ياسر الحجيري: «يهوذا الإسخريوطي» الذي باع دم الشهيد عبدالرسول!
2014-02-02 - 1:26 م
مرآة البحرين (خاص): بحسب الأناجيل القانونية التي يؤمن بها أتباع الديانة المسيحية، فإن يهوذا الإسخريوطي هو التلميذ الذي خان يسوع وسلمه لليهود مقابل ثلاثين قطعة فضة. ومنذ ذلك الحين بات لقب الإسخريوطي يدل على من باع مبدأ أو قضية عادلة مقابل المال. هذه المقدمة المختصرة يمكن من خلالها الدخول إلى قصة ياسر حجيري.
ياسر حجيري شاب من منطقة بوري، في أواخر الثلاثينات من العمر يعمل في شركة «ألبا»، وهو ابن عم الشهيد عبدالرسول الحجيري.
حين ذهب عمال شركة «ألبا» إلى دوار اللؤلؤة لدعم المطالب الشعبية، كان هو في مسرحية اسمها حوار ناصر بن حمد مع الشباب، حينها ألقى ياسر حجيري كلمة مسجلة بالفيديو عن مطالب الشباب أمام نجل الملك.
كانت كلمته عن العاطلين مُطعمة بكلمات ممسرحة مثل «التغيير السياسي». وكان دوره في المسرحية، هو «دور البحراني المشارك والمتفاعل مع حوار ناصر».
كان هذا أول تناقض ظاهر له مع موقف عمال «ألبا» الذين أعلنوا كما غيرهم تأييدهم للمطالب الشعبية، بل أن علي البنعلي رئيس النقابة، طالب حينها في كلمة النقابة في خيمة المنتدى السياسي الخاص باعتصام دوار اللؤلوة برجوع العائلة الحاكمة الى الزبارة.
ظل «البنعلي» لايفارقه
ياسر حجيري كان يلعب على الحبال ويمد خيوطه، وربما كان منذ البداية «أذنا» للنظام. قبل فرض قانون الطواريء، كان يحضر مع البنعلي اجتماعاته مع الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين. وحسب شريط فيديو للاجتماع الأول، أعلن البنعلي تسوية خلافه مع الاتحاد، ممتدحاً قيادة سلمان المحفوظ كأمين عام للاتحاد، ومثنياً عمق الرؤية التي ينطلق منها الاتحاد.
كان واضحاً حضور حجيري مع البنعلي كساعد أيمن له. في أحد الاجتماعات مع أمانة الاتحاد العام للنقابات وهو موثق بالفيديو، يظهر البنعلي وهو يعرض المشكلات على سلمان المحفوظ، وكان على يمينه ياسر حجيري يكتب كل ما يدور في الاجتماع.
كان هناك تناقض خفي لم يلحظه أحد حينها، ياسر حجيري زميل البنعلي وظله الذي لا يفارقه، يمد خيوطه مع نجل الملك ناصر بن حمد، بينما البنعلي يطالب في الدوار برحيل العائلة الحاكمة، بل كان هو أول شخص من صف القيادات النقابية يطالب بذلك!
بعد فرض قانون الطواريء، صار البنعلي وياسر حجيري عضوين في لجان التحقيق وفصل العمال في شركة ألبا، انقلبا تماماً وبشكل علني، باعا كل ما يملكانه من معلومات، وباعا كل زملاء العمر في العمل. كان يجلس في اللجان صامتاً، لكنه كان غير معارض لأي قرار يصدر ضد رفاقه العمال الذين تم فصل أكثر من 500 عامل منهم من الشركة، وبات مستقبلهم وعوائلهم في مهب الريح.
امتهن حجيري النفاق والتسلق، وحاول الاستفادة من وضعه كموالي، ففي عز الهجمة الطائفية ضد العمال الشيعة وفصلهم، وافق على فصل زملائه، لكنه قام بتوظيف اثنين من إخوته في الشركة في عز أزمة الفصل.
حيلة القذر: لا يحق لهم الترشح
كان لحجيري دور بارز في تغييب الإرادة العمالية قبل ثورة 14 فبراير/ شباط، ففي نهاية عام 2011 كان حجيري من دعاة عدم مشاركة العمال المفصولين في النقابة، ولكن جرت في الإعلام مواقف شديدة ضد هذا الموقف خصوصا من قبل الاتحاد العام للنقابات. بعدها قاد حجيري الدعوة لأمر مضلل إذ قال إنه يحق لعمال «ألبا» المفصولين التصويت في انتخابات النقابة، لكنه لا يحق لهم الترشح، وهذا الموقف كان موقفاً ظالماً جداً لزملائه حيث ساهم هذا الأمر في تفرد البنعلي وجوقته بمقاليد أكبر نقابة عمالية في البحرين.
في النهاية جرت انتخابات النقابة وتم وضع صندوق خاص لتصويت المفصولين في إحدى الغرف، ولم يتم إعلام المفصولين بمكان الصندوق، لذلك عند نهاية يوم الانتخابات لم تكن هناك حتى ورقة واحدة في الصندوق المخصص لتصويت العمال المفصولين من شركة «ألبا»، هكذا تفرد البنعلي وحجيري بالنقابة.
كانت هناك دعوة بين العمال الذين لم يُفصلوا إلى مقاطعة انتخابات النقابة، فقام البنعلي وزمرته بوضع سلاسل حديدية تحدد مرور العمال الداخلين للشركة لتمر بهم «إجبارياً» بصناديق الانتخابات ليقوموا بالتصويت. ونكاية بالبنعلي صوت العمال لحجيري لعله يكون أحنّ من البنعلي ولكن هيهات!
نعم، حصل حجيري على أعلى عدد أصوات في تلك الانتخابات بينما كان كان ترتيب البنعلي الثامن من حيث عدد الأصوات من أصل 15 فائزاً يشكلون مجلس إدارة النقابة. فقد حصل ياسر حجيري على ألف و530 صوتاً، بينما حصل البنعلي على ألف و371 صوتاً، وذلك بحضور ألفين و553 من عدد أعضاء النقابة، وهو حضور يشكل نسبة 75 في المئة من عدد الأعضاء. كانت الرغبة واضحة في إبعاد البنعلي، رغم المسارات الإجبارية التي وضعت للعمال لكي يمروا على صناديق الاقتراع ويصوتوا.
قصة سحب بيان «بوري»
وقف حجيري سنداً للبنعلي في كل ظلمه، كان حجيري يتوقع أن البنعلي سيسمح له بترؤس النقابة لكنه كان حالماً. أراد البنعلي الرئاسة ولم يتركها، فتنازل له حجيري. وهذا الأمر فاجأ الجميع، حتى أن أفراداً من عائلة الحجيري انتقدوا ياسر على هذا الموقف، لقد أضاع ياسر فرصة أن يكون صوتاً للعمال ومنح الأمر لمن لا يستحق وهو علي البنعلي، لقد كان «إسخريوطياً» بامتياز وباع كل الأصوات والثقة التي حصل عليها.
ياسر تعرض لانتقادات واسعة من عائلته وزملائه، بل أن شبكة «بوري» الإعلامية أصدرت حينها بياناً قاسياً ضد ياسر حجيري، لكنها عادت وسحبته خوفاً من الإساءة لعائلة الحجيري، وهي عائلة محترمة معروفة وقدمت شهيداً عزيزاً للوطن.
ياسر حجيري كان يرد على تلك الانتقادات بطريقة تافهة من نوع «هذا موقفي الشخصي». كان يبرر لنفسه المشاركة والموافقة على قطع رزق أكثر من 500 عامل في «ألبا»، وفي تسليم النقابة لعلي البنعلي، وفي الصمت أمام التمييز الطائفي البغيض بل استفاد من موقفه ووظف أخوين له.
حجيري صار أمين سر النقابة، هو من يدعو للاجتماعات، وهو من يكتب محاضر النقابة. تولى ياسر تزوير الإرادة العمالية في شركة «ألبا»، قاد مع البنعلي أكبر عملية انشقاق في الحركة العمالية البحرينية. إذ دعوا إلى اجتماع في نادي «ألبا» من أجل انسحاب نقابة «ألبا» من عضوية الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين. كان الاجتماع بحضور شرطة داخل الاجتماع ولم يكتمل النصاب، واعترض عدد من العمال الحاضرين الذين طالبوا بعقد اجتماع آخر مكتمل النصاب.
قوات أمنية للمفصولين
فوجيء جميع العمال بعد أكثر من أسبوع بأن البنعلي وحجيري رتبوا لاجتماع آخر داخل مقر الشركة، بدون حضور العمال المفصولين الذين لم يكن مسموحاً لهم الدخول للشركة. وحين حاول بعضهم الوقوف أمام باب الشركة تم إحضار قوات أمنية لهم.
تم التصويت في الاجتماع بعدم الانسحاب من عضوية الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، وفشلت جهود البنعلي وزمرته من أمثال حجيري، حيث حضر هذا الاجتماع نحو 700 عامل.
إلا أن البنعلي اصر على مواصلة مخططه، وقام وزمرته بالتخطيط لعقد جمعية عمومية ثالثة داخل الشركة بعد بضعة أيام، وتمت ترتيبات لنصب خيام داخل الشركة لأجل هذا الغرض. لاحظ العمال ذلك وحينما سألوا عما يجري، ولم يكن أعضاء الأمانة العامة للنقابة يردون على اتصالات أعضاء النقابة من العمال الذين تسرب لهم خبر انعقاد جمعية عمومية بشكل مفاجيء بتخطيط من البنعلي ورفاقه.
بادر العمال المفصولون للحضور أمام الشركة فتم منعهم من الدخول. وهو أمر تم توثيقه بالفيديو.
وعقد البنعلي جمعيته العمومية بحضور العمال الموالين للنظام فقط الذين تم إحضارهم بباصات خاصة، وقام حراس الأمن الخاصون بالشركة بمنع العمال المعارضين من الدخول لاجتماع الجمعية العمومية السرية. كان ذلك تدخلاً سافراً من الشركة، وكان الاجتماع باطلاً بلا ريب، لكن أمين سر النقابة ياسر حجيري لم يشر في المحضر إلى ذلك، فهو أصلاً لم يعلن للعمال عن وجود اجتماع للجمعية العمومية ويدعوهم للحضور للاجتماع.
حجيري اعتبرها في تقريره، جمعية عمومية قانونية مكتملة الشروط، وياسر حجيري هو نفسه إعلن بعد ساعتين فقط من ذلك الاجتماع بأن الجمعية العمومية فوضت رئيس النقابة علي البنعلي في اتخاذ قرار بالانسحاب أو عدم الانسحاب من عضوية الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين.
لقد زور حجيري وخان أمانته، وسهّل تزوير إرادة العمال في أكبر نقابة عمالية في البحرين. وأصدر عمال «ألبا» بياناً يرفضون فيه تفويض البنعلي.
تهديد: اسحبوا توقيعاتكم
دشّن العمال المعترضون على القرار الخطير عريضة، وقع عليها أكثر من ألف و200 عامل، ضد قرار الجمعية العمومية بتفويض البنعلي وضد قانونية الاجتماع أصلاً. كما رفع بعض العمال المعترضين على تفويض البنعلي قضية أمام القضاء المستعجل، ببطلان الجمعية العمومية وكافة قرارتها، فقام ياسر حجيري بالاتصال بالعمال الموقعين على العريضة، واستدعاهم للحضور إلى مقر النقابة.
وقام حجيري وزميله باسم كويتان وحبيب عبدالجليل دشتي وعبدالله المعراج (الأربعة أعضاء شيعة)، بتهديد العمال الموقعين على العريضة بالانسحاب معهم، والقول لهم بأنكم بتوقيعكم على العريضة تعلنون حرباً مفتوحة على النقابة.
بعدها انتقل حجيري مع البنعلي إلى مستوى أكثر انحطاطاً في ضرب الحركة العمالية، وذلك من خلال مشاركته في تأسيس اتحاد عمالي جديد تحت مسمّى الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين، وهو اتحاد حكومي مائة بالمئة وقف ولا زال يقف ضد عملية إرجاع العمال المفصولين، ويعمل على تزوير الإرادة العمالية.
وكعادة أي شخص قبل أن يكون أداة، فقد جرت رياح التحالفات داخل الاتحاد العمالي الجديد الذي سيطر عليه تيارا السلف والإخوان، فتم إخراج حجيري من أي دور مهم في هذا الاتحاد، ولم يتم تزكيته في إدارة الاتحاد الجديد، حتى أن البنعلي لم يصل لرئاسة هذا الاتحاد، واكتفى السلف والإخوان بإعطائه منصب مسؤول العلاقات الخارجية.
رغم إبعاده عن أي منصب في الاتحاد الحر للنقابات، فقد ذهب حجيري بمعية البنعلي وآخرين، إلى مصر للترويج للاتحاد الحر ودعوة النقابين هناك لحضور المؤتمر التأسيسي للاتحاد.
المثير في الأمر، أن حجيري والبنعلي ومن معهم ذهبوا للبنان والتقوا باتحاد «الوفاء» المحسوب على حزب الله، وذلك للحصول على دعم وتأييد لإنشاء الاتحاد الذي تقوده الأصالة السلفية، والمنبر الإسلامي الجناح الإخواني في البحرين، اللذان يوغلان في اتهام حزب الله بالتدخل في شؤون البحرين.
نصف مليون دينار من جيوب العمال
حجيري لم يتأثر بإبعاده عن أي منصب في الاتحاد الحر، بل ظل حريصاً على الاستمرار في درب التسلق والنفاق، فقد دعم حجيري نموذج تسوية مذلة ومجحفة تماما عرضتها وزارة العمل على العمال المفصولين، وقال حجيري «لا يوجد بها (التسوية) أي شيء».
نقابة «ألبا» باتت مجالاً للتربح والسرقة العلنية، فهي تعتبر أكبر نقابة في البحرين ترفع رسوم العضوية. فقد قفزت رسوم العضوية من دينار واحد شهريا إلى 13 ديناراً، مع الإشارة المهمة إلى عدد أعضاء نقابة «ألبا» في نهاية 2012، حيث بلغوا ألفين و660 عضواً. بملاحظة أن العامل في «ألبا» يستلم 13 راتباً سنوياً، وإذا دفع كل عضو 13 ديناراً، فإن المبلغ يصل الى 34 ألفا و580 ديناراً شهرياً، وهو ما يعني أن رسوم العضوية تدخل على نقابة «ألبا» سنوياً حوالي 449 ألفا و54 دينارا، أي نصف مليون دينار تقريباً!
تستقطع إدارة الشركة الآن بشكل تلقائي من كل عمال «ألبا» مبلغ 13 ديناراً شهرياً، حتى من غير المنتمين للنقابة.
حاول بعض العمال إيصال شكواهم، بأنهم ليسوا أعضاء في النقابة الأولى التي يرأسها البنعلي، لكن قسم الحسابات رد بأن «لدينا أمراً من البنعلي بالاستقطاع من كل موظفي الشركة».
ياسر حجيري أقر رفع رسوم العضوية بهذه الدرجة الكبيرة، في جمعية عمومية عادية، وهو الأمر المخالف للقانون الذي يفرض ألا يُقر رفع رسوم العضوية إلا بحضور ثلثي أعضاء الجمعية العمومية. وهو الأمر الذي لم يحصل، فقد أقر رفع الرسوم في جمعية عمومية لم يحضرها 200 عاملا. باع الحجيري ضميره وقبل بالتزوير، خصوصاً وأنه كأمين سر لم يبلغ كل أعضاء النقابة بهذه الجمعية العمومية التي رفعت فيها الرسوم بهذه الطريقة وبهذه النسبة.
الجدير بالذكر أن ياسر حجيري، باسم كويتان، حبيب عبدالجليل دشتي، وعبدالله المعراج، هم ممن مالئوا البنعلي، لذا فهم لم يعودوا موظفين أو عمالاً عاديين في الشركة.
هناك في قرية بوري، حيث قبر الشهيد عبدالرسول الحجيري، يتلو شبان مطلع قصيدة أمل دنقل «لا تصالح ولو منحوك الذهب». لكن الحجيري ياسر لديه رأي آخر. إنه يهوذا الإسخريوطي!