جهاز الأمن الوطني: أين ذهبت صناديق الأسرار النتنة؟
2011-07-20 - 7:22 ص
مرآة البحرين (خاص): يتحدّث ناشط حقوقي بحريني معروف ل"مرآة البحرين" فيقول: "لا يمكن تحقيق أي تغيير سياسي موثوق به إلا بعد حلّ جهاز الأمن الوطني. مثلما دخلنا مرحلة الانفراجات في 2001 بحلّ قانون أمن الدولة، فلابد من إلغاء مرسوم إنشاء هذا الجهاز لنبدأ مرحلة جديدة من الانفراج".
ظهر الجهاز مترافقا مع البوادر الأولى للأزمة السياسية في عام 2002م، وذلك بعد انتهاء سنة واحدة من الانفراج الأمني، وكان تأسيسه بديلا عن الإدارة العامة لمخابرات أمن الدّولة بمرسوم رقم (14) لسنة 2002. المرسوم جعل الجهاز تابعا لرئيس الوزراء، ومُنح رئيسه درجة وزير، وهذا إجراء إداري يُقصد به في العادة توسيع نطاق الصلاحيات والحماية من المساءلة بالقوانين المعمول بها محليا. يتكون الجهاز من مجموعة من الإدارات والشَّعب، وهو ما يوضح المهام المركبة التي يقوم بها، فمن إداراته: إدارة العمليات الخاصة، وإدارة الشؤون الدولية، وإدارة الأمن السياسي، وإدارة مكافحة الإرهاب، والإدارة المركزية للمعلومات والتوثيق، وإدارة تقنية المعلومات، وإدارة الارتباط والتنسيق، وإدارة الشؤون القانونية.
من الناحية الرسمية، فإن اختصاصات الجهاز كما وردت في المرسوم تتعلق ب"الحفاظ على الأمن الوطني (...) وله في سبيل ذلك رصد وكشف كل الأنشطة الضارة بالأمن الوطني للمملكة ومؤسساتها ونظمها، وكل ما يهدد أمن وسلامة الوطن (...) وكذلك وضع الخطط الأمنية اللازمة لمواجهة كل الظروف العادية والاستثنائية بالتعاون والتنسيق مع الجهات الحكومية المختصة" (1).
لا توجد معلومات أخرى معلنة عن الجهاز، فكل التفاصيل سرية للغاية، بما في ذلك هوية الضباط العاملين فيه والرؤوساء الداخليين. وكان الحرص واضحا على اقتصار رئاسة الجهاز على عائلة آل خليفة، وهو إجراء آخر يشي بالطبيعة الخاصة والسرية لأعماله. وكان أول رئيس للجهاز هو الشيخ عبدالعزيز بن عطية الله آل خليفة – رئيس اللجنة الأمنية في التسعينات – وتم تعيينه في مايو 2002، ثم تولى رئاسة الجهاز الشيخ خليفة بن علي بن راشد آل خليفة في 26 سبتمبر 2005. أما الرئيس الحالي فهو الشيخ خليفة بن عبدالله آل خليفة. وقد شغل الرئيس السابق والحالي موقع سفير البحرين في بريطانيا قبل توليهما رئاسة الجهاز.
خلية أغسطس.. الفشل القاتل
تفجيرات بعبوات ناسفة وزعتها وكالة أنباء البحرين في أغسطس وفي الاطار متهمان بهذا التفجير اعتقلا بعد يومين من الحادث |
منذ ظهوره، عُرف عن الجهاز كشفه – بحسب الإدعاء – لشبكات تنظيمية استهدفت الإخلال بالأمن والإضرار بالدولة والانقلاب عليها. على وجه الخصوص والأهمية، تولى الجهاز القبض على "مجموعة أغسطس"، أو ما تُعرف بخلية أغسطس العام الماضي، وجرى اتهامها بالتآمر للانقلاب على النظام. حسب عدد من المهتمين، فقد كان تخطيط الجهاز أن يُزج بمتهمي الخلية في غياهب السجون لعدد من السنين، حيث توصّل ضباط الجهاز – كما أفاد بعض المتهمين في القضية – أن القضاء على الاحتجاجات الدائرة وقتها يحتاج إلى إعادة "هيبة الدولة"، وهو مصطلح المقصود به "الضرب بأشد وسائل الفتك المتاحة".
فشل الجهاز في إدارة ملف خلية أغسطس، ولم يستطع تقديم الإقناع الكافي للرأي العام، فضلا عن خسارته لإدارة الملف في القضاء وافتضاح الانتهاكات التي أدت لحصول صدمة في الداخل، حيث غابت مظاهر التعذيب المنظمة في المعتقلات نحو عقد من الزمان. أحد المحامين يفيد بأن معركة القضاء "كانت ستقلب الطاولة على الجميع، وانسحاب المحامين الذي حصل بسبب عدم النظر في دعاوى التعذيب أربك الجهاز الأمني بشكل كبير". يضيف المحامي أن "اعتقال المحامي محمد التاجر في الأحداث الأخيرة، كان انتقاما شخصيا من رئيس جهاز الأمن الوطني، لما كان للتاجر من دور في قضية أغسطس".
ومن الأمثلة البارزة على فشل الجهاز في تلك القضية؛ اضطراره للتراجع عن ربط المتهمين بإيران، وقد نفى أية صلة لهم بما أذاعته بعض الصحافة الكويتية حول الخلايا الإيرانية النائمة.
على المستوى الإقليمي حاول الجهاز الاستفادة من أجهزة الأمن الخليجية لإعادة ترميم أوضاعه. استمرت العلاقة الوطيدة بين الأمير نايف بن عبدالعزيز والجهاز الأمني. وأثناء الثورة المصرية، التقى رئيس الجهاز بنائب الرئيس المصري، رئيس المخابرات، عمر سليمان، وقد أفادت مصادر صحافية حينها أن الشيخ خليفة أراد استطلاع الأوضاع الأمنية هناك واستلام "تقرير حول الحالات المتوقعة" بحسب المخابرات المصرية آنذاك.
بسبب احتجاجات فبراير والاعتصام المركزي في دوار اللؤلؤة، تم الإفراج عن متهمي الخلية. من اللافت أن جميع المتهمين ذكروا ما يفيد أن الأمور لن تستقيم إلا بزوال جهاز الأمن الوطني. رئيس لجنة الشهداء وضحايا التعذيب، عبد الغني خنجر، ارتقى منصة الدوار بعيد الإفراج عنه، وروى جانبا من العذابات التي تعرض لها المتهمون، وقد تفاعل الحضور لهول ما ذكره.
مهام وأدوار.. التجسّس وإدارة ملك البلاد
في 14 فبراير من العام 2002، أصدر ملك البلاد الحالي دستورا جديدا، اعتبرته المعارضة مخالفا للميثاق وللتعهدات المعلنة، حيث كان الجمهور السياسي ينتظر صدور دستور يلتزم بالانتقال إلى الملكية الدستورية وعودة البرلمان بغرفتين، يكون للمجلس النيابي المنتخب صلاحيات التشريع والرقابة حصرا. بسبب ذلك، بدأت المعارضة تدخل في مرحلة جديدة من الصراع السياسي.
المهمة الأساسية التي أُنيطت بجهاز الأمن الوطني هو الاستفادة من الخبرات السابقة، وإعداد برنامج خاص للقضاء على المعارضة التي بدأت تظهر مجددا، ولكن بإضافة وسائل غير تقليدية. تطلّب ذلك إعادة تأسيس الكيان الأمني الجديد، خاصة بعد مجيء رئيسه الثالث الشيخ خليفة بن عبدالله آل خليفة عام 2007م. وقد قدّمت المملكة العربية السعودية جهودا غير محدودة لتعزيز السياسة الأمنية الجديدة و"تطوير" الإمكانات المختلفة للداخلية وللجهاز الأمني. (2)
بحسب إفادات بعض العسكر، ومعتقلين سياسيين عاشوا تجربة "التحقيق" في الجهاز، فإنّ المنهج الأمني للجهاز يتمثل في العناوين التالية: إعداد بنية معلوماتية شاملة عن المعارضين والناشطين، وتم ذلك بفضل الأجهزة الحديثة، والتقنيات التي وفّرها جهاز الإحصاء والمعلومات التابع مباشرة للجهاز الأمني، إضافة إلى شعبة الاتصال في الجهاز، وهي شعبة معنية بالتجسس ومزوّدة بأحدث أجهزة التنصت وتتبّع المعلومات والبيانات، وتشمل كل المتعلقات الشخصية وحركة الاتصالات والعلاقات الداخلية والخارجية. يُشار إلى أن استقلالية الجهاز عن وزارات الدولة، بما في ذلك وزارة الداخلية، أمّن له سلطات واسعة، وأُتيحت له الحرية المطلقة في التحرك وبدون المساءلة القانونية أو الاطلاع على أسراره.
تطبيق سياسة تقليص الدوائر في مواجهة المعارضين، وهي تعني محاصرة أطراف من المعارضة، واستتباع ذلك بأطراف أخرى. والهدف من ذلك هو إشاعة الخلاف، وتأليب أنصار الجماعات المعارضة على بعضها. تجهييز مبنى جهاز الأمن الوطني بما يناسب العمليات المتعددة التي يقوم بها. فبحسب إفادات بعض الشهود، فإن البناء مجهّز من عدة طوابق تحت الأرض، وهناك مخابئ سرية، بعضها للتوقيف والاعتقال، وبعضها لحفظ المستندات والأجهزة السرية. فضلا عن ذلك، فإن غرف التحقيق مجهزة بشكل مختلف عن المرحلة السابقة، والتقنيات ملحوظة في كل مكان.
|
في فترة التسعينات، مرّت اللجنة الأمنية، التي رأسها عبدالعزيز عطية الله – الذي أصبح لاحقا أول رئيس للجهاز – بمرحتلين. الأوّلى بدأت مع اندلاع الانتفاضة التسعينية، وكانت تتخذ مبنى قديما داخل القلعة (القعلة الأصلية). المبنى كان خاصا بإدارة المرور القديمة، وهو عبارة عن مبنى أرضي عريض مكوّن من غرفة خاصة بالضباط وعمليات التحقيق، ومفتوح مباشرة على الغرف الخاصة بالتوقيف، وهي مكوّنة من غرفتين بحجم صغير، وغرفة كبيرة الحجم يستقر في نهايتها حمام يستخدمه رجال الأمن. تجهييز المبنى سيء جدا، وكل محتوياته بالية، بما في ذلك غرفة الضباط.
في نهاية عام 2005م تمت إعادة تجهييز مبنى اللجنة – وتزامن ذلك من زيارة الصليب الأحمر للسجون - حيث هُدم الطابق الأرضي بالكامل، وحُوّلت غرف التحقيق فيه إلى زنازن إنفرادية جديدة بالكامل، ونُقلت مكاتب الضباط إلى الطابق الأعلى، وتم تجهييزها بأحدث الأجهزة، وأصبح مركزا رئيسيا لأبرز ضباط التحقيق من مختلف أجهزة وإدارات الداخلية. أصبح هذا المبنى الجديد البذرة الأساسية التي تأسّس منها الهيكل التنظيمي لجهاز الأمن الوطني. اختيار العاملين في الجهاز بعناية، بما في ذلك الضباط ورجال الأمن.
وقد أفاد الشهود بأن تشكيلة الجهاز أحادية من الناحية المذهبية، مع وجود أفراد مخبرين – وظائف دُنيا - من المذهب الشيعي، مع التركيز على خبرات غير البحرينيين. حسب إفادات بعض المعتقلين، فإن ممارسات عناصر الجهاز بالغة القسوة، ولا تلتزم بأية معايير إنسانية أو دينية، وهم غير ملتزمين دينيا، ويتعمدون إظهار ذلك، حيث يُفطرون علنا في شهر رمضان أمام المعتقلين، ويشتمون بألفاظ بذيئة، وكل ذلك لإبراز مبلغ قسوتهم المحتملة.
الإشراف على الميليشا المدنية، وهو ذراع هام في عمليات الجهاز الميدانية، وقد ظهر دورها العلني مع قمع الاحتجاجات السياسية خلال ديسمبر 2007م وما بعدها. هذه الميليشا تتولى دورا محوريا في تقديم الصورة "الإرهابية" للجهاز، وهي تتوزع في أهم الإدارات التابعة للجهاز، ولا يقتصر عملها على العمليات الخاصة، مثل الاختطاف من الشوارع وتقديم الدعم الفني والأمني للقوات الخاصة ميدانيا، والمشاركة في بعض حفلات التعذيب أثناء التحقيق.
تنظيف الجهاز من الصناديق القذرة
مرسوم رقم (14) لسنة 2002 جعل الأمن الوطني جهازا تابعا لرئيس الوزراء، ومُنح رئيسه درجة وزير |
عندما حلّت قوات درع الجزيرة، واستلم المشير الركن القائد الأعلى لقوة الدفاع زمام الأمور في البحرين، توطدت العلاقة الميدانية بين الجيوش والجهاز الأمني، وقد أُعطي الأخير صلاحيات غير محدودة من الحاكم العسكري خلال فترة الطوارئ، بما في ذلك توسيع نطاق عمل الميليشا المدنية، وتحويلها إلى "جيش شعبي" بالتعاون مع الجيش مباشرةً. تفيد مصادر خاصة أن المشير أصدر أوامر "ذات طابع اجتثاثي" لعناصر الجهاز الأمني، وبحسب التعبير الذي استخدمه، فإنه طلب من الجهاز "إخلاء مناطق الاحتجاجات، والتعامل معها بطريقة الأرض المحروقة"، مضيفاً "أن الجيش سيحرق الجميع".
في ظروف خاصة، التقت "مرآة البحرين" بأحد المنتسبين بوزارة الداخلية، يعمل في الأمن العام، وهو من أصول عربية. بحسب ما أدلى به، فإن "جهاز الأمن الوطني يقوم هذه الأيام بإعادة ترتيب المبنى الرئيس، وشوهدت تنقيلات متكررة من المبنى إلى أماكن أخرى خارج وزارة الداخلية".
وحول طبيعة هذه التنقلات يقول "منذ أكثر من أسبوعين، كانت شاحنات تابعة للوزارة تحمل صناديق بعضها ورقية وبعضها من البلاستيك، وقد كانت الحراسة مشددة عليها، وقد أثار الانتباه أنها تمت في وقت متأخر من الليل".
المصدر يحتمل بأن لذلك صلة بلجنة التحقيق التي عيّنها ملك البلاد برئاسة السيد بسيوني، والتي يفترض أن تباشر عملها في 20 يوليو الجاري. ويحتمل المصدر العسكري أن محتويات الصناديق تتضمن وثائق وأجهزة خاصة بعناصر الجهاز.
1- صحيفة "الوسط"، مرسوم بتعديل قانون جهاز الأمن الوطني
2- زيارة وزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن الوطني للسعودية