بروفايل "خليل المرزوق": الرجل الذي ترأس البرلمان وفاوض ولي العهد في سجن قريب من قصر الدكتاتور(1-2)
2013-10-23 - 6:10 م
"لا يمكن أن يكون هناك حوار حقيقي إذا كان هناك قسم من المعارضة السلمية في السجن".
الرئيس الأمريكي باراك أوباما، 19 مايو/أيار 2011
مرآة البحرين (خاص): على مقربة من الديوان الملكي، يقضي نائب رئيس البرلمان البحريني المستقيل خليل المرزوق أيام سجنه معزولا في زنزانة انفرادية، بمركز شرطة الرفاع، الذي بات من المعروف أنه تحت سيطرة جهاز المخابرات والجيش بشكل مباشر.
الرجل الذي ترأس آخر جلسة للبرلمان البحريني قبل 14 فبراير/شباط 2011، ثم كان على رأس فريق المعارضة في مفاوضات ولي العهد، ثم التقى مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق جفري فلتمان في أحلك الظروف، ثم ترأس فريق المعارضة في منتدى الحوار الوطني مدعوا من الملك، يقبع الآن في السجن لأول مرة بعد أكثر من 21 عاما من العمل السياسي كان جزء منه سريا.
وحين تكون تهمة نائب رئيس البرلمان، وأحد مرشحي المعارضة المحتملين لرئاسة الحكومة، هي الدعوة إلى الإرهاب، والتحريض على تغيير النظام السياسي بالقوة والتحريض على عدم الانقياد للقوانين، فإن هذا يعني أن السلطات تجهر بالانتقام من المؤسسة الرسمية للمعارضة، وتستهدف 64% من أصوات الناخبين، الذين كان المرزوق على رأس الكتلة التي تمثلهم!
الرجل الثاني
في صدر مجلس الوفاق يقف المرزوق مستقبلا الضيوف بالنيابة عن أمين عام الجمعية الشيخ علي سلمان في حال غيابه، وكما تقدم المرزوق فريق المفاوضين بدلا من الشيخ في عدة لقاءات جمعت المعارضة بولي العهد البحريني، كان هو أيضا أكثر من يصعد منصة الاعتصامات بعد سلمان متحدثا للجماهير.
انتخب خليل عضوا في الدورة الأولى لمجلس إدارة جمعية الوفاق، ثم أصبح نائبا لرئيس الكتلة وممثلها في أعلى منصب حصدته بالبرلمان، وبعد استقالة الكتلة من المجلس في فبراير/شباط 2011، عين عضوا في الأمانة العامة للجمعية، وبات مسئول العلاقات الخارجية فيها.
كان خليل عنصرا أساسيا في صناعة توجهات الجمعية وصياغة خطابها السياسي، وقام كذلك بتطوير ومراجعة نظامها الأساسي. يتصدى المرزوق للمؤتمرات الصحفية الهامة، وهو من بين المجموعة المسئولة عن إصدار البيانات وتحضير الخطابات والكتابات والرسائل الخاصة بالجمعية.
الرجل الثاني في جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، كبرى القوى السياسية المعارضة، والمعاون السياسي الخاص لأمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان، وخزانة أسراره، في سجن مركز شرطة الرفاع، ينتظر أول محاكمة لنائب رئيس البرلمان في تاريخ البلاد!
إحدى المفارقات، أن يستهدف الرجل الثاني في جمعية سياسية تعمل بشكل رسمي في البلاد، بكل هذه التهم، لكنها تظل تعمل!
المهمة الأخيرة!
آخر مهمة سياسية قام بها المرزوق كانت السفر إلى اليونان، كان ذلك بعد خطابه الشهير الذي رفع فيه علم ائتلاف 14 فبراير، وبعد بروز ملف البحرين من جديد في جنيف وبيان الدول 47، وبعد قرار الاتحاد الأوروبي الموجه ضد حكومة البلاد، وبعد خطاب الرئيس الأمريكي أوباما في الأمم المتحدة، وكذلك بعد ما سرّب عن لقاءات جمعت المرزوق بولي العهد، ولم تؤكدها مصادر في الجمعيات السياسية.
كانت المؤشرات تشير بقوة إلى اعتقاله، لكنه رغم ذلك عاد للبلاد، ليستدعى للتحقيق، ويقاد مخفورا إلى مركز شرطة الرفاع، قريبا من الديوان الملكي.
تلقى المرزوق معاملة سيئة منذ اعتقاله، إلا أن مصادر تحفظت على ذكر تفاصيل هذه المعاملة. لكنه حتى وهو في داخل السجن كان يطمح إلى ثمة مكاسب سياسية في هذا الصراع المرير مع النظام الحاكم!
خزانة أسرار الشيخ علي سلمان
"بداية معرفتي بخليل كانت قبيل انتفاضة 1994-1995، عبر لقاءات في المسجد" يقول الشيخ علي سلمان في حديث مطوّل أجرته مع "مرآة البحرين" حول اعتقال ذراعه اليمين خليل المرزوق.
"كان دائما يتكلم عن شيخ علي، لن أرجع لمسجد الخواجة إلا إذا رجع شيخ علي، لم نكن بعد نعرف من هو شيخ علي؟" أحد أشقاء المرزوق. حين رجع سلمان يؤم الجماعة في مسجد الخواجة بالعاصمة المنامة، كان خليل هو الشخص المصاحب له دائما، وهو الذي يحضره للصلاة.
"النقاشات الأولى بيني وبينه، كشفت أنه عقلية منفتحة ناضجة، ممكن أن تكون مبتكرة، تثير أسئلة عميقة، وتفتح آفاقا غير اعتيادية" بعض الأحيان يكون حديث الجمعة نفسه محل النقاش بين سلمان والمرزوق خلال الطريق.
اشترك المرزوق مع الشيخ علي في نفس اللجنة البرلمانية، اللجنة التشريعية، كان المرزوق رئيسا وسلمان عضوا في اللجنة، ما أثار استغراب وسائل الإعلام "الشيخ علي سلمان جدد من خلال تزكية المرزوق ثقته الكبيرة به، إذ يرى فيه مشروعا قياديا واعدا، وهو يسمى خزانة أسرار سلمان" هكذا قالت صحيفة الوسط وقتها.
"كنا نذهب معا إلى مجلس النواب، يوم الثلاثاء ويوم الأحد، وكنا أيضا نستغل وقت الطريق للنقاش عن البرلمان والقضايا السياسية" .
يتحدث الشيخ علي سلمان عن القيادي المعتقل خليل المرزوق كما لا يتحدث عن أي شخص آخر "إنه أحد النماذج الشبابية الواعدة، لا حاجة للتدليل على ذلك، كان هناك نجاح واضح لدوره، وارتياح له من الداخل والخارج، لقد اعتبروه خيارا جيدا ناجحا يتقدم إلى تحمل جزء من المسئولية".
إذا كان هناك ثمة صعوبات في التأثير على صناعة الرموز في المجتمع، فإنه لا شك هناك عناصر ذاتية لابتكار وتصدير النماذج السياسية، وفي ظل استراتيجة تعمل على المدى الطويل، سيكون أحد أهم هذه النماذج السياسية المبتكرة: القيادي خليل المرزوق.
"بالمجمل نموذج خليل يطرح تحديا كبيرا على النظام" الشيخ سلمان، "خليل يفوق كل النماذج الذي يستطيع أن يقدمها النظام، أين يوجد في النظام من يوازي خليل؟"
الجامعة العريقة
"كان شخصا متميزا باعتبار تخرجه من جامعة عريقة، يتصرف بأسلوب الإداري في العمل السياسي" الشيخ علي سلمان متحدثا عن المرزوق.
في العام 1990م تخرج خليل المرزوق بدرجة البكالريوس في علوم الكمبيوتر من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، المصنفة كأفضل جامعة عربية وفي المرتبة 94 دوليا. كان المرزوق من أوائل البحرينيين الذين التحقوا بهذه الجامعة، كما كان من أوائل البحرينيين الذين حصلوا على شهادة CISA الدولية كمدقق أنظمة معلومات معتمد. وفي العام 1998 حصل المرزوق أيضا على شهادة الماجستير في الإدارة وتقنية المعلومات من جامعة شفيلد هالام، ثالث أكبر جامعة في بريطانيا.
لعب الجانب الأكاديمي من شخصية المرزوق دورا كبيرا في حياته السياسية "ساهم ذلك كثيرا في طريقة تفكيره وإدارته للعمل التنظيمي باحتراف وتميز في جميع الملفات التي تعامل معها، وكان أهمها ملف التصويت الانتخابي قبل انتخابات 2006، وإدارته اللجنة التشريعية بمجلس النواب لمدة 4 سنوات، ومشروع التعديلات الدستورية التي أسقطها المجلس بعد استقالة الكتلة" النائب المستقيل علي الأسود.
كان المرزوق كذلك متحدثا بارعا ومقنعا، بعض النواب يسألونه باستغراب كيف تلقي خطاباتك ومداخلاتك بأفكار متسلسلة دون أوراق؟
ترقى المرزوق في المناصب المهنية بشركة البحرين للاتصالات (بتلكو)، فمن محلل نظم أول، إلى مدير لخدمات الدعم، ثم مدير لأنظمة العمل الجماعي، وصولا إلى مدير الإدارة الإلكترونية بالشركة. للمرزوق إنجازات واضحة في بتلكو، وهو أول من طرح فكرة تطبيق تقنية (الإنترانت) بالشركة.
تقاعد المرزوق من بتلكو في العام 2003 وأسس شركة متخصصة في تطوير البرمجيات، نشاطه السياسي أثر كثيرا على عمله الخاص، وكانت النتيجة أنه سرعان ما تخلى عن العمل ذي الطابع المهني، لصالح العمل الاجتماعي والسياسي.
"قبوله بالترشح لانتخابات 2006 والاستقرار كان انحيازا وتفرغا كليا للعمل السياسي وخدمة الناس" يقول الشيخ سلمان.
إدارة التخطيط السياسي
أدار المرزوق ملف التصويت الإلكتروني، بداية 2006، حين كانت الحكومة تتجه إلى استخدام "التصويت الإلكتروني" في الانتخابات، وكانت نتيجة المعارضة القوية للمشروع والمبنية على كشف ثغراته الأمنية والتقنية، أنه سقط ولم ينفذ.
ومع الاستعداد لخوض الانتخابات النيابية لأول مرة، دخل المرزوق على مناطق مختلفة من العمل السياسي، وتولى قضايا هامة، إلى أن عين في العام 2006 ناطقا رسميا باسم الوفاق.
إلى جانب رئيس الكتلة النائب المستقيل عبد الجليل خليل، لعب نائبه خليل المرزوق دورا مهما في إدارة كتلة الوفاق في برلمان 2006 و2010. ولم يكن أحد يعرف مقدرة خليل الإدارية وقدرته على تحمل الملفات الكبيرة، حتى ترأس لجنة الشئون التشريعية.
قدرته العملية وخبرته في إدارة الشركة أثرت هذا البعد، الملفات الرئيسية باتت في عهدته. لقد كان مسئولا عن التخطيط الاستراتيجي للجمعية والكتلة. كان المرزوق من أبرز واضعي البرنامج الانتخابي لكتلة الوفاق في 2006، يقول مقرب منه بأنه وضع هذا البرنامج لإدارة الدولة وليس للبرلمان فقط.
حملت وثائق المعارضة ذات الطابع السياسي، مثل وثيقة المنامة ووثيقة اللاعنف ووثائق أخرى لم يكشف عنها بعد، بصمات خليل المرزوق بشكل واضح. الكثير من مشاريع المعارضة كان هو من يقدمها أو ممن يشارك فيها على الأقل. يقضي المرزوق أوقات فراغه حتى خلال السفر في العمل على إعداد المشاريع وأوراق العمل والخطط وغيرها.
نموذج منفتح وحلقة وصل
يتمتع المرزوق بقبول واسع داخل المجتمع بسبب شخصيته الهادئة والمبالغة في التواضع. يصر على أن يصطف في أي طابور، وأن يجلس وسط المسجد أو المأتم بين الناس دون أي تمييز، يقبل على الناس ويقترب من الجميع ويحسن الاستماع إليهم، هكذا يراه المحيطون به.
رغم شخصيته القوية ورزانته وجديته في العمل السياسي، إلا أنه يتميز بروح النكتة والمداعبة، وهذا ما يشعر به كل من يتعامل معه عن قرب، حتى حين ترأس مجلس النواب لأول مرة.
"لم يكن لدي مشكلة في أن أرجعه عن مستواه في أي مهمة، لا أخاف أن أرئّس عليه أي شخص آخر في الجمعية، هو مستعد أن يعمل بكل تواضع. هو مخلص إلى القيم والمبادئ التي تربى عليها".
يرى سلمان أن أسلوب خليل ونموذجه المنفتح وخطابه الراقي قادر على التواصل مع العالم، ولذلك كان حلقة وصل إيجابية مع الكتل، مع التجار، مع المثقفين، ومراكز الدراسات والهيئات الدبلوماسية.
خليل متميز في التواصل مع جميع الكتل في المجلس، محبوب من قبل جمعية الأصالة (سلف) وموثوق من قبل جمعية المنبر (إخوان) ويتميز بعلاقات ممتازة مع المستقلين، هو المعني بالتواصل مع بعض النواب ودائما ما يتميز بحل قضايا خلافية عبر تواصله والاستفادة من علاقاته، لهدوئه وتقبله للآخر وسماعه لمختلف الآراء والتوفيق بينها.
على المدى المتواصل، اكتسب المرزوق فن التعامل مع الساسة والدبلوماسيين، وبات أكثر الأشخاص قبولا عند مختلف الأطراف.
تميزت علاقاته الدبلوماسية بسرعة بناء الجسور مع مختلف السفارات والقنصليات وكذلك مع المنظمات الدولية والبرلمانية. التقى المرزوق ممثلا عن الوفاق بعشرات الوزراء والسفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية، وأرفع المسئولين الدوليين، وبخلاف مساعدي وزير الخارجية الأمريكي السابقين جفري فلتمان، ومايكل بوسنر، التقى المرزوق بوزير الدولة البريطاني للشئون الخارجية أليستر بيرت، وآخرين عديدين.
بحكم علاقاته السابقة في مجلس النواب، وفي عالم التجار، كانت للمرزوق محاولات لرأب الطائفية، لكن الوضع السياسي المتفاقم حال دون نجاحها.
المنامة 2006: رئاسة اللجنة التشريعية في مجلس النواب
لدى خليل المرزوق طموح كبير في التغيير، كان يشتعل لديه الحماس لأن يخوض التيار تجربة الانتخابات البرلمانية رغم كل النتائج المتوقعة.
مر ترشح المرزوق ببعض العقبات ومنها تصديق شورى الوفاق، حيث اعترض بعض أعضاء الشورى لعدم معرفتهم الكافية بخليل، وكذلك لأن الدائرة التي كان سيمثلها في العاصمة، عمق المنامة ، حيث يوجد الكثير من الكفاءات والنخب التي يمكن أن تنافس، سواء من داخل الوفاق أو خارجها.
الدائرة التي ترشح فيها خليل كانت دائرة فريدة من نوعها، حيث تضم أكبر خليط من فئات المجتمع، من جميع الطوائف والإثنيات والاتجاهات السياسية، رغم ذلك فاز المرزوق بأغلبية الأصوات من الدور الأول متفوقا على 12 منافسا، في حين اتجهت بعض الدوائر الأخرى الأقل تعقيدا إلى دور ثان!
"لقد كان مقنعا حين يقف على المنصة، متوفرا على الاستعداد الخطابي، استطاع تسويق نفسه بقوة" يقول الشيخ سلمان.
ترأس المرزوق اللجنة التشريعية، أهم لجان البرلمان، وقاوم رغبة السلطة في السيطرة عليها لمدة 4 سنوات، "تكيف معها بصبره وحكمته وسماعه للجميع وتواصله معهم" يقول النائب المستقيل علي الأسود.
كانت اللجنة التشريعية مكونة من النائب السلفي جاسم السعيدي ورئيس جمعية المنبر (إخوان) عبد اللطيف الشيخ وآخرين من كتل مختلفة، واستطاع المرزوق أن يدير هذه اللجنة دون نزاعات ومشاكل، وبتخفيف الحدة إلى الأدنى، كانت إدارته فاعلة ومنتجة بتعبير سلمان.
نائب رئيس البرلمان
اعتذر خليل المرزوق عن الترشح في انتخابات 2010، وبضغط من الشيخ علي سلمان تراجع. استلم المرزوق أكثر الملفات الحرجة أمام الجماهير وقتها: ملف إنجازات الكتلة النيابية.
ورغم انخفاض المشاركة، نجحت الكتلة في إيصال 18 نائبا والحصول على 64% من أصوات الناخبين المشاركين، ورغم أن الوفاق رفضت حضور حفل افتتاح البرلمان وجلسة توزيع المناصب في 2006 احتجاجا على التوزيع الجائر للدوائر الانتخابية والذي جاء ليحرمها بشكل متعمد من الأغلبية في المجلس النيابي، إلا أنها حضرت الحفل في 2010 لتكون هناك انعطافة مهمة في تاريخ العمل السياسي الرسمي للمعارضة.
فتعويضا عن رئاسة المجلس التي كان يجب أن تحصل عليها الوفاق باعتبارها الكتلة الأكبر، منحت الكتلة منصب النائب الأول لرئيس المجلس، وساهمت صورة المرزوق في الفصل التشريعي السابق وكونه شخصية مقبولة بشكل كبير من جميع الأطراف في أن يكون المرشح الأبرز لهذا المنصب، وعليه انتخب بالتزكية ليكون أول نائب رئيس للبرلمان من المعارضة.
"من خلال البرلمان، أعطى خليل انطباعا للعالم عن صورة الوفاق الحضارية القادرة على إدارة الدولة، وجعل وضعها مقنعا أمام العالم" يقول مقرب من خليل.
يعتبر الشيخ سلمان منصب نائب الرئيس ثقلا للجماعة السياسية والوفاق، بعد 4 سنوات من المشاركة في البرلمان، جاء هذا المنصب ليكون عاملا آخر في خلخلة التوزانات السياسية، وإعطاء مزيد من الاعتبار الرسمي لجمعية الوفاق، وبلورة علاقاتها الدبلوماسية والسياسية خارج البحرين وداخلها بشكل أقوى بكثير، وسيكون ذلك عاملا أيضا في اختلاف التعامل مع المعارضة على الصعيد الدولي عما كان عليه خلال التسعينات على سبيل المثال.
الجلسة الأخيرة
نظرا لغياب رئيس المجلس خليفة الظهراني، ترأس المرزوق آخر جلسة حضرتها كتلة الوفاق المعارضة في البرلمان، في 8 فبراير/شباط 2011، وقد كانت جلسة تاريخية بشهادة جميع المراقبين، حيث طغت وسيطرت عليها أجواء 14 فبراير، وكانت الخطوة الأولى لانضمام المعارضة إلى صفوف الثورة التي ستكون لاحقا المشهد الوحيد على الساحة السياسية.
أثارت الجلسة ضجة كبيرة، وكانت البداية حين طلب النائب المستقيل عبد الجليل خليل من رئيس الجلسة خليل المرزوق، قراءة خطاب بمناسبة الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني، بعد أن تقدم عبد الجليل بطلب قبل بدء الجلسة برفع خطاب إلى الملك بهذه المناسبة، وصوت المجلس بالموافقة على ذلك.
وقبل أن يبدأ عبد الجليل خطابه، قال المرزوق "أتوقع أنها إرادة متفقة أن نرفع باسم المجلس بياناً بمناسبة ذكرى مرور عشر سنوات على ميثاق العمل الوطني ونحث على إسراع الخطى بتنفيذ بنوده التي لم تفعل، ولا أعتقد أن هناك اعتراضاً".
وألقى عبد الجليل خليل خطابا تاريخيا حادا ألقى فيه باللوم على صناع القرار السياسي في البلاد في عرقلة الإصلاح السياسي وعدم تنفيذ وعودهم السابقة "المشروع الإصلاحي والحركة التصحيحية التي قادها جلالة الملك، عُطلت وحرفته عن مساره بعض الأطراف المتنفذة التي خسرت مصالحها الشخصية التي كانت تتمتع بها في حقبة قانون أمن الدولة ومحكمة أمن الدولة"، وقال عبد الجليل إنه بعد عام واحد من العمل السري لهذه الأطراف، صدر دستور 2002 الذي أفرغ الحركة الإصلاحية من محتواها، وأعاد البلد إلى المربع رقم واحد.
وتحدث عبد الجليل عن سلب المجلس الوطني المنتخب سلطته التشريعية، وقال "من هنا أرفع رسالة صادقة إلى جلالة الملك في ذكرى الميثاق، وفي ذكرى مرور عشرة أعوام على الميثاق، وفي ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، أن الشعب ينتظر أن تكون هناك خطوات تصحيحية جريئة تعيد الثقة والأمن والاستقرار إلى هذا البلد الصغير بحجمه الكبير بتطلعاته".
وطالب عبد الجليل الملك بالعودة لميثاق العمل الوطني "لا أكون صادقاً نصوحاً يا جلالة الملك إلا إذا قلت: إن إطلاق سراح المعتقلين وعودة المبعدين والشراكة الحقيقية في صناعة القرار عبر مجلس منتخب له كامل الصلاحية في التشريع والرقابة".
وقبل أن يكمل عبد الجليل خطابه، قاطعه رئيس كتلة الأصالة (سلف) النائب غانم البوعينين (الذي عين وزير دولة للشئون الخارجية لاحقا)، وقاطعه آخرون من مختلف الكتل النيابية معترضين على مضمون خطابه، ما دفع المرزوق لطلب رأي المستشار القانوني الذي أيد قانونية مداخلة النائب خليل.
وعلى ضوء ذلك قال المرزوق "إنها مداخلة تتضمن رأيه الشخصي، وأنه قبل الدخول في جدول الأعمال يجب إطلاع المجلس على الرسالة الواردة، وتخصص نصف ساعة لذلك ويجوز للنائب التعليق عليها لمدة 5 دقائق".
ورفض البوعينين كلام المستشار القانوني مصراً على إبداء نقطة نظام، لكن المرزوق رفض إعطاءها إياه في البداية مكتفياً برأي المستشار القانوني، إلا أن البوعينين حزم أمتعته وهم بالخروج من المجلس احتجاجاً على ذلك، ما دفع المرزوق بالسماح له بإبداء نقطة النظام.
وحين اعترض وزير شئون مجلسي الشورى والنواب عبد العزيز الفاضل أكثر من مرة على إدراج الرسالة في بداية الجلسة، رد عليه المرزوق "الرئاسة حسمت الموضوع".
وكان خطاب عبد الجليل، بداية لمداخلات ساخنة من النواب أبدوا فيها وجهات نظرهم بشأن ميثاق العمل الوطني، وامتد الحديث ليشمل فترة انتفاضة التسعينات ومآلاتها.
أثارت الجلسة ضجة كبيرة لدى نواب الموالاة، وقطع تلفزيون البحرين بث الجلسة بشكل مؤقت. رئيس المجلس خليفة الظهراني لام المرزوق لاحقا وقال له "هل هذه وصيتي لك؟"، خليل رفض كلامه ورد عليه "هذه مسؤليتي".
في مقال بجريدة أخبار الخليج في 10 فبراير/شباط 2011 قال الكاتب لطفي نصر "كلمة حق يجب أن تقال: لقد نجح النائب خليل المرزوق في إدارة الجلسة، فقد فوجئت أنا شخصيا وغيري بهذه الدرجة العالية من السيطرة على الجلسة وتسيير أمورها وحواراتها بمهارة".
لم يكن هذا المديح الوحيد الذي تلقاه المرزوق من صحف الموالاة، فحين ترأس المجلس لأول مرة في 11 يناير/كانون الثاني 2011، قالت صحيفة البلاد إنه "في أول صعود له على منصة الرئاسة، استطاع النائب الأول لرئيس مجلس النواب خليل المرزوق إدارة الجلسة بعد مغادرة الظهراني، بحكمة واقتدار، ولعب دوراً حيادياً بين المتداخلين أثناء مناقشات مشاريع القوانين والمقترحات برغبة".
"لو استمر المرزوق في منصبه لكان أبرز وجه في البرلمان، ورغم أنه حاسم لكنه كان متسامحا" الشيخ علي سلمان.
في الحلقة القادمة، نتناول سيرة خليل المرزوق منذ 14 فبراير/شباط 2011 وحتى تاريخ اعتقاله.
هامش: