» تقارير
محنة المصورين في البحرين... يوم لا ظل إلا ظل الصورة
2011-06-14 - 7:59 ص
مرآة البحرين (خاص): حين ينحني الضوء فوق هامات الهاتفين بالحرية في شوارع المنامة، تزهر كل العدسات التي تفتحت جفونها على مشهد فائض بالآمال، كان دفئ شمس فبراير كافياً ليكسو الصور ببريق العنفوان الذي تلونت به ثورة الورد، وليهب المصورين حظوة في الحضور، حيث شاءوا أن يربطوا السماء بعدساتهم التي تتعشق اكتشاف خبايا الحدث.
م. ر.، واحد من أولئك اليافعين الذين كنا نبصر بعيونهم خطو أقدام الذاهبين إلى زراعة الورد في صدر المكان، نتكئ على فطنته للولوج إلى زحام الأيادي التي باتت في ذاكرة الأيام معلقة لا تمحى فوق جدران الذاكرة، أياد تلونت بلون الأرض، ولون البحر، ولون الفصول التي مرت من هناك. لم يدر مفاتيح الكاميرا كما أدارها في أيام الدوار، هدير الأصوات ما كان يشبهه إلا هدير الصورة، فربيع الثورات العربية كان ربيعاً للصورة أيضاً. هناك حضر م.ر. ومعه ثلة من الشباب الذين اجتمعوا على غير موعد، تقودهم الرغبة في رفع الحدث عن الغياب إلى معانقة ذروة النور، يحدقون ليلاً ونهاراً في فضاء مشبع بالظلال، وبالأفكار، وبالأقدار.
خرج من فجر الخميس الدامي وهو أكثر ثباتاً، أكثر تمسكاً بالحلم، هكذا يقول، كان العبور إلى الدوار ثانية كالنسيم البارد في ليلة صيف.عرف كما لم يعرف من قبل لون الرصاص، ورائحة الشهداء، فكان له من كل ذلك إصراراً على مداهمة الألم بمزيد من الصور.بات الإمساك بالكاميرا تعبيراً عن الثقة في حقانية المطالب من جهة، وجدارة الصورة في إدارة صراع لم تكف السلطة عن إمطاره بالأكاذيب والدسائس.
يقول :صرنا نوثق كل شيء، نملأ ذاكرة الكاميرا ونفرغها ثانية، أنا ومن كان حولي من المصورين الشباب قررنا أن نجعل التوثيق سلاحنا في مواجهة القمع وفضح الوجه القبيح للنظام أمام العالم، كنا خليطاً من هواة ومحترفين نتعاون لإنجاز مهمة نبيلة.ستطاردهم الغازات المسيلة للدموع مرات، وسيسقط بعضهم مرات، إلا أن الصورة ستلح في مطاردة رسائل الحدث دائماً، لترفعها لاحقاً في فضاءات النت المفتوحة.
ابن العشرين يحدثنا عن انطفاء الأصدقاء من المصورين بعد إعلان السلامة الوطنية، عن غيابهم القسري بعد أن ملأوا أضابير السماوات بصور لا تملك أي آلة للثرثرة أن تحول دون ارتفاعها، ودون وصولها إلى أقاصي الأرض، بعضهم اختار أن يتسلل من ثقوب النوافذ ليرصد ما تتركه أحذية الجنود من آثار في عبورها للقرى والمدن، تلك الآثار التي انتهت فضيحة في مرايا الإنسانية، فيما اختار النظام للبعض الآخر منهم أن يدفع فاتورة الفضيحة، وأن يفتح عينيه على حصص العذاب في السجون التي لم تنتظر طويلاً لتحاصر أكثر الشهوداً عدالة في هذه المواجهة.
المصورون اليوم شركاء في العذاب، في السجون، وفي المداهمات التي طالت كل ما له صلة بالاحتجاجات، ولأن الصورة المتهم الأول بالتحريض، ستسعى السلطة لمحاصرتها بكل السبل، وسيسعى كتاب السلطة إلى جعل أبطالها "خونة" و "متآمرين"، حتى المتنورين منهم، سيقلبون المعادلة بذكاء ناقص، ليجعلوا من مشهد الألم الذي مر من هناك، مجرد لقطة معدة سلفاً، لكاميرا لا ترى أبعد من فتحة النوايا التي تريد القضاء على مكتسبات الوطن!
بعد الجنون الأخير، خبأ م.ر. كاميرته الصغيرة كما خبأ غنائم الأزمة من الصور اليومية، وهو أكثر يقيناً من أي وقت مضى بأن صوره وصور البقية هي مناعة لهذا الوطن من هشاشة الذاكرة، ومن هشاشة الثرثرة التي تحاول تلميع الخراب، وذر الرماد في عيون لم تعد تقبل أن ترى الحياة عبر سطور الكلام، وإنما عبر وميض الكاميرا.