» رأي
عسْكرة الموالين
نادر المتروك - 2011-07-25 - 9:39 ص
نادر المتروك*
لو سألت أحد الموالين: ما الدّليل على وجود مؤامرة أمريكية إيرانية مشتركة؟ كيف ثبت لكم وجود مخازن الأسلحة تحت المآتم؟ أين هم الصفويون في البحرين؟ وما معنى هذا الإطلاق في الوقت الراهن؟ كيف يستقيم ذلك مع رغبة المعارضة المعلنة في الدولة المدنية؟ ما الشعارات الطائفية أو المطالب الطائفية التي رفعها المعارضون؟ لماذا يصبح مطلب البرلمان الكامل الصلاحيات إخلالا بالتوازن الطائفي في البلاد ومشروعا مجوسيا؟ لن تكون الإجابة المتاحة على هذه الأسئلة غير أنّ وزارة الدفاع أو الداخلية أو حكومة المشير.. أعلنوا ذلك. إنها إجابة المجتمع الموالي الذي استولى عليه العَسْكر، فأصبح مُعَسْكرا.
يقوم هذا المجتمع على تحفّز تعبوي، وشعور دائم بوضعيّة الطوارئ. ليس هناك أي منطق معمول به أو عقل تساؤلي، ويمكن أن يتقبّل هؤلاء أية رواية معلنة من العسكر الغالبين، ولو كانت مليئة بالتناقض وخارج السياق التاريخي. ينظرُ الموالون المعسكرون إلى الأمور من منظار شمولي، ووفق المنظومة الاستخباريّة التي يُذيعها النظام ويشحن بها الموالين. لا يخرجون عن هذه المنظومة، ويعتبرون كلّ إذاعاتها وبياناتها حقيقة لا تقبل النقاش.
يُعْمِل النظامُ الأمني في الموالين الإخضاعَ النّاعم، والتّام، ويُحوِّل رجالَ الأمن في مخيالهم وعقيدتهم رموزا وأبطالا وبواسل وأصحاب مبادئ عليا. يتم اختزال كلّ القطبيات في الرّجل العسكري، الذي يُصبح رمزا للطائفة، وتُحتكر فيه كلّ المحاسن والفتوحات، وبدونه يأتي الخراب.
يضيع معيارُ الإنسان والوطن في المجتمع الموالي المُعسْكر. يُصبح الأمن، والولاء، والنظام القائم هي مفردات التفكير، ومنها يُنظر إلى الأشياء.
عسكرة الموالين هي نتيجة للعسكرتاريا التي حكمت البلاد إبان الطوارئ، ومن الواضح أنها لازالت تمثّل الصّورة الغالبة على إدارة البلاد. منذ ذلك الوقت، أُلبِس المجتمع الموالي لباس العسكر، وتحوّلت صور المشير إلى علامات رمزيّة يعيش عليها السلوك اليومي للموالين. لا فرق في ذلك بين أجناس الموالين ومذاهبهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية وانتماءاتهم الفكرية، فجميعهم تلتبس فيه الأيديولوجيا العسكرية.
لا ينبغي العجب من رفْض الموالين لحكومة منتخبة من الشعب نفسه. ولا ينبغي العجب من اعتبارهم ذلك شكلا من المحاصصة الطائفية وخروجا على التوافق الوطني. فالعقل المُعسكر لا يقبل بتغيير الواقع السائد، ويراه تآمرا، وتخريبا. النمط المؤدلج للموالاة هو نمط عسكري بامتياز. الأمن والاستقرار رديفان لديمومة رئيس الوزراء وضبط المجتمع المدني. المملكة الدستورية هي اختطاف طائفي. المطالبة بإسقاط النظام الفاسد والمستبد (بأي معنى مدني مقترح) هو انقلاب عسكري، ولو انتفت الأسلحة وكان المطالبون أناسا من عامة النّاس.
إذن، تحوّل الموالون إلى عساكر، وبرتب مختلفة. انتقل العسكرُ إلى صفوف الموالين، وخطبوا فيهم، وتحوّلوا إلى رموز وخطباء تجتمع الجموع للاستماع إليهم، وتصدّقهم بحماس بالغ.
ما ينساه العسكرُ المنتفخون، دائما، هو أن الأمور غير قابلة للحسم إلا عبر السياسة. العسكر قومٌ لا دَوَام لهم. إنهم أدوات مرحلية، والسياسة هي التي تحكم وتحسم. لكن الموالين ظنّوا أن العسكر هم الأوّل والآخِر. تخيّلوا أن "المشير" هو الحاكم بأمر الله، وبيده كلّ شيء، وأنّ الله "سخّره" لهم بعد طول رُقاد. رأوا فيه "هبة السماء"، وأن تاريخا جديدا سيُكتب على يديه، وبهذا الوهم الكبير رَهنوا كلّ لسانهم، وجنّدوا جرأتهم على الناس. نعم، لم تنفلت الألسنةُ وترمي الناسَ بالبذاءة، إلا لأن أكثر الموالين بذاءةً يجد حريته الكاملة في وجود القوة الضاربة للمشير وأنه "اللي يعرف لهم".
الموالون لا يجدون أنفسهم إلا في فيء العسكر وسلطتهم المادية والرمزية. وكان الدّور الخطير الذي قام به هؤلاء وهم تحت تأثير التخدير العسكري؛ هو أنّهم تحدّثوا باسم الطائفة السنية. لقد عسكروا المجتمع السّني وأخرجوه من تربته المدنية ومحيطه الوطني. لم يتحدث أحد من المعارضة عن انتساب مذهبي معين، ولكن الموالين نسبوا أنفسهم إلى الشارع السني، ونظّروا لقيامة هذا الشارع، وربطوه بالعسكر، فكانت أكبر إساءة للذات الجماعية، ومن غير أن يعلموا أو يخجلوا.