» رأي
أنور الرشيد: دول ممانعة الديمقراطية
أنور الرشيد - 2011-07-13 - 8:31 ص
أنور الرشيد*
المتتبع للساحة الخليجية بشكل خاص والعربية بشكل عام يجد أن الأنظمة كلها دون استثناء تعاني أو أصابتها فوبيا من أيام الجمع، فلو الود ودهم لو أن يلغوا هذا اليوم من الأجندة الأسبوعية لألغوه ، كي يستريحوا من عنائه وإرهاصاته. ما تواجهه اليوم الأنظمة العربية مرحلة تاريخية، وهي مرحلة تتكرر على ما يبدو كل نصف قرن، وكأنها ظاهرة طبيعية، وهم غير قادرين على تخطيها بأقل الخسائر، وغير قادرين على التكيف مع المتغيرات العالمية أو أنهم غير مدركين لهذه التغيرات التي تحدث وما يتطلبه ذلك من align='center'>
استحقاقات يجب أن تدفع، أو أنهم مدركون لمخاطر
هذه المرحلة ولكنهم يقاومونها، وهذا هو الواضح للمراقب اليوم ومن السهولة بمكان أن يلحظ المراقب بأن رأس حربة مواجهة تلك المتغيرات هي الأنظمة الخليجية كلها، وإيران وإسرائيل على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
هذه هي الحقيقة التي يجب أن نناقشها ونفندها ونكشف أسرارها، لماذا دول الخليج؟ دول الخليج أنظمة أسرية حكمت منذ سنوات طويلة هذه المجتمعات ولم تبدأ حركة تطوريها إلا في الخمسين سنة الماضية فقط، رغم أن النفط اكتشف منذ سنوات قبل ذلك ولكن الهزة الثورية التي اجتاحت المنطقة العربية أبان فترة خمسينيات القرن الماضي حتمت عليها أن تقدم بعض
التنازلات لشعوبها لكي لا تثور عليها وقدمت بعض التنازلات، بعضها على شكل دساتير مثل الكويت والبحرين، وبعضها أنشأ المدارس والمدن والمستشفيات والطرق كنقلة نوعية كان لابد منها، والبعض فضل المواجه العسكرية كما حصل في ظفار. أما الإمارات وقطر فكانت بهما حركة نضال سلمي تطالب بمواكبة الأحداث أي أن هناك تاريخا للحراك الشعبي ولكن لم يتمخض عنه دستور مثلا أو نهضة عمرانية لفقر تلك الدول بذلك الوقت وقلة عدد المواطنين أيضا وانعزالهم عن بقية المجتمعات بعض الشيء.
align='center'>
align='center'>
كان يجب أن يكون، و الأسرة المالكة البحرينية التي تعاني حتى اليوم من تجربة دستور 1973الذي تم توقيف العمل به مع حل البرلمان في 1975، ما زال صراعها مستمرا مع من يطالبون بإعادة خطوة التجربة الديمقراطية، وسوف يستمر ولن يتوقف، فهذه هي حركة التاريخ يمكن أن تتوقف بعض الوقت ولكنها لا تتوقف كل الوقت.
إذن ما هي الإستراتيجية الجميلة والحلوة والرقيقة التي يمكن اتباعها، ليستفيد الجميع إن كان هناك من يريد للجميع الاستفادة؟ المنطق يقول اليوم وهو سيد الموقف بهذه الظروف أن مواكبة مستجدات العصر ومتطلبات التحضر تحتم أن تقدم بعض التنازلات. أنا أدرك أن عقلية ومنطق المشيخة يصعب عليها أن تتقبل مساواتها مع بقية خلق الله، فهي عقلية ترى بأنها هي الراعي وهؤلاء ما هم إلا رعية أنا الذي أعطيها وأنا الذي أمنع عنها، هذا هو واقع تلك الأسر الخليجية الحاكمة، فعقلية المشيخة تنظر للمواطنين على أنهم رعايا وعليهم السمع والطاعة فقط، فنحن من يعطي ونحن من يأخذ وتتطور تلك العقلية بالسمو والتحليق بفضاء الأنا وتقول بين دواخلها?: ?من هذا الذي سيحاسبني غدا في ما يسمى برلمان، لماذا عملت هذا؟ولماذا لم تعمل ذلك؟ وأين الخطط المستقبلية؟ وأين الميزانيات المليارية؟ وكيف تم صرفها؟ وعلى ماذا تم صرفها؟ وووو إلخ.
دعوني أسرد لكم حادثتين بتاريخ الحياة البرلمانية الكويتية، لكي تعطينا صورة أوضح عن تفكير المشيخة، الحادثة الأولي هي عندما كان يدخل أعضاء الحكومة وجلهم من أبناء الأسرة الحاكمة كان أعضاء البرلمان يقبلون رؤوسهم تحت قبة البرلمان، وأحتج على ذلك بعض أعضاء البرلمان المتعلمين منهم الدكتور أحمد الخطيب بحجة أنه ما يجب على أعضاء البرلمان أن يقوموا بهذا التصرف أمام الصحافة ووسائل الإعلام والسلك الدبلوماسي الذي يحضر الجلسات وبالفعل من يومها تغير الحال ولم يعد هذا الأمر إلى ما كانت عليه الأمور.
والحادثة التاريخية الثانية التي حدثت بالكويت في بداية عمل البرلمان في فترة الستينيات، علها تكون حالة أو عينة من هذه العقلية المشيخية السائدة بالخليج، فقد أراد بذلك الحين نواب البرلمان أن يمارسوا دورهم كنواب في البرلمان اتجاه أعضاء الحكومة، ومعظمهم من أبناء الأسرة الحاكمة من خلال توجيه الأسئلة البرلمانية لهم. كانت مجرد أسئلة وليس استجوابا احتجوا على ذلك ورفعوا احتجاجهم إلى سمو الأمير الراحل عبد الله السالم، فقال?: ?لهم من يريد أن يعمل وفق القانون والدستور يستمر ومن لا يعجبه ذلك يقدم استقالته، وبالفعل قدموا استقالتهم.
لم تستطع عقلية المشيخة أن تستوعب آن ذلك التعامل مع القانون والدستور، وهذه العقلية على مستوى الكويت استمرت منذ إقرار الدستور عام 1962 حتى عام 1986 عندما ارتقى الأداء البرلماني بتقديم استجواب لأحد أفراد الأسرة الحاكمة الكويتية، لم تتحمل في حينها الأسرة الحاكمة ذلك وفضلت ال تجاوز على الدستور والقانون، على أن يستجوب أحد أبنائها، هكذا وبكل بساطة، هذه هي العقلية المشيخية التي ترفض التغيرات والتطورات.
قد يكون الأمر بذلك التاريخ والوضع المجتمعي، لم يسمح بأكثر مما تحقق لبساطة المجتمعات الخليجية وفقرها وانعدام المتعلمين بها وطغيان البدوية على الحضرية، فهناك إرث مجتمعي يدعوك للخضوع الطوعي لرئيس القبيلة أو كبير العائلة، ولكننا اليوم في وضع مختلف كليا عن فترة خمسينيات القرن الماضي التي لم يوجد بها لا أطباء ولا مهندسين ولا خريجي جامعات إلا ما ندر ولكننا اليوم في وضع آخر، فعدد خريجي الجامعات بمئات الألوف إن لم يكن بالملاين والأطباء والمهندسين وأكاديميين بمئات الألوف، وبعضهم قدموا من دول الغرب بعلمهم وثقافتهم نتيجة للاحتكاك المباشر، ناهيك عن تلك التكنولوجيا التي قلبت الأوضاع رأسا على عقب، حتى الشاب المصري والتونسي والليبي واليميني والسوري الذي تربى في حضن الثورجية العربية ينتفض اليوم على ثورات الأمس، أي على الثورات العربية التي سيطرت على الذهنية والعقلية العربية أبان المد الثوري.
align='center'>
align='center'>
align='center'>
المجتمعات التي ثارت بالأمس تعيد إنتاج نفسها بشكل آخر، وهذه هي سنة الحياة والمجتمع الإنساني حين لا أن لم يتطور تصيبه الشيخوخة ومن ثم الهزل ومن ثم الموت، هذه هي طبيعة الحياة لذا نجد أن دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية تقف اليوم نفس الموقف الذي وقفته أبان فترة خمسينيات القرن الماضي عندما ثارت الشعوب على أنظمتها وهذا خطأ
ستكون عواقبه وخيمة بكل المقاييس، فالخوف من أن تنتقل هذه الثورات التي أنتجتها ظروف القمع والاستبداد والقهر والفقر إلى المجتمعات الخليجية، هو خوف حقيقي تشعر به الأسر الحاكمة الخليجية بمقادير مختلفة كل حسب ظروفه وإمكانياته، لذا فإن وقوفها كرأس حربة ضد التغيرات الحاصلة على مستوى المنطقة له ما يبرره من وجهة نظرهم.
align='center'>align='center'>align='center'>
أما الموقف الإسرائيلي الذي يرتجف أيضا من هذه التغيرات التي تحصل بالمنطقة، فهو راجع لسبب بسيط وهو عدم وضوح الرؤية لما بعد انتهاء العمر الافتراضي لهذه الأنظمة وخير دليل على ذلك هو موقف السفير الأمريكي الذي زار حماه مؤخرا والتقى بعدد من الشخصيات وتسائل عن موقفهم اتجاه إسرائيل، فإسرائيل مرتاحة بالتعامل مع نظام البعث الذي يلعب لعبة دبلوماسية واستقرت أركانه بمفاصل الجمهورية السورية والذي تدعمه إيران، بشكل علني وواضح و بشكل غير واضح دول الخليج من خلال صمتها وسكوتها عن المجازر التي يرتكبها نظام البعث، وأهم شيء بالنسبة لإسرائيل هو سيطرته على الحدود الفاصلة بينها وبين سوريا الجولان تحديدا، لذا فالتغير بسوريا كما حصل بمصر وتونس سيكون ضغطا إضافيا على الضغوط التي حصلت بالسابق على إسرائيل وعلى بقية الأنظمة التي لم تتغير منذ أمد طويل.
والتغير بالأنظمة العربية سينتج عنه تعقيدات إضافية على إسرائيل، هي بغنى عنها فالأنظمة الحالية تعرفها جيدا وتعرف طريقة التعامل معها، إذن نحن أمام حالة جديدة وتاريخ جديد يكتب اليوم بالمنطقة، تاريخ يفصل بين حقبتين حقبة استقرار قسري مصطنع جاء على حساب كرامة الشعوب وعلى استبداد وتسلط وقهر وحقبة لا يعرف أحد أين سترسو بها مراكب الشعوب التواقة للحرية والديمقراطية والكرامة وحقوق الإنسان ودولة القانون ودولة المؤسسات، و بلا شك فإن النهاية الحتمية والمؤكدة أن ترسو مراكب هذه المجتمعات وأنظمتها المعارضة والمناوئة للتغيرات التي تحدث بالمنطقة اليوم على شواطئ الديمقراطية ودولة القانون وما نشاهده اليوم، ما هو إلا مقاومة لوصول هذه المجتمعات للديمقراطية الحقيقية.
Zwayd2007@gmail.com
*الأمين العام لمنتدى مؤسسات المجتمع المدني الخليجي
**ينشر المقال بالتزامن في منتدى حوار الخليج وصحيفة مرآة البحرين.