هيثم الحداد.. براءة مع سبق التشهير بالإرهاب.. أُحضرت من عُمان مثل إرهابي وشُهِّر بي إعلامياً وسجنت 10 شهور، ثم براءة وانتهى؟!! (1)
2013-11-09 - 9:33 م
مرآة البحرين (خاص): "لو أن في هذا البلد من أستطيع الذهاب اليه ليأخذ حقي لفعلت، 10 شهور قضيتها معزولاً عن الحياة وعن عائلتي وأهلي وأحبتي بتهمة لم أتخيلها في الأحلام، 10 شهور تضررتُ فيها على المستوى العائلي والنفسي والشخصي والمادي والوظيفي وانقطعت فيها عن كل أشكال الحياة الطبيعية، فاتني فيها ما لا يمكن لي إرجاعه على المستوى الشخصي والمادي والأسري والحياتي، حُرم فيها طفلاي الصغيران من حضني بعد أن أُخذت أمام أعينهم غصّة ورعباً، عوملت مثل إرهابي خطير فار من يد العدالة، ُقبض علي من خارج بلدي مثل مجرم هارب، نُقلت معصوب العينين موثق اليدين عبر طائرات خاصة وبين مطارات عسكرية مثل ارهابي خطير، 10 شهور عشت وعائلتي وأطفالي أسوأ أيامهم ولياليهم ونحن لا نعرف إلى أي مصير سينتهي حكمي، تصدّرت صورتي الصفحات الأولى للاعلام الرسمي باعتباري ارهابياً وتم التشهير بي وبسمعتي وبولائي لوطني، ثم بعد كل هذا يقال لي: براءة!! خلاص روح بيتكم!! انتهى!! ومطلوب مني بعدها أن أكون ممتناً لأنهم برؤوني؟!! رغم فرحي بالحرية وامتناني لله ولدعاء الأحبة، إلا أنه لا شيء مما لحق بي وبعائلتي يمكن أن يُغفر أو ينتهي، لا شيء"
هكذا قال هيثم الحداد (35 عاماً) لـ«مرآة البحرين»، متهم الخلية الارهابية المسمّاة بخلية جيش الإمام. اعتقل في 21 يناير 2012، وأفرج عنه بعد تبرئته في جلسة نطق الحكم الأخيرة في 3 نوفمبر 2013.
هيثم صاحب المقولة الشهيرة في 28 فبراير 2011 "أنا شيعي أحب السنة، وصديقي سني يحب الشيعة، وأنا وصديقي نحب البحرين"
قضى في السجن 10 شهور متهماً في حبّه لوطنه البحرين، يروي تفاصيل تجربته لـ«مرآة البحرين» منذ لحظة اعتقاله في دولة عمان، وحتى لحظة سماعه بحكم براءته:
كانت عائلتي قد وصلت للتو، مساء 20 يناير 2013، لا يزال الحضن دافئاً بحرارة العودة، والشوق إلى السكن يجمعنا لقضاء عطلة الربيع معاً. كانت سعادتي غامرة، صباحاً ذهبت إلى عملي والنضارة تعلو وجهي، أخبرت أصدقائي العمانيين وشركائي في العمل عن قدوم عائلتي. عدت وقت الظهر، تناولنا الغذاء معاً، لم يمض وقت طويل حتى رن جرس الباب، كان الطارق «المخابرات العمانية»، سلموني ورقة تتضمن أمر قبض!! معنونة باسم وزارة الداخلية في مملكة البحرين، شعبة مكافحة الارهاب!!
مااااذاااا؟!! لا أعرف إلى أي حد فغرت فاهي وفتحت عيني من الدهشة وأنا أقرأ الرموز المكتوبة في هذه الورقة. قلت لهم: عفواً.. ما الموضوع؟!! قالوا لي: نحن آسفون، لكن لدينا أمر بأخذك. كانوا على درجة عالية من الاحترام، وكنت على درجة عالية من الصدمة واللا استيعاب. كنت أنظر لزوجتي وأختي وأطفالي اللذين بقوا متصلبين في أماكنهم. لا أحد منا لديه كلمة غير الصدمة. أحاول أن أقلب الكلام في مخي لأستوعب، لم أفلح!!
طلبوا هاتفي وحاسوبي المحمول، وسمحوا لي أن أغير ملابسي، كانت سيارة (جيمس) بانتظاري ومجموعة من الأجياب، أركبوني السيارة، وتم توثيق يدي وتصميد عيني، أعتذروا مني على ذلك وقالو: هذه أوامر من البحرين. في الطريق سألتهم: إلى أين أنا ذاهب؟ أريد أن أفهم فقط ما الموضوع؟! قالو لي: انتظر قليلاً وستفهم كل شيء. قلت لهم: عائلتي لوحدها، للتو وصلت البارحة، لا أحد معهم، هم غرباء على البلد، أرجوكم أبلغوهم فقط عن مكاني ليطمئنوا وليتدبروا أمورهم. وعدوني أنهم سيتصلون وسيطمئنونهم. عرفت فيما بعد من عائلتي أن أحداً لم يتصل. جاءت عائلتي لاسترداد روحها برؤيتي، فإذا بي أتركها في وسط صدمة وغربة، ما أشقاني.
أُوقفت السيارة عند مكان ما ثم فتحوا عيني، رأيت مبنى مكتوباً عليه قاعة المغادرة. لم يكن مطار عمان، كان مطاراً صغيراً خاصاً أخوّل أنه مطار عسكري. هنا شعرت بالخطر وفهمت أنه سيتم ترحيلي إلى البحرين، وأنني الآن معتقل!! أوه لا.. ماذا فعلت ليتم إحضاري من خارج البحرين؟!! لا بد أن شيئاً كبيراً ينتظرني!! يا إلهي!! هل يمكن أن أعود بين يدي التحقيقات الجنائية في البحرين من جديد؟ لم أنس بعد ما تعرضت له في العامين 96 و98 عندما اعتقلت لفترات قصيرة هناك..
هنا بدأت أشد في الكلام. قلت لهم: ما هو الموضوع؟ أنا في عمان منذ عامين، إذا لديكم أي شيء يدينني فيمكنكم التحقيق معي هنا ومحاكمتي. أردفت منفعلاً: هنا يمكنني أن أضمن تحقيقا محايدا ونزيها لكن في بلدي لا أضمن. أجابوني: نحن نتفهّم وضعك، لكن ليس بيدنا شيء، الأمر أكبر منا. قلت لهم: أريد أن أقابل أعلى سلطة هنا. قالو: سوف نأخذك إلى المكتب وستلقاه. أدخلوني على أكثر من مسؤول، الجميع كان لبقاً ومحترماً، لكنهم جميعاً يكررون العبارة ذاتها: الموضوع أكبر منا، نحن ننفذ الأوامر الآتية من بلدك.
في هذه الأثناء سمعت صوت من غرفة أخرى، كان يصرخ بانفعال شديد: "لا ترجعوني أرجوكم، ابقوني هنا وافعلو ما تريدون، هؤلاء لا رحمة ولا ضمير لديهم، سوف يقطعوني إرباً ويمتصون دمي"، بعدها تم تهدئة صاحب هذا الصوت. عرفت حينها أن بحرينياً آخر كان معي، وعرفت فيما بعد (عندما صرنا معاً داخل المعتقل في البحرين)، أن صاحب هذا الصوت هو سيد فيصل العلوي المحكوم حالياً بالسجن المؤبد.
خرجت المخابرات العمانية، ودخلت المخابرات البحرينية. تغيرت الوجوه وطريقة المعاملة. اللهجة الهادئة والمتفهمة في الكلام تحولت إلى أخرى خشنة وغليظة وجافة. تم تفتيشي مباشرة والاستيلاء على أغراضي الشخصية بما فيها نظارتي التي لا أرى بدونها. أمروني بخلع ملابسي كاملة وقالوا إما أن تخلعها كاملة أو ننزعها بالقوة. خلعت ملابسي العلوية وأبقيت على ملابسي الداخلية. قلت لهم: أظن أن هذا يكفي، ويمكنكم أن تفشوني كما تشاؤون. أعادوا لي ملابس بعد تفتيشها بدقة، ثم أخذوني إلى قاعة، وهناك فوجئت بكاميرتي فيديو تقومان بتصويري من جهتين مختلفتين. قابلني ضابط بحريني وأخذ يلقي علي التهمة: تعرف إنت ليش هني؟ أنت متهم بتنظيم خلية إرهابية في عمان بغرض التدريب على حمل واستخدام الأسلحة وصنع المتفجرات والإخلال بأمن البحرين واستهداف مناطق حيوية. هل لديك تعليق؟
تعليق؟!!! أي تعليق يمكن أن يكون لدي؟ وجدتني أضحك!! صدقاً ضحكت. هل أنا في كابوس أم في حلم أم في ماذا؟ لم أكن قادراً على استيعاب ما يدور حولي. ما هذا كلّه؟! قلت للضابط: لا لا تعليق لدي، لا أستطيع أن أعلّق!! قال الضابط: سننقلك من عمان إلى البحرين، لا نريد أي ردات فعل غير طبيعية، أي حركة ستبدر منك سنلقنك ضربة من الخلف يغمى عليك ولن تفتح عينك إلا في البحرين. كانت الصور تروح وتجيء في رأسي، صورة عائلتي التي تركتها وحيدة غريبة حائرة، صورتي وأنا ذاهب إلى المجهول، صور كل من اعتقلوا وأعرف جيداً ما تعرضوا له من تعذيب. وجدتني أدخل في صمت مطبق. فعلت بانصياع تام كل ما أُمرت به. أُخذت إلى طيارة صغيرة جداً. كنت محاطاً بحوالي 6 من المخابرات البحرينية. العصابة على عيني والقيد في يدي. أغمضت عيني. قررت أن أنام لأتقوى على ما سأواجهه بعد وقت قصير. استغرقنا أقل من الوقت الطبيعي للوصول إلى البحرين ربما 45 دقيقة فقط. لم أعرف إذا كان هناك معي في الطيارة أحد غيري. لم يكن أي منا يتجرأ على أن ينبس ببنت نفس.
أحد الشباب قال لنا فيما بعد واصفاً هذه اللحظة: تمنيت لو تسقط الطائرة وأموت ولا أن أقع في أيديهم!!
توقفت الطائرة، أنزلونا، لم أكن أعرف حتى ذلك الوقت ما إذا كنت وحدي أم أن أحداً معي. كنت أمام مطار الصخير العسكري. أركبوني سيارة ذات صندوق حديدي مغلّف. كنت معصباً وموثقاً. الصندوق يتكون من كرسيين طويلين على طرفيه، وباب حديدي محكم. تكررت الأوامر: "ما نبي تطلّع ولا أي صوت إذا تريد تسلم على روحك". جلست بهدوء مطبق عند أحد الطرفين. أثناء تحريك رجلي لتعديل وضع جلستي اصطدمت بأحدهم، كان يجلس في الوسط، عرفت أن أحداً معي. سمعت صوت الباب يفتح ويتم إخراج هذا الشخص ثم يعاد ويجلس على الكرسي المقابل. لم يكن ثمة نفس آخر.
مباشرة أخذونا إلى مستشفى القلعة. تم إزالة العصابة وكان الفيديو يوثّق كل شيء. انتهينا من الفحوصات وتم إركابنا للصندوق المحكم مرة أخرى، ومنها أخذونا إلى مكان لم يكن بعيداً. تم استبدال العصابة والهافكري بآخرين، وقادني أحدهم من كتفي داخل ممر ضيق، لم يكن مهماً أنك تمشي مصمّداً لا ترى شيئا، سيعترضك في الطريق أي شيء، وستصطدم بأي شيء وأي أحد وستواصل المشي بصمت. أدخلوني في مكان، عرفت أنه غرفة بعد أن سمعت صوت إغلاق الباب، بعد فترة من الوقوف حركت رجلي لأستشعر المكان، اصطدمت رجلي بجدار. كنا في الشتاء ومع ذلك فإن التكييف مشغّل أقصاه في هذه الغرفة التي من الواضح أنها صغيرة. كانت قواي قد بدأت في الانهيار.
جاءني صوت الضابط الأردني المعروف، الذي أميّزه تماماً وأعرف لهجته الاردنية (اتحفظ الآن على ذكر اسمه): تعرف إنت وين؟
- لا
-في التحقيقات الجنائية. تعرف قضيتك؟
-لا
- آآآآه.. بلشنا نستهبل
بدأ التهديد: "إحنا ما بنضربك عشان ما يطلع فيك أثر، بس عندنا شباب يعرفون يغتصبون على مستوى"، التهديد الثاني اغتصاب أختي. بعض الشباب أخبروني فيما بعد، أنهم عندما كانوا في التحقيقات، تم الاتصال بزوجاتهم أمامهم، وقالوا لهم: هل رأيت؟ نحن نعرف كل تحركات زوجتك، ونعرف أين هي، ويمكننا الوصول اليها بكل بساطة واغتصابها".
لم تكن الأسئلة التي وجهت لي تستدعي أي من هذه التهديدات، ولم يكن للغلاظة أو الاستخفاف أو التهديد الوقح أي معنى وهم يسألوني أسئلة اعتيادية: لماذا خرجت من البحرين؟ ماذا تفعل في عمان؟ ما طبيعة عملك في عمان؟ من هم الذين تحتك بهم وتتعامل معهم في عمان؟ ثم سألوني عن تحويل مبلغ مالي عملته إلى عمي عبد علي الحدّاد (تم اعتقاله بعد ذلك ب6 أشهر، ووجّهت له التهمة ذاتها له قبل تبرئته معي).
لم يتجاوز التحقيق معي الدوران حول هذه الأسئلة. كان ذلك يطمئنني حينها أن الأمر لا يتجاوز ذلك، فلا شيء يدينني في الواقع، طبيعة عملي في عمان لم تكن سراً، ودائرة علاقاتي التي كانت مع العمانيين أكثر من البحرينيين لم تكن سراً أيضاً.
6 أيام مهلكة قضيناها في التحقيقات، لم يكن أحد فينا يعلم بوجود آخرين. لم نذق النوم خلالها وبطبيعة الحال بلا صلاة. نقف مصمدين وموثقين إلى الخلف. 3 مرات حقّق الضابط الأردني معي. الأسئلة ذاتها والإجابات ذاتها بلا نوم ولا راحة. تستغرق جلسة التحقيق ساعات، يتم إعادتي منها إلى الغرفة لأظل واقفاً مصمداً وموثقاً إلى الخلف، ثم أُعاد مرة أخرى إلى التحقيق، وتعاد الأسئلة ذاتها، والإجابات ذاتها، وهكذا.إنهارت قواي تماماً، لكني كنت أحاول إبقاء تركيزي حاضراً كي أبقي على أقوالي ثابته. في المرة الأخيرة طبع (الضابط) الإفادة، وأمرني بالتوقيع عليها دون قراءتها.
بعدها أُخذت إلى مبنى آخر، وأُدخلت على مكتب به 6 ضباط قاموا باستجوابي في وقت واحد، الأسئلة ذاتها أيضاً والإجابات ذاتها قبل أن يتم إرجاعي إلى المبنى الأول. صباح اليوم التالي تم إدخالي غرفة أخرى، أزالوا الصمادة عن عيني والهافكري، كان أمامي شخص ضخم الجثة ملثم الوجه: أعد أقوالك من جديد. فعلت. طبع لي ورقة بافادتي ووقعتها. لا أذكر عدد المرات التي سئلت فيها الأسئلة ذاتها وأعدت الإجابات ذاتها. أعادوني إلى الغرفة وبقيت حتى المغرب. ثم أخذوني إلى غرفة وأمروني بخلع ملابسي، وتم تصويري لإثبات عدم وجود آثار تعذيب على جسدي، ثم إلى مكتب الملثّم ذاته، أعطاني ورقة أخرى للتوقيع عليها.
في اليوم التالي ليلاً، أخذوني إلى التحقيق في النيابة العامة التي بقيت فيها حتى الفجر، كان التحقيق في ذات التفاصيل، بتطويل أكثر، لكن النائب العام كان طيباً معي للأمانة، وشعرت أنه لا يريد تلفيق تهم لي. خرجت وأنا أشعر أن الأمور تسير بشكل جيد. أعادوني إلى مبنى التحقيقات، أجلسوني في غرفة وتم تحريك القيد من الخلف إلى الأمام. طلب الضابط مني كلمة السر الخاصة بهاتفي، وبعد أن فتح هاتفي وتصفحه قال لي: "جهز نفسك بجون الشباب يطلعونك". آآآآآه.. تنفست الصعداء، قلت بثقة: أنا جاهز.
يضحك هيثم وهو يتذكر هذه اللحظة وما حدث بعدها: بعد نصف ساعة أركبوني دورية شرطة، كنت متهيئاً للفرج، سارت بي واتجهنا إلى المحرّق، عندما وصلنا إلى دوار المطار، ظننت أنهم سيرجعوني إلى عمان مرة أخرى، قلت لسائق الدورية: "لماذا سترجعوني؟ طيب اتركوني أرى عائلتي وأهلي أولاً". كان الشرطي ينظر لي بتعجب. المضحك أكثر أني كنت أسأله عن هاتفي وحاسوبي: "لم ترجعوا لي أغراضي، في حاسوبي عمل كثير وأحتاجه ضروري". السائق المتعجب لا يجيب. وصلنا عند مركز شرطة المطار، وأنا لا أزال في جهلي. ظننت أننا متجهون هناك لتخليص باقي إجراءاتي. في المركز قالوا لي إذا تريد تسبح. لا زلت أعتقد أنهم يهيئوني للخروج. استحممت وقمت بإبدال ملابسي وصليت لأول مرة منذ اعتقالي. أحضروا لي وجبة غذاء وتناولتها، وبقيت متأهباً لإخراجي. لم أفهم أني معتقل في سجن المطار إلا بعد أن أغلقوا علي باب الزنزانة وأدخلو معي سجين آسيوي لا يتكلم بأي لغة أفهمها.
ماذا كان ينتظر هيثم ورفاقه في سجن المطار؟ في الحلقة القادمة.
- الحلقة الثانية