» رأي
سنة الحوار
أنور الرشيد - 2011-07-06 - 10:58 ص
أنور الرشيد*
أعتدنا بالثقافة الكويتية وتاريخها أن نسمي السنوات بأحداثها، مثلا لدينا سنة أسمينها سنة الطفحة وهي كلمة مستمدة من طفح أي فاض نسبة إلى غزارة اللؤلؤ الذي حصد بتلك السنة، وسنة الهدامة وهي السنة التي تهدمت بها البيوت نتيجة لغزارة المطر الذي هطل على الكويت، وسنة الدبا وهي السنة التي غزا بها الجراد الأراضي الكويتية وأكل الأخضر واليابس، وعلى هذا القياس ونتيجة لأن الفرد هو نتاج بيئته الثقافية، فيحق لي أن أسمي هذه السنة بسنة الحوار، فأينما تيمم وجهك وتشنف أذنك لسماع الأخبار إلا وكلمة حوار تترادف مع الخبر الذي يتقاطر عليك من كل حد وصوب ويأتيك من كل فج عميق.
المفارقة العجيبة التي سمعتها اليوم وأنا كعادتي أستمع إلى الأخبار البائسة التي تردنا من مختلف الأقطار العربية وفق القاعدة البعثية التي تستخدم مفردة قطر عربي ذي الرسالة الخالدة، ولا هي رسالة خالدة ولا هم يحزنون، لا بل هم يحزنون أقرب إلى الواقع، كنت أتمنى في يوم من الأيام أن أسمع كلمة ابتكر أو اخترع أو أنتج أو اكتشف، ولكن كل ما نسمعه من أخبارنا العربية والإسلامية مفردات أصبحت مرادفة لكل أخبار العالم، فكلمة فجر و فخخ وحزام ناسف واغتال وأختطف وعبوة ناسفة ووو...الخ لا تسمعها إلا وهي منطلقة من ساحتنا العربية الأبية وأخيرا وصلنا والحمد الله بعد عناء شديد ودفع من المجتمع الحضاري ارتقينا قليلا، وأصبحنا نسمع كلمة حوار تنطلق من كل قطر هذه السنة، حتى أخينا معمر القذافي يطالب بالحوار مع المعارضة، وآخر مصطلح سمعته و أضحكني حتى أن رجلي لم تتحمل وقوفي واستلقيت على ظهري ضاحكا حتى إني شعرت بألم بعضلات بطني، الدعوة التي تقول دعوا الديمقراطية تنبع من الداخل بعد أن استهلك مصطلح دعوا التغير ينبع من الداخل، وعندما نبعت دعوة التغير من الداخل أُتهمت هذه الدعوة بأنها مرسلة من الخارج، شي من الصهاينة وشي من الأمريكان والأوربيين الكفرة وشي من إيران المجوسية وشي من القاعدة وشي من الإسلاميين المتطرفين الذين سيختطفون align='center'></table>
</p>وشي من الشيعة وشي من المتطرفين السنة، وخذ عندك كل ما يخطر على البال من مصطلحات.
آخر دعوات الحوار التي انطلقت بالساحة العربية الخربة، وأضحكتني بالفعل، هي الدعوة التي انطلقت في لبنان العزيز لبنان العزة والكرامة، لبنان الذي ترتكب به كل الموبقات باسم المقاومة والحفاظ على سلاح المقاومة الذي أحتل بيروت في ظرف ساعتين، أي حوار هذا الذي يستند ويرتقي به طرف على الكلاش وعلى أربعين ألف صاروخ كما أعلن، وطرف لا يملك إلا شوية صناديق رمان، كما يحب أخوتنا في العراق تسميت القنابل اليدوية وشوية آر بي جي وبكل تأكيد التهمة الجاهزة مدعومين من الغرب، وقد تصل التهمة إلى أنهم مدعومين من الصهاينة، لكي يقضوا على سلاح المقاومة، الدعوة التي انطلقت في بيروت ليست بجديدة في حقيقتها وكان لابد وأن تنطلق هذه الدعوة اتساقا مع ما يحدث بالمنطقة على الأقل فالدعوة اللبنانية جاءت بعد صدور القرار الاتهامي الذي وجه لأعضاء بحزب الله بعملية اغتيال رفيق الحريري، نحن محظوظون في هذه المرحلة حقيقة لأننا كنا بالسابق نتحاور بالرصاص ولكننا اليوم نتحاور بالكلام وهذا تطور باهر بالثقافة العربية، وهذا أمر جيد على الأقل، خطونا خطوة نحو المستقبل المظلم وليس مهما أن يكون مظلما، المهم إننا خطونا تلك الخطوة البائسة والتي لن ينتج علنها شيء بكل تأكيد.
المهم في هذا الأمر أن دعوات الحوار انطلقت أيضا في الخليج، اليوم الحوار يجري على قدم وساق في مملكة البحرين، وجرى حوار في وقت سابق في المملكة العربية السعودية، ولم ينتج عنه شيء. والكويت مشاء الله عليها دائما سباقة في هذا المضمار، فقد جرى بها حوار قبل عشرين عاما وتمخض عنه مجلس، أسماه الكويتيون المجلس الوثني لأنه خرج من رحم حوار عقيم وهو مخالف لما جاء بالدستور يعني أن الكويت سبقت كل الأقطار العربية بعشرين عاما، وسلطنة عمان أراها سائرة في هذا الدرب لأن شباب صحار لا زالوا مصرين على استمرار تظاهراتهم.
أما دولة الإمارات العربية المتحدة فهي في ورطة مع أحمد منصور الناشط الحقوقي جيفارا الخليج وبطل الأبطال أو رامبو الخليج الذي استطاع أن يخطط لوحده، أي و رب الكعبة لوحده استطاع أن يخطط لقلب نظام الحكم وسيقدم للمحاكمة في الثامن عشر من هذا الشهر، فتخيلوا معي شخص واحد ومعروف بارتباطه مع الغرب وهو مستشار في أمنستي يخطط، لقلب نظام حكم كامل في دولة تتكون من عدة إمارات وكل إمارة بها جهاز حكم وأجهزة أمنية متعددة، وتوجه لأحد مواطنيها تهمة محاولة قلب نظام الحكم، كفو عليك يا سوبرمان الخليج الذي استطعت أن تخطط كل هذه الخطط الجهنمية، وعلى فكرة التهمة التي وجهت لأحمد منصور في بداية اعتقاله، هي حيازة خمور، وعندما اكتشفوا أن هذه التهمة في دبي المليئة بالحانات وكل أشكال الموبقات، بدءاً من دول أوربا الشرقية وانتهاء بالهضبة الأثيوبية، تم تغير التهمة إلى تهمة قلب نظام الحكم، على كل حال ستدخل دولة الإمارات العربية المتحدة إلى خضم الحوارات، إن لم يكن اليوم فغدا لناظره لقريب، فهذه السنة تستحق أن تتصدر السنوات بالعدد القياسي للحوارات التي انطلقت مع إنطلاقة الربيع العربي.
حتى في سوريا قبل ما أنساها انطلق بها حوار مضحك في فندق سميراميس يوم أمس الأول، ففي أثناء الحوار أطفئت الكهرباء عليهم ومنع عنهم الماء والشاي، وضرب في أثناء الحوار ضرب سنة بيوم، أحد المشاركين، عندما قال إن مطالب الشعب هو أسقاط النظام، فما كان من أحدهم إلا أن تعامل معه بحوار الأيادي، وكويس لم يكن حوار الرصاص قياسا على مقولة أحدهم في دمشق الشام دمشق الإباء والمجد والعلى. إننا لا نطلق الرصاص على الأرجل وإنما على الرأس مباشرة، هكذا حوار وإلا بلاش، أي لكن يعلن نعيكم ومعيتكن شو بدكن حرية هي ،خذ هاي الحرية بالرفس والدوس بالبساطير والضرب المبرح، والمحظوظ فيهم من يخرج بكسر بالساق أو اليدين، هذا هو الحوار الموضة الجديدة التي تركب موجتها كل الأنظمة القمعية البائسة، فأي حوار هذا بهذه الخلفية البائسة التي ستنتج لنا نتائج باهرة، فهذه السنة تستحق بالفعل أن نضيفها لسجل تاريخنا بأنها سنة الحوار.
كاتب كويتي*، الأمين العام لمنتدى حوار الخليج.
* تنشر المقالة بالتزامن مع موقع منتدى حوار الخليج