أهلاً... قطر
عادل مرزوق - 2014-03-08 - 2:31 م
عادل مرزوق*
تاريخياً، وبحسب أدبيات مؤسسة الحكم في البحرين، ولوائح الاتهام في المحاكم القضائية للمعارضين السياسيين من مختلف تنظيمات قوى المعارضة الوطنية منذ خمسينيات القرن الماضي، تناوبت كل من هذه الدول: مصر، الاتحاد السوفيتي، إيران، قطر، العراق، الولايات المتحدة، بريطانيا، ولبنان (حزب الله)، على دعم المعارضة البحرينية!
اتهامات البحرين لقطر بالتدخل في الشأن الداخلي كانت قد تلاشت بعد ما كان يعتقد أنها "مصالحة تاريخية" بين العائلتين الحاكمتين لتطوي تاريخاً من الأزمات السياسية بين القبيلتين. وعليه، تعود قطر بعد إعلان المنامة (الفزعة) للجارتين السعودية والإمارات عبر سحب سفيرها من الدوحة لتكون من جديد – بحسب السلطة– أحد الداعمين للمعارضة البحرينية.
"آل العبدالله" والحكم "المفقود"
تاريخياً، تستند المنامة في اتهاماتها لقطر بالتدخل في الشأن البحريني على انشقاق جزء من عائلة آل خليفة من أبناء وأحفاد حاكم البحرين الشيخ عبدالله بن احمد آل خليفة (1820 – 1843)(1) ، وتحديداً نجله الشيخ مبارك بن عبدالله بن أحمد آل خليفة الذي كان حاكما للدمام حتى سقوط حكم والده وخروجه من البلاد في إنقلاب داخلي.
ومن أولاد الشيخ مبارك بن عبدالله بن أحمد آل خليفة (محمد بن مبارك – قتل في الدفاع عن جده الشيخ عبدالله بن أحمد) و(ناصر بن مبارك – شارك في غزو البحرين مع الشيخ محمد بن خليفة (2) وسبب إزعاجاً للحكم كما تزوج من الشيخة مريم بنت الشيخ قاسم آل ثاني شيخ الدوحة آنذاك، وكان الشيخ ناصر بن مبارك رئيسا لفرع ( آل العبدالله) من قبيلة آل خليفة (3).
ولا مناص هنا من التوضيح أن مؤسسة الحكم الحالية في البحرين من (آل سلمان) تعتقد بأن أطماع أحفاد (آل العبدالله) في العودة لحكم البحرين لاسترداد مشيخة "الجد الكبير" لا تزال قائمة. خصوصاً وما يشاع من أن اتصالاً قد جرى بين (آل العبدالله) من جهة، وبين المعارضة البحرينية في العاصمة البريطانية (لندن) من جهة اخرى، وذلك إبان الحركة المطلبية في التسعينيات.
مشايخ الخليج: مختلفون!
عوداً على القرار، ليست هذه المرة الأولى التي تكتشف فيها مشيخات مجلس التعاون الخليجي أنها تختلف وتتخالف حول ملفات إقليمية أو دولية. وبالإضافة إلى الخلافات الحدودية التي لا تزال قائمة بين العديد من دول المجلس – ومن ضمنها الدول الثلاث التي قررت سحب سفرائها من الدوحة – لا مفر من الالتفات/الانتباه إلى أن دول المجلس اليوم، لا تتموضع سياسياً واقتصادياً كما كانت إبان انشاء المجلس في مايو 1981. وهو ما يتطلب من هذه الدول الاقرار بأن "الأدوار" لا يجب أن تستمر كما كانت عليه.
على الأرض، لا يبدو أن محتوى البيان المشترك الذي أصدرته كل من السعودية والإمارات والبحرين لتبرير قرار استدعاء السفراء من الدوحة قد أقنع الخليجيين عامة - والبحرينيين خاصة - بمشروعية وجدوى مثل هذا القرار، أو باعتباره (الحل الأخير) الذي لم تجد الدول الثلاث بديلاً عنه.
وبعيداً عن الانشغال بمواقف الدول الأربع حول الملفات "الأزمة": مصر، سوريا، اليمن، إيران، وربما البحرين، سعت ديباجة البيان وعباراته الإنشائية إلى صناعة "تخريجة" لتبرير القرار سياسياً وبما يشمل موضوعة: "الأمن الخليجي المشترك". "تخريجة" كانت أضعف من أن تستثير الرأي العام في دول المجلس لتفهم القرار، والترحيب به.
قطر: اللعب بالغاز
فعلياً، لقد هزت الأحداث الأخيرة دول المنطقة وتحالفاتها التاريخية عديد المرات، وتقلبت المصالح السياسية وفق المعادلات الدولية التي باتت تتغير بشكل متسارع، ولم تكن دول مجلس التعاون الخليجي - يوماً ما - في مأمن من هذه التحولات، وليس ببعيد عن الأذهان الاختلافات التي كانت تطفو على السطح بينها، وليست ممانعة عمان (القاطعة)، والإمارات وقطر والكويت (الخجولة) لإعلان الاتحاد الخليجي ببعيد.
لا يُراد من هذا (الزعم) إصدار صك براءة إلى قطر أو سياساتها/اصطفافاتها في المنطقة، لكن بالتأكيد لم تكن قطر (الوحيدة) التي تعوم بمليارات "الغاز" في معارك الإقليم المستعرة، هنا وهناك. وبالنسبة لدول الخليج العربي، فإن الخيار الأفضل لها، اليوم وغداً، هو تعزيز علاقاتها وتكاملها، لا استدعاء السفراء، أو التلويح بقطع العلاقات.
إخوان البحرين: قطريو الهوى
بحرينياً، لم يجد القرار قبولاً شعبياً أو على الأقل تفهماً لقرار المنامة مشاركة السعودية والإمارات القرار ما خلا أن المنامة (مجبرة) على التوافق مع العاصمتين المعنيتين بمساندتها في تسوية أزمتها الداخلية المستعرة، سياسياً، ومادياً على وجه الخصوص.
ولا ينسحب الرفض الشعبي في البحرين لقرار استدعاء السفير من الدوحة على شارع المعارضة وحسب، بل ويشمل ذلك جزءاً كبيراً من شارع الموالاة، لعدة أسباب، ومنها:
1. نمو تيار الإخوان المسلمين في الشارع السني في البحرين إذ تمتلك الجماعة حصة (وزيرين في الحكومة البحرينية) وكتلة نيابية في مجلس النواب. وتتهم بعض القوى الليبرالية الموالية للحكومة (قطر) بدعم وتمويل لجماعة الإخوان المسلمين في البحرين.
2. التعبئة الإعلامية للحرب الدائرة في سوريا، واعتبار القرار موجهاً لقطر ودعمها للجماعات الإسلامية المتطرفة في الحرب السورية.
3. تسجيل حالات من هجرة العائلات السنية إلى قطر جراء التراجع الاقتصادي في البحرين واستمرار الأزمة السياسية لعامها الرابع دون أفق لحل قريب وازدياد التجنيس السياسي الذي يضرب المناطق السنية بوضوح.
وحقيقة، لم تقدم الصحافة البحرينية (الرسمية) التي تمر بأسوأ فتراتها قراءة حقيقية لفحوى القرار، أو أسباب كون المنامة طرفاً فيه ما خلا ان يكون (فزعة) قبلية للسعودية والإمارات.
قبالة ذلك، كان أكثر ما تداوله البحرينيون في وسائل الإعلام الاجتماعي (تويتر/ الفايس بوك) خلال الأيام الماضية بالإضافة للمساهمة في حملات الإعلام القطري ضد الحكومة البحرينية، هو صورة لمجسم تخيلي لجسر المحبة - الجسر البحري الذي كان من المقرر أن يربط بين البحرين وقطر وتم توقيع مذكرة التفاهم الخاصة بالإنشاء في الدوحة في 27 فبراير 2005 - ممهوراً بعبارة: كان صرحا من خيال فهوى!
*صحافي بحريني.
هوامش:
1. للمزيد من المعلومات حول الشيخ عبدالله بن أحمد يمكنكم مراجعة مقالتنا: عبدالله بن أحمد “الأشقر": محارب لا يمل
2. قد يتساءل البعض عن سبب قتاله مع محمد بن خليفة ضد أبيه عبدالله بن أحمد، والسبب كما هو مذكور أن أبناء عبدالله بن أحمد من زوجته (ال بن علي) هم أول من إنقلبوا على حكم أبيهم.
3. قد يكون أفراد آل خليفة الذين يتولون مناصب عليا في الحكومة القطرية أحفاد ناصر بن مبارك، هذه معلومة تحتاج للتدقيق.