» رأي
منْ يصدّق وزير الدّاخلية؟
نادر المتروك - 2011-07-09 - 7:59 ص
نادر المتروك*
منذ أنّ ظهر السيد شريف بسيوني، رئيس لجنة تقصّي الحقائق، ووزارة الدّاخلية تحاول جاهدةً أن تلبس قناعا غير معتادة عليه. عقب خطاب عاهل البلاد الذي أعلن فيه عن تشكيل اللّجنة، وما عبّر عنه الخطابُ – شكليا – من رغبةٍ في عبور الأزمة، شاهدنا وزير الدّاخلية وهو يسعى ساعيا لأنْ يكون أوّل الوزراء استعدادا للتغيير وتقديم العوْن والمساندة. أعلنت الوزارةُ بيانا "إصلاحيا" والسّماح لحرية التعبير والتظاهر، واستضاف الوزيرُ في اليوم التالي السيدَ بسيوني، وبعدها التقى بمنظمات دولية ومنها وفد الصليب الأحمر. وخلال هذه اللقاءات أكّدت الوزارة حرْصها على التّعامل الإنساني مع التظاهرات، مؤكدةً أنّها تلتزم بالمعايير الدّوليّة في ذلك، ولن تحيد عن ذلك يوما.
هل صدّق أحدكم؟
المشكلة أنّ وزارة الدّاخلية لا تسمح لأحد لأنْ يُبدي حُسن النية في أقوالها. فأفعالها العاجلة تنسفُ كلّ قوْل وبيان. بالنسبة لي، أجدُ الأمر منطقيا. قبل عام، عندما اندلعت الأزمة في أغسطس الماضي، ودخلنا جميعا في غموض قاتم، وتعدّدت الآراء في استيعاب ما يجري، اقترحتُ اسم "عادل فليفل" لكي تتضح الصّورة الكاملة للأحداث**. كانت أياديه واضحة على السياسة الأمنية التي اتبعتها السلطة مع متهمي "خلية" أغسطس. كان سهلا إدراك أنّ وزارة الداخلية دخلت مرحلة جديدة في التعاطي مع المعتقلين السياسيين، وهو ما تأكّد لاحقا حينما انكشفت بعض "الإجراءات" المتبعة معهم داخل الطوامير. أظنّ أنّ كثيرين يتفقون أن العقيد المتقاعد، الفار سابقاً، هو مستشار السياسات الضّاربة للنّظام العسكري الحاكم، كما أن أفكاره حول "تدريب الأهالي" لاقت ترحيبا من المشير الرّكن، ولم يتأخر الأخيرُ في تطبيقها على أرض الواقع. اليوم، أعيدُ اقتراحي، وبنفس العنوان: "ابحثوا عن عادل فليفل".
عربيا، لا أحد يصدّق وزارة داخلية بلده. إنها الوزارة الأكثر بشاعة في متخيّل النّاس. وهي لذلك تصلح لأنْ تكون مؤشرا على طبيعة المجريات. يُمكن أن يُقاس عقْلُ المرء ومستواه العاطفي بحسب رأيه في وزارة داخليّة بلاده وأجهزتها الأمنيّة. لا يحتاج أحدنا لأنْ يُنقّب كثيرا حول أيّ شخص أو طرف، فبمجرد أن يستطلع رأيه في الجهاز الأمني سيكتشف منْ يكون فعلا. قلْ لي رأيك في وزارة داخليتّك، أخْبرك منْ تكون.
البحرين جزءٌ من هذه الحقيقة. سيرةُ داخليّتنا لا تبعث على الفخر والرّاحة، وهي سببُ كثيرٍ من أحزاننا وأوجاعنا. لم تنفع معها "المعالجات" التصحيحية التي قيل إنها أخذت بها قبل عشر سنوات ماضية. الوزارةُ ليست مفتوحة للمواطنين. إنّها الوزارة الأكثر استقطابا للأجانب وحبّا للأغراب. الاقترابُ منها يُدْخِل في النّفس مشاعرُ متضاربة، ليس منها الشّعور بالأمان والاطمئنان. الاستدعاءُ إليها يتطلّب اجتماعا عاجلا مع الأهل وتبادُل كلمات الوداع. إنها المكان الوحيد الذي قد يخرجُ منه المرء إلى المقبرة مباشرة مضرّجا بدمائه، ومن غير أن تُعرف الأسباب. والقتلة مجهولون طبعا. المؤسسة الأمنيّة هي أكثر الجهات الرسمية جهْرا بمخالفة عاهل البلاد حينما يظهرُ في الإعلام راغباً في خطابات الودّ والتّسامح والحريات العامة، ولكنها – في المقابل - الوزارة الأشد قربا من الحُكم والمفضّلة لديه، في الميزانية، وفي الولاء، وأشياء أخرى.
وزارة على هذه الشاكلة، ستكون محفّزا للسيد بسيوني ولا شك. لجنة التقصّي ستجد نفسها مدعوّة لاكتشاف سياسات غير مسبوقة في الرّدع والعقاب، كما أنّها قد تتفاجأ عندما تجد أنّ المسئولين لا علم لهم بما يجري، وتسمع منهم كلاما على نحو: "الشرطة ملتزمة بالمعايير الدولية في التعامل مع الموقوفين". فلا تتعجّبوا، والحال هذه، حين يُقال أن كريم فخراوي، وعلي صقر، والعشيري، والحجيري.. قضوا بسبب خلل في "الجهاز الآلي" لوزارة الداخلية!
*كاتب بحريني
** البحرين الحائرة.. ابحثوا عن عادل فليفل http://naderalmatrook.blogspot.com/2010/09/blog-post_25.html قبل عام، أو أكثر، عاد الضّابط السّابق عادل فليفل إلى العلن، ومن بوابة السّياسة، والمذهب. أسّس، بصحبة مجموعة من الأمنيين والعسكر، جمعية سياسيّة ذات انتماء ديني متطرّف مذهبيّاً. بقليل من التدقيق؛ يتّضح أن المراحل غير المرئيّة لعودة فليفل اقترنت بتأزّمات عارمة، اختلطت هذه المرّة بمزيدٍ من الاحتقان الطائفي. الذين تابعوا (المخيّم الشّبابي) الذي كان يُحاضِر فيه فليفل؛ يلمسون بوضوح لا لُبس فيه أنّ ثمّة خيطاً – رفيعاً أو شديداً.. لا يهمّ – بين العقيد السّابق والكرّة الناريّة التي انفجرت مؤخراً. اختفاء فليفل، أو عدم استمراره في لعبة الظّهور يطرح العديد من الأسئلة، ومن الأفضل عدم اعتبارها غارقة في الخيال أو نظريّة المؤامرة. في الأحوال التي يكون فيها الجميع غارقون في تخيّل الأوهام، لابدّ أن الحقيقة ستكون جاثمة علينا.. جميعاً. الخيوط المتحرّكة في بروفايل فليفل هي: تكتيك الترشّح للانتخابات، إذكاء التأجيج الطائفي، إسكات الأصوات تدريجيّاً، استدعاء الأدوات "التقليديّة" في التحقيق والتعذيب، وأخيراً الاحتفاليّة الموجّهة التي روّجت له قبل عام واعتبرته بطلاً تحتاج إليه البلاد للتصدّي للأعداء. ظهر فليفل راعياً لحملات العمرة. راعياً للزّواج الجماعي. راعياً للجيل الناشيء. في كلّ ذلك، كان يتحرّك خلف السّتار واللّوحات الإعلانيّة في الشّوارع. وبنفس المعادلة؛ يُراد له، بوصفه الشّخصي والرّمزي، أن يكون راعياً لمرحلة العودة إلى السّاحة التي سجّل بطولاته فيها. فما أحوجهم لرجلٍ مثله! ومنْ يفعلها غيره!؟