» رأي
منْ يدير إعلام الكراهية البحريني؟
نادر المتروك - 2011-06-20 - 10:23 ص
نادر المتروك*
الحال التي وصلت إليها الصحافة في البحرين قد تكون الأسوأ في تاريخ الإعلام المكتوب، وأستطيع الجزم أنّ دراسات أكاديمية عديدة ستأخذ هذا الإعلام نموذجا لدراسة إعلام الكراهية وخطاب التحريض ضد المجتمع. لقد امتلأت الصحافة بقاموس غير مسبوق من البذاءات، وتحوّلت وسائل الإعلام إلى ميادين مخزية لنشر الفضائح والانتقامات الشخصية والتعرّض للضّعفاء الذين لا يملكون فرصا عادلة للدّفاع عن آرائهم وتبيان وجهات نظرهم. الصحافة في البحرين باتت مساحة لابتكار الشتائم وتفريغ أسوأ نواتج الكبت الطائفي، عوضَ مناقشة الأفكار والطروحات السياسية للمعارضين. نعم، نعم، لا أنسى إنه إعلام تابع للسّلطة، ولا أتوقّع منه تبنّي آراء المعارضة وإعطاء المخالفين للنظام فرصا معقولة للظهور فيه وتبيان مواقفهم. لكنه ارتكب "الفاحشة"! أصبح وسيلةً بشعة لإتمام عمليات التطهير. يلجأ الإعلام عندنا إلى النّبش في الخصوصيات، وتركيب طعون مشخصنة، ويستعين في ذلك بالغرف القذرة في جهاز المخابرات أملاً في إحراج الخصوم وتهديدهم. أيّ إعلام هذا؟ ومن ذاك الصّحافي الذي يحترم المهنة – قبل أن يحترم نفسه – يسمح لقلمه بالتّورط في هذه القذارة؟
يوم الجمعة، كتبَ نبيل الحمر، المستشار الإعلامي لعاهل البحرين، في تويتر هذه العبارة:"لنسقط العبارات الجارحة والألفاظ النابية والنظرات الغاضبة من خطابنا فإنها تسيء إلى الوطن وأبنائه وتشوّه صورته". بالنظر إلى موقعه الرسمي، فقد كان من الطّبيعي أن يتفاعل المرءُ مع كلام الحمر، واعتباره بمثابة تنبيه مهذّب للإعلاميين والصحافيين، يُفترض بهم الأخذ به، واحترامه ولو رويدا رويدا. من هذا الظّن، وجدتُ ما ذكره المستشار بادرةً لابد من تلقّفها، والتّبخير لها، وإعطائها الاهتمام اللائق. كنتُ متحمّسا، حدّ أن بعضهم استهزأ بي بلُطف، واعتقد أن شيئاً من أشيائي قد فُقِد! زميلٌ أرسل عبر الخاص ما يفيد أنّه بدأ يشكّ!
كانت الصحافة، حتّى اللحظة، تعجّ بالتّجريح. غيرُ واضح الدافع الذي دفعَ الحمر لكتابة تلك الدّعوة على تويتر، لكن المعروف أن كلّ الفضاء الإعلامي في البلاد هو مُلكٌ للسلطة، والصحفُ تحت سيطرتها، ومن غير شكّ أنّ الصّحف تُعلن انسجامها مع سياسة السّلطة بالمطلق. هذا الإعلام، وليس غيره، هو الفائضُ بأضخم الألفاظ المعيبة. هذا لا يمكن أن يغيب عن المستشار بطبيعة الحال، وهو يعلم جيدا أنّ الإساءة إلى الوطن، وتشويه صورته إنّما تمّت – وبأبشع ما يكون - حينما احتلّ الإسفافُ التلفزيونَ، وسيطرَ الشتّامون والطائفيون والمفتّنون على الصحف، إلا قليلا قليلا قليلا. يعلمُ المستشار أنّ أي إعلامي محترف يُصاب بالقرف عندما يفتح الشاشة على قناة "العائلة العربية"، ولا يستطيع إلا أن يفرغ كلّ غضبه واستخفافه بسلطةٍ لا تجد غير الهرطقات والشتائم للدّفاع عن نفسها وردّ المخالفين.
جميلة دعوتك أستاذ نبيل. جميلة جداً. لكن ما فائدتها الآن؟ ففي اليوم التّالي لنشرها، تبيّن أنّ الإعلام الشتائمي نفسه لا يقبلَ بها. وهو إعلامٌ رسمي، المسؤولون عليه معروفون. المشكلة إذن، أنّ قرار "الكبار" لازال على ما هو عليه، ولذلك لم تأخذ هيئة الإعلام بدعوتك، والصّحف ضربت كلامك عرض الحائط. إنهم يأتمرون بجهاتٍ أخرى، تجد من مصلحتها استمرار القذف والتخوين المفتوح، وليس مهما لديها أنّ ذلك سيشوّه صورة البحرين، ويحطّ من قدْر الإعلام، فكلّ ذلك في مرمى البصاق!
فقط، حينما يصدر الأمرُ السّامي، والقرار الرّادع، سيكفّ كلّ هؤلاء عن فظاعاتهم في الإعلام، ولن يجدوا صعوبة في التحوّل إلى ملائكة، رحماء بينهم، ينشرون الفضيلة ويدعون لها، ويبشّرون النّاس بصحافة مهنيّة وخالية من المُنكرات!
والسؤال هو: منْ يُدير إعلام الكراهية في البحرين؟ منْ بيده قرار إسكاته، وإخراس جوقة الكذّابين؟ الإجابة ليست صعبة، فقط ابحثوا عن المستفيد الأكبر.
*كاتب بحريني