مباشراً في تعكير أجواء التسوية والتأثير على الشارع.
• إعادة أغلبية الطلبة والموظفين المفصولين من أعمالهم والجامعات والمدارس. وستلعب لجنة التحقيق الملكية (لجنة بسيوني) دوراً في إعادتهم لتأكيد فاعلية اللجنة وتعزيز مصداقيتها في الشارع.
• طرح تسوية الملف الحقوقي عبر نتائج لجنة بسيوني التي ستدين الدولة في الاستخدام المفرط بالقوة وستوجه انتقادات للأجهزة الأمنية والعسكرية (في التقرير السري)، كما ستشير اللجنة بالإضافة إلى ذلك، إلى تسحيل انتهاكات جرت من جانب المتظاهرين. ويتضح في هذا السياق أن لجوء الديوان الملكي لإنشاء اللجنة برعاية ملكية كان بهدف ضمان عدم توجيه أي إدانات حقوقية للملك والصف الأول من العائلة الحاكمة ممن يديرون المؤسسة العسكرية في البلاد، وإلقاء التهم على بعض الضباط والجنود وقوات الأمن الذين قد يتعرضون لمحاكمات صورية لاحقاً.
• إجراء تعديلات دستورية على دستور عام 2002، تشمل السيناريوهات التالية: تعزيز صلاحيات المجلس النيابي/ زيادة عدد النواب مع تعديل الدوائر الإنتخابية لتحقيق أغلبية للمعارضة في المجلس/ تقليص صلاحيات مجلس الشورى أو تقليص تعداده وإسناد مهام دستورية جديدة له لا تختص بالتشريع/ الحاق ديوان الرقابة المالية بمجلس النواب/ إسناد رئاسة المجلس الوطني لرئيس مجلس النواب بديلاً لرئيس مجلس الشورى/ الإبقاء على الحق الدستوري للملك في تعيين رئاسة الوزراء وإلزام مجلس الوزراء بعد تشكيله نيل ثقة ثلثي أعضاء المجلس الوطني أو مجلس النواب منفرداً، وسيتبع ذلك بعض التعديلات في مواد الدستور لضمان ترتيبات المسائل التي تتعلق بحجب الثقة عن الحكومة.
• تعهد الدولة بإعادة بناء وترميم جميع دور العبادة التي تم استهدافها في فترة الطوارئ.
• إنشاء لجنة وطنية تابعة للديوان الملكي أو المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أو وزارة الشؤون الاجتماعية وحقوق الإنسان لتعويض المتضررين كإجراء متابعة لما ستنتهي له لجنة بسيوني.
• تعديل وزاري واسع يشمل استبعاد أغلبية الوزراء الحاليين خاصة وزراء التأزيم. وللحديث بقية
*كاتب بحريني