» رأي
الشيخ حمد.. الإطاحة بعمه بديلا لتسوية تاريخية
عباس بوصفوان - 2011-07-06 - 9:22 ص
وضع العائلة الداخلي سيكون بالضرورة أقل نفوذا، سواء بتسليم مزيد من السلطات إلى الجماعات السنية الموالية، أو التخلي عنها إلى السعودية، أو إلى برلمان بصلاحيات أوسع.
عباس بوصفوان *
يمكن القول بأن رئيس الوزراء غير مرتاح البتة من تشكيل لجنة تقصي الحقائق "المستقلة"، خشية أن يتم استثمار تقريرها لإبعاده عن منصبه الشكلي.
وسبق أن استخدمت هذه الطريقة للنيل من الشيخ خليفة، عبر توظيف شركة عالمية، تسمى ماكنزي، لإعداد تقارير عن الحالة الاقتصادية. وإظهار البحرين، في حال استمر الشيخ خليفة في منصبه، على أنها ستواجه تحديات ضخمة على صعيد البطالة وضعف القابلية لجذب الاستثمارات، بسبب الفساد وسوء الإدارة التي خلقتها إدارة الشيخ خليفة للبلد، بحسب ماكنزي.
وقد أدار هذا الملف منذ العام 2004، مجلس التنمية الاقتصادية، الذي يرأسه ولي العهد، كجزء من الحملة التي شنها الشيخ حمد على عمه. وتضمنت الحملة، بالإضافة الى نقل الملف الاقتصادي إلى ولي العهد، نقل الملف السياسي والدستوري إلى الديوان الملكي، ما أحال رئيس الوزراء إلى "عاطل عن العمل" من الناحية الفعلية.إذا، عمليا، لم يعد الشيخ خليفة هدفا معلنا للمعارضة فقط. إنه أيضا كان ولا يزال هدفا، ليس خافيا على أحد، للقوى المتنفذة في الديوان الملكي. ويجد هذا الهدف تأييدا واضحا عند القوى المهمشة في النظام: ديوان ولي العهد.
فيما يعد إبعاد الشيخ خليفة عن المشهد، شرطا لا غنى عنه، لإعادة هيكلة مسار التسوية في البحرين، من وجهة نظر الأميركان وبعض دول مجلس التعاون الخليجي (عمان، وقطر).
وفي الواقع، فإن تعقيدات إنجاز تسوية تاريخية بين الشعب وعائلة آل خليفة، تفضي إلى زيادة الضغوط لأن يكون الشيخ خليفة كبش الفداء، وإن كانت المعارضة تؤيد خروجا "مشرفا" له.
عل ذلك يمكن الملك حمد من تسويق تسوية رائحتها تنبىء بأنها ستكون أقل من طموح الجماعات المعارضة، التي باتت في وضع يحتم على النظام التوافق معها للحصول على الشرعية والاستقرار السياسي.
ويقصد بالتسوية التاريخية غير الممكنة حاليا، التوافق على ملكية دستورية حقيقية، يكون فيها دور الملك هامشيا، فيما تتحول إدارة القرار السياسي إلى برلمان وحكومة منتخبتين.
وفي الواقع، فإن جملة من الشروط تمنع فرض تسوية تاريخية على العائلة المالكة، حتى وهي في وضع صعب للغاية، لم تواجه مثله ربما منذ نحو 60 عاما، إبان مطالبات هيئة الاتحاد الوطني بالإطاحة بنظام آل خليفة، كما أسقط جمال عبدالناصر حينها الملك فاروق من عرش مصر.
وفي الواقع، فإن عائلة آل خليفة لم تستوعب بعد، أن مسار تأسيس ملكية دستورية يكون فيها للشعب القول الفصل في الحكم، يقترب فعلا، وطبعا دون ذلك المزيد من الدموع والدم، بالنظر إلى التاريخ العنيف لتعاطي العائلة من الحركات المطلبية.
لكن الجماعات المعارضة، حتى وهي تفكر في تقليل الخسائر، لم يبقِ لها النظام من خيار سوى مواصلة النضال، بعد النكوصات المتتالية للعهود، والتضحيات الكبيرة التي قدمت. لا ثقة عندها البتة في العائلة، وفي الملك نفسه، وهذه هي الطامة الآن. (راجع، الشيخ علي سلمان لا يمكن إلا أن ينام وعينه مفتوحة، الوفاق أمام تحدي قبول الحوار، 21 يونيو 2011).
سيكتب التاريخ لاحقا أن الشيخ حمد كان أكثر الحكام إضرارا بالبحرين والشعب وبعائلة آل خليفة. حين شحن الجماعات السياسية المعارضة في غضون عشر سنوات، على نحو أفرز ثورة 14 فبراير، بسبب سياسات إقصائية غير مسبوقة. وهو أمر لم يتمكن عهد الشيخ عيسى/ الشيخ خليفة من إفرازه رغم حكمهم البلد، نحو 30 سنة، بطريقة لا تتسم بالديمقراطية. (راجع، من أقصى ولي العهد خارج الحوار الوطني؟، 13 يونيو 2011).
صحيح أن الثورات العربية كانت الشرارة لانفجارات دوار اللؤلؤة السلمية، لكن الصحيح أيضا أن الوضع في البحرين كان ينتظر طلقة البارود كي ينفجر.
لنتذكر، أنه بعيد أحداث سبتمبر 2001، حين هاجم الإرهابيون السلفيون برج التجارة العالمي في نيويورك، وخرج الرئيس الأميركي جورج بوش الابن مشددا على الحكام العرب بضرورة تبني خيار الديمقراطية، ظهر حينها الملك حمد في وضع مريح، لأنه سبق وأن اتخذ، قبل نحو سبعة أشهر من ارهاب 11 سبتمبر، جملة من القرارات الجريئة أظهرته سباقا للديقراطية.
أما وقد اتخذ الشيخ حمد قرارا مريعا بإصدار دستور 2002، يحيله حاكما مطلقا، واتبع سياسات غير معهودة في تاريخ الدولة الحديث في الإقصاء والتمييز والتجنيس، واستهداف الناس على الهوية، فإنه عمق جرحا نازفا أصلا. تدفق حركة جماهيرة غير مسبوقة في الذكرى العاشرة للميثاق، حولت المناسبة السعيدة إلى مأساة للنظام، كما تحولت كل أعيادها إلى مآسي، مثل الاحتفالات بالعيد الوطني وعيد الجلوس، وفيها سقط شهيدا انتفاضة التسعينات.
في وضع كهذا، وبالنظر إلى أن الملك نفسه أسقط دستور 1973، في 14 فبراير 2002، علما بأن دستور دولة البحرين كان التسوية التاريخية الأولى التي سجلت توافقا بين الشعب والعائلة الحاكمة، فإنه (الملك) يتحمل مسئولية عظمى تجاه الأضرار التي أصيبت بها البلد، وأيضا تجاه الأضرار التي تصاب بها عائلته التي كلفته إدارة الأمور، كي يسلم الراية إلى من بعده، وحال العائلة أفضل.
وبصورة واضحة، يمكن القول أن سياسات الشيخ حمد قادت إلى تدمير صورة عائلة آل خليفة في الخارج، حتى بين شقيقاتها الخليجيات، فيما وضعها (العائلة) الداخلي سيكون بالضرورة أقل نفوذا، سواء بتسليم مزيد من السلطات إلى الجماعات السنية الموالية، أو التخلي عنها إلى السعودية، أو إلى برلمان بصلاحيات أوسع.
في ظل ذلك، لم يعد محل كلام أن تقدم العائلة تنازلات إلى جماهير 14 فبراير، من خلال طاولة الحوار، لكن هذه التنازلات ـ كما هو متوقع ـ لن تكون ملبية لطموحهم.
على الأرجح، سيقف الغرب سندا لآل خليفة إذا ما قدموا تسوية تحيل البرلمان والحكومة أكثر تمثيلا للشعب، ذلك أن الأميركان والبريطانيين معنيون بتسوية تحفظ مصالحهم أولا، وهذه المصالح لا يمكن تأمينها باستمرار احتكار القرار من قبل العائلة الحاكمة.لكن الغربيين يعتقدون أيضا أن مصالحهم قد تكون محل تهديد أو تقليص إذا ما تحول الحكم في البحرين إلى وطني ومستقل، حين يستمد قراره من الشعب.
إذا، فالغرب غير متحمس لإنجاز تسوية عميقة وجوهرية، بقدر اهتمامه بإعلان صفقة تحقق استقرارا "ما"، وتضمن استمرار تدفق النفط، ومحاصرة إيران، وتفوق عسكريًا لإسرائيل. ويظن الغرب بأن ذلك ممكن من خلال استمرار حكم تابع له، ولن يجد أفضل من القبائل الحاكمة المجربة.
إلى ذلك، فإن مراقبين معتبرين يرون أن التحديات الإقليمية وتوازناتها لا تسمح بوصول واحد من الناس إلى موقع إدارة القرار السياسي (رئاسة الوزراء)، خصوصا مع الموقف المتصلب للسعودية. إلا إذا حدث ما يتوقعه البعض من إرباك داخل صفوف آل سعود يعيد ترتيب هياكل الحكم في السعودية، وعموم المنطقة.حتى يحدث ذلك، فإن المعطيات الراهنة تؤشر إلى أن فيتوات سعودية ضخمة ستقف ممانعة لأي انتقالة جذرية في طريقة إدارة الحكم في البحرين، حتى والسعودية تدرك أن البحرين غير: تركيبة وتاريخيا، ونشاطا سياسيا وثقافيا.
وإذا نظرنا إلى مدخلات الحوار الوطني وآلياته والمشاركين فيه، فإنه يتضح بصورة لا تفتح مجالا للشك بأن مسار التسوية لن ينجز صفقة دائمة. التسوية المقترحة على طاولة الحوار الوطني تقوم على مبدأ "تعزيز المشاركة في اتخاذ القرار"، ولا تقوم على مبدأ "حكم الشعب نفسه بنفسه". إذ تتحدث السلطات عن زيادة صلاحيات مجلس النواب، وتقليص عدد المعينين في مجلس الشورى، وشكل من أشكال التوافق على رئاسة الوزراء.
السلطة غير مستعدة بعد لتقديم تنازلات تمس إعادة هيكلة مؤسسة الحكم، لذا فإنها ستواجه إشكاليات ضخمة في التسويق للتسوية الهشة التي ستصدر من الحوار القائم حاليا. ويبدو أن الشيخ خليفة هو الأكثر تأهيلا لتقديمه قربانا للتسوية. بيد أن النظر للشيخ خليفة على أنه شخص، لا مؤسسة أو تداعيات، قد لا يعكس فهما عميقا لتموضع الشيخ خليفة ورمزيته. (راجع، لماذا التشدد في رفض إقالة رئيس الوزراء، 8 مارس 2011).
الإشكال الأكبر الذي سيواجه الملك وهو عازم على الإطاحة بالشيخ خليفة، كي يمضي في مشروع غير مقنع شعبيا، يتعلق بالسعودية، التي جمعت كل قواها عندما أطيح بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، وقبله التونسي زين العابدين بن علي، وبالتأكيد فإنها قد تكون مستعدة لهز الملك حمد (ولا أقول حكمه) على أن يطاح بالشيخ خليفة.
أما موقف السنة المؤيدين لاستمرار رمزية الشيخ خليفة وخطه، أكثر من استمراره كشخص، فعلى الأرجح يمكن للنظام استيعاب ردة فعلهم بطريقة أو أخرى، عبر توزير بعض الأشخاص من المنبر والأصالة وتجمع الوحدة الوطنية، أو عبر الإطاحة بالشيخ خليفة من خلال رفض البرلمان المفترض لإعادة تعيينه. (لفهم موقف تجمع الفاتح الرافض لمطالب الإصلاح، راجع: وإذ يحتضن الفاتح الحوار، 28 يونيو 2011).
بيد أن الإشكال الأكبر أن الاطاحة بالشيخ خليفة لن تحول التسوية الهشة إلى تاريخية، حتى وإن اعتبرت المعارضات ذلك نصرا مهما. وسيجعل ذلك الشيخ حمد مترددا، إذ سيرمي بورقة الشيخ خليفة، وفي نفس الوقت، سيظل طيف تقليل سلطاته يطارده.لذا، فإن الخطورة ستظل قائمة على السلم الأهلي فعلا، وعلى استخدام مفرط للعنف من قبل الجهاز العسكري الذي يحكم البلد، بقياد الشيخ حمد هذه المرة، وليس بقيادة الشخ خليفة. ويمكن لبعض المتشددين في العائلة الحاكمة تدمير البلد، كما فعلوا في الشهور الأربعة الأخيرة، إذا ما رأوا أن مصالحهم تتسرب من تحت أيديهم.
تدرك المعارضة ذلك، وتدرك ايضا أن قوى العقل في النظام مازالت هشة، بيد أن الملك حمد نفسه، حتى وهو يتبنى سياسات غير عقلانية في إدارته لتحديات ثورة 14 فبراير، ويتخذ قرارات مخالفة للقانون، فإنه يدرك أكثر من غيره ما يتوجب فعله لحماية "أمانة الكرسي".
قد يختار الملك "الحسم العسكري"، لفرض ما ينتج عن الحوار، وفي هذه الحالة سيكرر سياسات في غير محلها كان قد بدأها فعلا منذ 2002، وطبقها على نحو مريع بعد ثورة 14 فبراير، ودون شك فإن ذلك قد يهدد بتحويل إلى البحرين دولة فاشلة، والعائلة المالكة بلا شرعية، غير شرعية السلاح.
بين الدولة الفاشلة، وبين تقديم تسوية تاريخية (ملكية دستورية حقيقية)، قد لا يكون أمام الشيخ حمد من بد سوى إزاحة عمه. قد يمكنه ذلك، من إنقاذ تسوية غير مقبولة، والإدعاء بأن عقبة الإصلاح (الشيخ خليفة) قد أزيحت.
سيكون أمام الملك بعد ذلك تحديات الالتزام بمقولات قد يطلقها ضمن عمليات تجميلية للترويج لتسوية مؤقتة، بعد أن أهدر كل فرص الثقة في شخصه، بخسارته المواطنين الشيعة، وعدم ربحه للسنة، الذين يفضلون الشيخ خليفة.
كما سيكون أمام الملك العمل على تحقيق توافق يعيد الأمان لعائلته، وشعبه، وضمانة ذلك الاقتراب أكثر من مبدأ "الشعب مصدر السلطات".. أما اعتبار الشعب خطرا استراتيجيا، كما هي الذهنية الحاكمة اليوم، فإن الوضع بالتأكيد يقود إلى خسارات للجميع.
*صحافي بحريني.
وقد أدار هذا الملف منذ العام 2004، مجلس التنمية الاقتصادية، الذي يرأسه ولي العهد، كجزء من الحملة التي شنها الشيخ حمد على عمه. وتضمنت الحملة، بالإضافة الى نقل الملف الاقتصادي إلى ولي العهد، نقل الملف السياسي والدستوري إلى الديوان الملكي، ما أحال رئيس الوزراء إلى "عاطل عن العمل" من الناحية الفعلية.إذا، عمليا، لم يعد الشيخ خليفة هدفا معلنا للمعارضة فقط. إنه أيضا كان ولا يزال هدفا، ليس خافيا على أحد، للقوى المتنفذة في الديوان الملكي. ويجد هذا الهدف تأييدا واضحا عند القوى المهمشة في النظام: ديوان ولي العهد.
فيما يعد إبعاد الشيخ خليفة عن المشهد، شرطا لا غنى عنه، لإعادة هيكلة مسار التسوية في البحرين، من وجهة نظر الأميركان وبعض دول مجلس التعاون الخليجي (عمان، وقطر).
وفي الواقع، فإن تعقيدات إنجاز تسوية تاريخية بين الشعب وعائلة آل خليفة، تفضي إلى زيادة الضغوط لأن يكون الشيخ خليفة كبش الفداء، وإن كانت المعارضة تؤيد خروجا "مشرفا" له.
عل ذلك يمكن الملك حمد من تسويق تسوية رائحتها تنبىء بأنها ستكون أقل من طموح الجماعات المعارضة، التي باتت في وضع يحتم على النظام التوافق معها للحصول على الشرعية والاستقرار السياسي.
ويقصد بالتسوية التاريخية غير الممكنة حاليا، التوافق على ملكية دستورية حقيقية، يكون فيها دور الملك هامشيا، فيما تتحول إدارة القرار السياسي إلى برلمان وحكومة منتخبتين.
وفي الواقع، فإن جملة من الشروط تمنع فرض تسوية تاريخية على العائلة المالكة، حتى وهي في وضع صعب للغاية، لم تواجه مثله ربما منذ نحو 60 عاما، إبان مطالبات هيئة الاتحاد الوطني بالإطاحة بنظام آل خليفة، كما أسقط جمال عبدالناصر حينها الملك فاروق من عرش مصر.
وفي الواقع، فإن عائلة آل خليفة لم تستوعب بعد، أن مسار تأسيس ملكية دستورية يكون فيها للشعب القول الفصل في الحكم، يقترب فعلا، وطبعا دون ذلك المزيد من الدموع والدم، بالنظر إلى التاريخ العنيف لتعاطي العائلة من الحركات المطلبية.
لكن الجماعات المعارضة، حتى وهي تفكر في تقليل الخسائر، لم يبقِ لها النظام من خيار سوى مواصلة النضال، بعد النكوصات المتتالية للعهود، والتضحيات الكبيرة التي قدمت. لا ثقة عندها البتة في العائلة، وفي الملك نفسه، وهذه هي الطامة الآن. (راجع، الشيخ علي سلمان لا يمكن إلا أن ينام وعينه مفتوحة، الوفاق أمام تحدي قبول الحوار، 21 يونيو 2011).
سيكتب التاريخ لاحقا أن الشيخ حمد كان أكثر الحكام إضرارا بالبحرين والشعب وبعائلة آل خليفة. حين شحن الجماعات السياسية المعارضة في غضون عشر سنوات، على نحو أفرز ثورة 14 فبراير، بسبب سياسات إقصائية غير مسبوقة. وهو أمر لم يتمكن عهد الشيخ عيسى/ الشيخ خليفة من إفرازه رغم حكمهم البلد، نحو 30 سنة، بطريقة لا تتسم بالديمقراطية. (راجع، من أقصى ولي العهد خارج الحوار الوطني؟، 13 يونيو 2011).
صحيح أن الثورات العربية كانت الشرارة لانفجارات دوار اللؤلؤة السلمية، لكن الصحيح أيضا أن الوضع في البحرين كان ينتظر طلقة البارود كي ينفجر.
لنتذكر، أنه بعيد أحداث سبتمبر 2001، حين هاجم الإرهابيون السلفيون برج التجارة العالمي في نيويورك، وخرج الرئيس الأميركي جورج بوش الابن مشددا على الحكام العرب بضرورة تبني خيار الديمقراطية، ظهر حينها الملك حمد في وضع مريح، لأنه سبق وأن اتخذ، قبل نحو سبعة أشهر من ارهاب 11 سبتمبر، جملة من القرارات الجريئة أظهرته سباقا للديقراطية.
أما وقد اتخذ الشيخ حمد قرارا مريعا بإصدار دستور 2002، يحيله حاكما مطلقا، واتبع سياسات غير معهودة في تاريخ الدولة الحديث في الإقصاء والتمييز والتجنيس، واستهداف الناس على الهوية، فإنه عمق جرحا نازفا أصلا. تدفق حركة جماهيرة غير مسبوقة في الذكرى العاشرة للميثاق، حولت المناسبة السعيدة إلى مأساة للنظام، كما تحولت كل أعيادها إلى مآسي، مثل الاحتفالات بالعيد الوطني وعيد الجلوس، وفيها سقط شهيدا انتفاضة التسعينات.
في وضع كهذا، وبالنظر إلى أن الملك نفسه أسقط دستور 1973، في 14 فبراير 2002، علما بأن دستور دولة البحرين كان التسوية التاريخية الأولى التي سجلت توافقا بين الشعب والعائلة الحاكمة، فإنه (الملك) يتحمل مسئولية عظمى تجاه الأضرار التي أصيبت بها البلد، وأيضا تجاه الأضرار التي تصاب بها عائلته التي كلفته إدارة الأمور، كي يسلم الراية إلى من بعده، وحال العائلة أفضل.
وبصورة واضحة، يمكن القول أن سياسات الشيخ حمد قادت إلى تدمير صورة عائلة آل خليفة في الخارج، حتى بين شقيقاتها الخليجيات، فيما وضعها (العائلة) الداخلي سيكون بالضرورة أقل نفوذا، سواء بتسليم مزيد من السلطات إلى الجماعات السنية الموالية، أو التخلي عنها إلى السعودية، أو إلى برلمان بصلاحيات أوسع.
في ظل ذلك، لم يعد محل كلام أن تقدم العائلة تنازلات إلى جماهير 14 فبراير، من خلال طاولة الحوار، لكن هذه التنازلات ـ كما هو متوقع ـ لن تكون ملبية لطموحهم.
على الأرجح، سيقف الغرب سندا لآل خليفة إذا ما قدموا تسوية تحيل البرلمان والحكومة أكثر تمثيلا للشعب، ذلك أن الأميركان والبريطانيين معنيون بتسوية تحفظ مصالحهم أولا، وهذه المصالح لا يمكن تأمينها باستمرار احتكار القرار من قبل العائلة الحاكمة.لكن الغربيين يعتقدون أيضا أن مصالحهم قد تكون محل تهديد أو تقليص إذا ما تحول الحكم في البحرين إلى وطني ومستقل، حين يستمد قراره من الشعب.
إذا، فالغرب غير متحمس لإنجاز تسوية عميقة وجوهرية، بقدر اهتمامه بإعلان صفقة تحقق استقرارا "ما"، وتضمن استمرار تدفق النفط، ومحاصرة إيران، وتفوق عسكريًا لإسرائيل. ويظن الغرب بأن ذلك ممكن من خلال استمرار حكم تابع له، ولن يجد أفضل من القبائل الحاكمة المجربة.
إلى ذلك، فإن مراقبين معتبرين يرون أن التحديات الإقليمية وتوازناتها لا تسمح بوصول واحد من الناس إلى موقع إدارة القرار السياسي (رئاسة الوزراء)، خصوصا مع الموقف المتصلب للسعودية. إلا إذا حدث ما يتوقعه البعض من إرباك داخل صفوف آل سعود يعيد ترتيب هياكل الحكم في السعودية، وعموم المنطقة.حتى يحدث ذلك، فإن المعطيات الراهنة تؤشر إلى أن فيتوات سعودية ضخمة ستقف ممانعة لأي انتقالة جذرية في طريقة إدارة الحكم في البحرين، حتى والسعودية تدرك أن البحرين غير: تركيبة وتاريخيا، ونشاطا سياسيا وثقافيا.
وإذا نظرنا إلى مدخلات الحوار الوطني وآلياته والمشاركين فيه، فإنه يتضح بصورة لا تفتح مجالا للشك بأن مسار التسوية لن ينجز صفقة دائمة. التسوية المقترحة على طاولة الحوار الوطني تقوم على مبدأ "تعزيز المشاركة في اتخاذ القرار"، ولا تقوم على مبدأ "حكم الشعب نفسه بنفسه". إذ تتحدث السلطات عن زيادة صلاحيات مجلس النواب، وتقليص عدد المعينين في مجلس الشورى، وشكل من أشكال التوافق على رئاسة الوزراء.
السلطة غير مستعدة بعد لتقديم تنازلات تمس إعادة هيكلة مؤسسة الحكم، لذا فإنها ستواجه إشكاليات ضخمة في التسويق للتسوية الهشة التي ستصدر من الحوار القائم حاليا. ويبدو أن الشيخ خليفة هو الأكثر تأهيلا لتقديمه قربانا للتسوية. بيد أن النظر للشيخ خليفة على أنه شخص، لا مؤسسة أو تداعيات، قد لا يعكس فهما عميقا لتموضع الشيخ خليفة ورمزيته. (راجع، لماذا التشدد في رفض إقالة رئيس الوزراء، 8 مارس 2011).
الإشكال الأكبر الذي سيواجه الملك وهو عازم على الإطاحة بالشيخ خليفة، كي يمضي في مشروع غير مقنع شعبيا، يتعلق بالسعودية، التي جمعت كل قواها عندما أطيح بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، وقبله التونسي زين العابدين بن علي، وبالتأكيد فإنها قد تكون مستعدة لهز الملك حمد (ولا أقول حكمه) على أن يطاح بالشيخ خليفة.
أما موقف السنة المؤيدين لاستمرار رمزية الشيخ خليفة وخطه، أكثر من استمراره كشخص، فعلى الأرجح يمكن للنظام استيعاب ردة فعلهم بطريقة أو أخرى، عبر توزير بعض الأشخاص من المنبر والأصالة وتجمع الوحدة الوطنية، أو عبر الإطاحة بالشيخ خليفة من خلال رفض البرلمان المفترض لإعادة تعيينه. (لفهم موقف تجمع الفاتح الرافض لمطالب الإصلاح، راجع: وإذ يحتضن الفاتح الحوار، 28 يونيو 2011).
بيد أن الإشكال الأكبر أن الاطاحة بالشيخ خليفة لن تحول التسوية الهشة إلى تاريخية، حتى وإن اعتبرت المعارضات ذلك نصرا مهما. وسيجعل ذلك الشيخ حمد مترددا، إذ سيرمي بورقة الشيخ خليفة، وفي نفس الوقت، سيظل طيف تقليل سلطاته يطارده.لذا، فإن الخطورة ستظل قائمة على السلم الأهلي فعلا، وعلى استخدام مفرط للعنف من قبل الجهاز العسكري الذي يحكم البلد، بقياد الشيخ حمد هذه المرة، وليس بقيادة الشخ خليفة. ويمكن لبعض المتشددين في العائلة الحاكمة تدمير البلد، كما فعلوا في الشهور الأربعة الأخيرة، إذا ما رأوا أن مصالحهم تتسرب من تحت أيديهم.
تدرك المعارضة ذلك، وتدرك ايضا أن قوى العقل في النظام مازالت هشة، بيد أن الملك حمد نفسه، حتى وهو يتبنى سياسات غير عقلانية في إدارته لتحديات ثورة 14 فبراير، ويتخذ قرارات مخالفة للقانون، فإنه يدرك أكثر من غيره ما يتوجب فعله لحماية "أمانة الكرسي".
قد يختار الملك "الحسم العسكري"، لفرض ما ينتج عن الحوار، وفي هذه الحالة سيكرر سياسات في غير محلها كان قد بدأها فعلا منذ 2002، وطبقها على نحو مريع بعد ثورة 14 فبراير، ودون شك فإن ذلك قد يهدد بتحويل إلى البحرين دولة فاشلة، والعائلة المالكة بلا شرعية، غير شرعية السلاح.
بين الدولة الفاشلة، وبين تقديم تسوية تاريخية (ملكية دستورية حقيقية)، قد لا يكون أمام الشيخ حمد من بد سوى إزاحة عمه. قد يمكنه ذلك، من إنقاذ تسوية غير مقبولة، والإدعاء بأن عقبة الإصلاح (الشيخ خليفة) قد أزيحت.
سيكون أمام الملك بعد ذلك تحديات الالتزام بمقولات قد يطلقها ضمن عمليات تجميلية للترويج لتسوية مؤقتة، بعد أن أهدر كل فرص الثقة في شخصه، بخسارته المواطنين الشيعة، وعدم ربحه للسنة، الذين يفضلون الشيخ خليفة.
كما سيكون أمام الملك العمل على تحقيق توافق يعيد الأمان لعائلته، وشعبه، وضمانة ذلك الاقتراب أكثر من مبدأ "الشعب مصدر السلطات".. أما اعتبار الشعب خطرا استراتيجيا، كما هي الذهنية الحاكمة اليوم، فإن الوضع بالتأكيد يقود إلى خسارات للجميع.
*صحافي بحريني.