» رأي
مدينون بالاعتذار: الفراغ ليس قصراً
عادل مرزوق - 2011-07-19 - 6:40 ص
عادل مرزوق *
وأنا والكثير من السياسيين والصحافيين مدينون، مدينون بالاعتذار لهذا الشعب، فرداً فرداً، بيتاً بيتاً، جرحاً جرحاً، وجعاً وجعاً. صدقنا ما سموه بـ "المشروع الإصلاحي" فكنا الصف الأول فيه، دافعنا عنه، كتبنا المئات من التقارير وأعمدة الرأي ليعيش ويتنفس رغم عديد الصدمات والمفاجآت التي لم تكن فضيحة البندر أكبرها. تصورناها الحقيقة الكبرى التي فيها خلاص تاريخنا المثقل بالخيبات والخسارات. كانت الخلاصة، أننا تحملنا لأجل هذه الخرافة، أكثر مما تحمل من أطلقوها وتفاخروا بها في لندن وواشنطن وباريس والعواصم كلها.
مدينون بالاعتذار لكل بحريني قرأ من نكتب فرآنا نبذل كلماتنا ونعبث بها وننمقها لنسمي الفراغ مشروع قصر كبير، والظلم تجاوزاً بالإمكان إصلاحه والمرور منه، والسرقة مجرد تقصير، والتعذيب مجرد دعاوى تحتاج للجان تحقيق، وسرقة المال العام مجرد مخالفات جهلة بالقانون، والتمييز مجرد عقدة تاريخية ورثناها من أبائنا وأمهاتنا، والعنف مجرد تصرفات فردية لا تنم عن حقيقة البلد المتحضر.
إن ما حملته هذه الأزمة في تفاصيلها الدقيقة لم يكن صورة من صور دفاع أو ممانعة أي نظام تقليدي يتثاقل عن القبول بإصلاحات سياسية يطلبها شعب طموح ومتحضر ومسالم، بل كانت الجرائم والانتهاكات والتجاوزات تمثيلاً فعلياً وواضحاً لبربرية مجنونة لا تقل بشاعة ووحشية عما قرأناه عن قصص التوحش والبربرية قبل أن يأذن التاريخ لهذه الإنسانية أن تتمدن وتتآخى تحت ما أقرته للإنسان – أي انسان – من حقوق.
كانت - على الأقل والمقبول وصفاً - بربرية لم تستحِ من أن تسفك دون رحمة وأن تغتال بكل وحشية طموح شعب أعزل مسالم، شعب عنون ثورته بالورد والمحبة والمودة، وأرسلها رسالة للعالم كله أن في الخليج العربي شعباً مثقلاً بالخسارات والأوجاع، وقد آن لهذا الشعب أن يسأل العالم عن حريته وكرامته.
كان خطاب هذا الشعب في الدوار وفي كل بقعة شهدت تفاصيل الحكاية خطاباً إنسانياً وطنياً بإمتياز، خطاباً مد قلوب الناس قبل أيديها لأبناء هذا الوطن كافة بدعوة الإصلاح والانتقال بمستقبل هذه البلاد حيث لا فوارق ولا تمييز ولا سرقات لثروات هذا الشعب الصابر، حيث يتساوى الناس أمام قانون عادل منصف. ليواجه الناس بعد ذلك بكل صبر وأنفة وكبرياء وعزة، غولاً مريضاً، لا إنسانية فيه ولا رحمة.
غولاً جائعاً مسعوراً مشغوفاً بسفك الدماء، وانتهاك الحرمات وتخريب كل ما هو جميل على هذه الأرض. كان ما كان من تفاصيل الحكاية، وفيما تسابق الناس لدفن الضحايا الأبرياء من قرية لقرية تفرغ رب البيت لتشكيل لجان التحقيق تلو الأخرى، كأن الرصاصات في رؤوس المتظاهرين لا تكفي لتدين المشير قبل الوزير. انتهكت الحقوق، وضاعت نصوص الدستور والميثاق وكل ما سميناه وسموه قانوناً.
وكشفت الدولة عن وجهها الحقيقي المجنون فرأت خطاب التحريض الطائفي وتأليب أبناء الوطن بين بعضهم البعض المخرج الوحيد لمأزقها، فعاثت بخطابات التخويف والفتنة لتزرع في كل البيوت فتنتها، وأرسلت للقرى المرتزقة ليضربوا الناس بالرصاص ايذاناً بالمجزرة الكبرى، ولم تنسَ نصيب مراكز التوقيف وغرف التعذيب التي تصورناها قد طمرت فأشبعتها بالجرحى والمظلومين، وسلطت مرتزقة العرب والعجم ليقتلوا ويعذبوا أبناء البحرين قدر ما يستطيعون، لا قدر ما يريدون.
في الحكاية من التفاصيل الكثير، وكلما قرأنا وقرأتم وشاهدنا وشاهدتم تفاصيل الحكاية تأكدنا دون شك، أن للحقيقة لونا واحدا لا لونين، وأن الطريق إلى دولة الحرية والكرامة ودولة القانون والعدالة وحقوق الإنسان طريق واحد، لا طريقين. فأسلكوا الطريق أعزة صابرين، ولا تغرنكم جسور الحالمين.
*كاتب بحريني