ليس آخرها انفجار الديه، باب عائلة "السميع" منذ 6 أعوام مفتوح على اتهامات لا تنتهي
2014-03-08 - 11:16 م
مرآة البحرين (خاص): قبل 18 عاماً، وتحديداً يوم 6 مارس 1996 تلقت عائلة السميع اتصالاً من السلطات الأمنية في البحرين يخبرهم أن ابنهم حسن استشهد في انفجار قنبلة موضوعة في صراف آلي.
وفي 6 مارس الجاري 2014 تلقت عائلة السميع خبراً عبر بيان لوزارة الداخلية أن ثلاثة من أبنائها: عباس، وعلي، وابن عمتهم طاهر، متهمون بتفجير وقع في اليوم الأخير من عزاء الشهيد جعفر الدرازي، في المنطقة الواقعة بين جدحفص والسنابس، وأودى بحياة ثلاثة من منتسبي وزارة الداخلية كلهم غير بحرينيين: اماراتي، وباكستاني، ويمني. الشهيد حسن طاهر السميع هو عم لاثنين من المتهمين، وخال للثالث.
تدخل «مرآة البحرين» منزل عائلة السميع، فيلامسها مباشرة الشعور بالروع الذي يسيطر على أهل المنزل، لا ملجأ آمن يركنون إليه سوى آيات القرآن، يطلبون بها أن تكون سدّاً حصيناً وحامياً لأبنائهم، استحضار الآيات القرانية عند كل زواية من زوايا البيت، وعند كل ركن. عند الباب تطالعك ورقة بيضاء كتب فوقها آية قرآنية من سورة يس "وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴿9﴾". تدخل إلى غرفة هادئة، يلفتك عند المرآة قرآناً مفتوحاً على سورة الحديد، وبقرب القرآن الذي وضعت فوقه تُربة حسينية، صورة صغيرة ملتصقة بالمرآة، إنها صورة الشهيد حسن طاهر السميع.
خمسة إخوة في هذا المنزل، يعيشون العذاب والتشرد والاستهداف منذ 2008، والدة المعتقلين الثلاثة في قضية (تفجير الديه) تقول: "منذ ست سنوات وهذا المنزل يُبدّل أبوابه التي يكسرها منتسبو وزارة الداخلية، خمس سنين وأكثر وأبنائي يعتقلون بالمفرد والجمع ويتلقون العذاب تلو العذاب". يربت الزوج المكسور الظهر على روع زوجته، يحاول تهدئتها، قبل أن يسرد لنا معاناة عائلة السميع طوال 6 سنوات وحتى الآن.
الأخوان علي جميل السميع (مواليد 1990)، وعباس جميل السميع (مواليد 1989)، والثالث هو ابن عمتهم طاهر (مواليد 1992).
في العام 2009، ضاقت السلطة بحراك حركة حق في الشارع البحريني، فأعلنت عن قضية الحجيرة، وهي القضية التي اتهم فيها عدد من النشطاء بالسفر لسوريا وتلقي التدريب العسكري هناك. في هذه القضية تم اعتقال ثلاثة من أبناء جميل السميع، وهم علي (كان عمره حينها 18 عاماً)، وعباس (كان عمره 19 عاماً)، كما تم اعتقال شقيق ثالث لهما.
في قضية الحجيرة، تعرض المتهمون لتعذيب شديد وقاس جداً، جعل منظمة دولية مثل منظمة هيومن رايتس ووتش تصدر في فبراير 2010 تقريرها الشهير "التعذيب يُبعث من جديد... إحياء سياسة الإكراه الجسماني أثناء الاستجواب في البحرين".
بعد التعذيب والاعتراف، تم الإفراج عن عباس مع استمرار محاكمته، وظل علي في سجن انفرادي لمدة 6 أشهر ونصف، أخبر الأبناء عائلتهم عن التعذيب الذي تعرضوا له: تعذيب بالصعق بالكهرباء في الأماكن الحساسة، مع التعرية بالكامل وصب الماء البارد، والتوقيف عراة في غرفة باردة، مع الجلد بالأنابيب البلاستيكية (الهوز) بشكل عشوائي. أجساد الأخوة حملت آثار التعذيب لمدة طويلة.
المفارقة أن الإخوة الثلاثة لم يسافروا لسوريا التي تم اتهامهم بتلقي التدريب العسكري فيها، ظل اثنان منهم في السجن، وكان عباس يحضر للمحاكمة من الخارج، حتى اعترفت المحكمة بتقرير طبي مستقل أثبت تعرض المتهمين للتعذيب، تم الإفراج عن الجميع لاحقاً في إطار وساطة وتحركات سياسية. حاول الأخوة بعد الإفراج عنهم البحث عن عمل، لم تقبل أية وزارة حكومية توظيف أي أحد منهم، حتى بعضهم كان يعمل في شركات خاصة فتأتي التدخلات ليجد نفسه عاطلاً مرة أخرى.
لم تطل أنفاس الحرية التي تمتع بها أبناء جميل السميع، ففي أغسطس من العام 2010 هجمت قوات المرتزقة بقيادة جهاز الأمن الوطني على المنزل، وتم اعتقال أربعة من أبنائه، واتهامهم بالتنظيم الانقلابي الذي اتهم به رؤوس حركة حق ونحو 200 مواطن، وهي التهمة التي سأم المواطنون سماعها. اعتقل عباس وعلي وأخوان آخران لهما، وتعرضوا لتعذيب قاس وشرس جداً، وظلوا في السجن ولم يفرج عنهم إلا في يوم الأربعاء 23 فبراير/ شباط 2011 بعد اندلاع ثورة 14 فبراير.
خرج عباس وأخوته الثلاثة من السجن، ليروا الشعب في أكبر ثوراته على الإطلاق، لم يلبثوا سوى 22 يوماً من الحرية، قبل أن تعلن حالة الطوارئ وتبدأ المرحلة المكارثية الأسوأ في تاريخ البحرين، شنت قوات الأمن هجوماً على منزل عائلة السميع، وصار عباس وعلي وأخ ثالث لهما مطاردين منذ ذلك الحين.
جاء ما عرف بقضية ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير، والحكم غيابياً على عباس وأخيه علي بالسجن لمدة خمس سنين لكل منهما، وصار منزلهما مزاراً لزوار الفجر، اقتحامات لا تنتهي، وتكسير للمنزل في كل مرة، وترويع العائلة وأطفالها. وتبقى الآية القرآنية "وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴿9﴾" ملاذهم ورجاهم.
تتحدث والدة عباس وعلي بحرقة الأم، تقول " أولادي مستهدفون منذ سنين، أريد أن أعرف ما الذي يريدونه من أولادي، نحن ربيناهم أحسن تربية، أخلاقهم عالية والكل يشهد لهم من أهالي السنابس، هم صغار والقضايا التي يتهمونهم بها كبيرة، أنا أم أريد وأتمنى لهم السعادة".
وتضيف "أولادي درسوا بشكل جيد ولم يحصلوا على فرصة ليبدأوا حياتهم، أبنائي يعيشون الخوف منذ سنين، علي ولدي لم يتزوج وكل من في مثل عمره تزوجوا".
لكنها حين تتحدث عن ابنها عباس، فإن ألمها يشتد "أما ابني عباس فإنّي أعجز عن وصفه، أخلاق، وأدب، وذوق، وإنجازات في المنطقة، يُدرس الصلاة في المأتم، وله مشاركات في جمعية الذكر الحكيم، عباس جوهرة إنسانية وبلاؤه عظيم"
وتردف "عباس لا يخبر أحدًا أين يعمل لكي لا تتم ملاحقته، كان يعمل دون أن يتم تسجيله رسميا لكي يعيش ويحصل على رزقه، له صلة رحم بأهله، وهو ذو أخلاق وتواصل، فكيف يتم اتهامه بالتفجير؟"
تسكت الأم كأنها تبتلع ريقها، لتعود مجدداً "هذا استهداف وبُغض لأولادي، أناشد وزارة الداخلية وأسألها: لماذا تضع العدواة مع أولادي، أنا لا أتمنى سجن أحد حتى عدوي، هم لم يتركوا أولادي، ولم يكن لأولادي أمان في حياتهم منذ العام 2008".
تتذكر ما جرى " في كل مرة يستهدفوننا ويكسرون باب منزلنا، حتى متى وأنا لا أمن لي في منزلي، كل دول الخليج لا تقبل أولادي ويوقفونهم على الحدود ويحققون معهم، حياتهم مأساة، عباس أصيب بتوتر دائم لدرجة أنه مرض بشدة وكاد أن يموت، وضعه الإنساني غير طبيعي وكذلك وضعنا، دائما يذكرونهم في التحقيقات بعمهم الشهيد حسن طاهر".
تكرر "أولادي لم يعيشوا أصلا حياة طبيعية، كل من في سنّهم تزوجوا وكونوا أُسَرًا بينما هم في دائرة الاستهداف".
تتحدث الأم عن صورة ابنها عباس التي نشرتها له وزارة الداخلية بعد اعتقاله، فتقول "عباس وجهه منتفخ من التعذيب، وبه شحوب وعينه بها ضربة، كلهم الآن انتهوا من التعذيب، وتم إرسالهم لسجن الحوض الجاف، عدا ابني عباس وسامي مشميع، ما زالا في التحقيقات، اتصل عباس بنا اليوم وقال: أنا زين وأنا أحاتيكم ولكن لا تحاتوني، وصمت حين سألناه أين أنت، وقال لنا قبل أن يغلق السماعة: انا معتمد على الله وعليكم".
تتغير نبرة صوتها "بصراحة عباس لم أعرفه حين نشروا صورته لقد تغير وجهه تمامًا، لقد أضروا به، حين رأيت صورته صرخت: هتفت ليت أمي لم تنجبني ولم أنجب أبنائي الذين يتعذبون وهم أبرياء. إن التعذيب ظاهر بشكل واضح على وجه عباس، كيف أستطيع النوم وأبنائي في هذا الحال".
تقول الأم "بعد ساعات فقط من التفجير، تم اعتقال أولادنا في منزل عمهم الساعة 11 ليلًا وفورا سألوا عن عباس".
أحد أقرباء العائلة، واسمه علي حسن الرمل، كان عائدا من السعودية في عصر ذلك اليوم، زار جدته المريضة التي تسكن منزل عم علي وعباس، وجد أولاد خاله هناك يزورون جدتهم أيضاً، بعد جلوسهم هجمت قوات المرتزقة وتم اعتقاله مع علي وعباس، وتم اتهامه في قضية حرق إطارات دون ذنب. لقد كانت زيارة عائلية لجدتهم فهي مريضة جدًا، لهذا السبب كان اعتقال تسعة أفراد من العائلة لأنهم تواجدوا في منزل عمهم الذي طلب منهم عدم الخروج ليلتها لأن الأوضاع مرتبكة في البلد.