» رأي
برابرة العصر وحضارة البحرين
إيمان شمس الدين - 2011-07-01 - 7:59 ص
*إيمان شمس الدين
الثقافة هي الرافد لبناء الحضارات، فثقافة أي شعب تبني له حضارته وبعد ذلك ترفد الحضارة الثقافة، وتعنى الثقافة بوعي الإنسان وترتقي بسلوكه وتبلور رؤاه حول الدولة والمجتمع. ولا يتأتى تدمير الحضارات إلا بيد لا تفقه قيمتها وتقتات على التسلط على رقاب الناس وتدمير كل جميل في عقولهم وقلوبهم.
ولقد ذكر لنا التاريخ عن البرابرة الذين كانوا يشكلون مجموعات رحالة أو ما يعرف بالبدو الرحل، لا يشير هذا المصطلح لقوم بعينهم وإنما هو يشير إلى منظومة ثقافية بمجموعة مواصفات وسلوكيات ومنهج حياة أينما حل انطبق على من طبقوا هذه المنظومة.وقد وصفهم أرسطو قائلا:"كل من هم خارج المدينة أو الحاضرة".
ولعل المصطلح يشير إلى الجماعات البشرية المتوحشة والأقل تحضرا، والتي ظلت تعيش على الغزو والإغارة على المجتمعات المجاورة الأكثر تحضرا والتي راكمت رأس مال عيني نتيجة عمل أفرادها الذاتي. البرابرة يتصفون بالقسوة والقوة والجلد والوحشية والنفعية والتنظيم الأبوي القبلي، لا يتماهون مع المدنية والحضارة كون ثقافتهم تقتات على سلب ما بناه الآخر من أجل الاستقرار. ورغم أننا في القرن الواحد والعشرين إلا أن الثقافة البربرية بصفاتها وسلوكها، مازالت تتحكم في دول ظاهرها غني ومتمدن، ولكن حقيقة القائمين عليها مازالت بربرية.
فما حدث في البحرين هذا البلد الصغير في حجمه العظيم في حضارته الضاربة بجذورها في تاريخ الإنسانية، لهو خير شاخص أمامنا ومصداق لبربرية الممارسات بحق شعب كان جل ما قام به، هو حقه المشروع في التعبير عن رأيه والتظاهر السلمي من أجل مجموعة مطالبات إصلاحية، ترتقي بمدنية الدولة وترسخ مفهوم الديموقراطية ومرجعية الشعب.
فالناظر للسجون البحرينية يستطيع ببساطة شديدة أن يعي حقيقة من دخل إلى أرض البحرين وحقيقة القائم عليها، إذ إن النخب باتت سجينة معذبة والكفاءات مطرودة ومضطهدة، وهدمت المساجد والمعالم التاريخية تحت شعارات إسلاموية واهية عنوانها الشرك بالله. ومنع الطلبة من الابتعاث إلى الخارج من أجل طلب العلم، وفصل أساتذة أفاضل من مواقعهم في الجامعة، واعتقلت النساء وهتكت أعراض بعضهم، وقوضت منارات ثقافية كأسرة الأدباء والكتاب بعنوان تحالف المثقف والسلطة ضد التدخل الخارجي، الذي رسمته مخيلة الهوس المذهبي، حينما يمس طائفه العقول ويحولها إلى ركام تافه، بدل أن يكون مصيره مزبلة التاريخ، يصبح مصيره عقول المثقفين الذي استهوتهم المناصب والميل إلى الراحة.
والناظر للوضع في الداخل البحريني، يخال أن كل هذا الدمار الحضاري نال من إنسان البحرين إلا أن المفاجأة الجميلة، تصرفك بعيدا عن هذه الصورة السلبية وتأخذك إلى واقع بصور حقيقية مختلفة تمدك بالحياة. إنسان البحرين اليوم الذي دُمرت حضارته، واعتدي عليه بأبشع الطرق إنسانيا وهتكت كرامته وانتهكت حقوقه، تجده كشجرة السرو شامخا بعزة في سماء الصمود، يملؤه الإصرار على سلمية الاعتراض وتحقيق المطالب التي من خلالها سيعيد البحرين في مصاف الدول المتقدمة، وسيرفد حضارته بمزيد من الثقافة المتجددة على ضفاف تضحياته وسلميته.
وبدل أن تتقوض حضارته وثقافته كما أراد هذا الداخل الغريب عليه ثقافة وفكرا ونهجا، يعود لها رونقها ويغذيها بثقافة جديدة تنهض مجددا بالإنسان البحريني، الذي أثبت أنه الأجدر في هذه المنطقة على قيادة الحراك التغييري والإصلاح وتغيير المنظومة الفكرية والسياسية، التي تقوم عليها الأنظمة في المنطقة، وهو الأجدر على أن يغذي الفكر والثقافة في منطقتنا بحراك جديد ناهض منفتح متطور قادر على خوض البحار والصعاب، لأجل تحقيق العدالة وانتقال المنطقة من فكر الوراثة إلى فكر الدستور العقدي.
فرغم كل الممارسات البربرية التي مورست ضد هذا الشعب في فترة السلامة الوطنية، كي يرغم هذا الشعب على الخضوع والتراجع عن المطالبات الحقوقية والإصلاحية السياسية إلا أن ما حدث عكس ما أراد صاحب فكرة السلامة الوطنية، فبدأ صاحب القبضة الحديدية ضد الشعب البحريني وتحت ضغوط الخارج يتراجع، ويقدم تنازلا تلو تنازل أمام صمود الشعب والمعارضة والإصرار على المطالبات ذاتها، وإن لم ترق التنازلات إلى الآن إلى مستوى الدماء التي سالت على درب تحقيق المطالب، إلا أنها مؤشرات إيجابية في حال أصرت كل من المعارضة والشعب على الاستمرار على نفس المطالبات ما قبل السلامة الوطنية والمطالبات التي أضافتها السلامة الوطنية نتيجة الممارسات البربرية بحق الشعب البحريني المتحضر.
لا يمكننا أن ننكر ضراوة المواجهة والممارسات، ولكننا أيضا لا ننكر أن سلمية الحراك أسقط على أعتابه كل هذه الممارسات وحولها إلى سيف مسلط على رقاب برابرة العصر، وبدل أن يتراجع الشعب وينخفض سقف المطالبات، بدأ أصحاب السلامة الوطنية بالتراجع أمام سلمية وإصرار الشعب وصموده ومواصلته السير في طريق تحقيق المطالب المشروعة والمتوافقة مع الشرعة الدولية.
وكما يذكر التاريخ إن بربرية الممارسات التي قام بها بعض الأقوام والمجتمعات، كانت سببا في تفتت تلك المجتمعات أو تسرب الحضارة التي غزوها، إليهم وتحولهم من البربرية إلى المدنية . وكل المؤشرات المحيطة اليوم تثبت يوما بعد يوم تراجع الثقافة البربرية وتقدم الثقافة المدنية، سيكون للشعب البحريني السبق في تثبيت الخطوة الأولى في منطقة الخليج نحو انتقال دول الجوار من الحالة البربرية إلى الحالة المدنية في المدنية والثقافة والسياسة. وما علينا إلا تتبع متواليات الحدث والنظر إلى ما كان الوضع عليه وما آل إليه، حتى نعرف تطور مسيرة الأحداث وفق مرحلية زمنية، كي نشخص كيف سيكون المشهد في القادم من الأيام.
Chamseddin72@gmail.com
* كاتبة كويتية