النظام في البحرين ليس من شيمه الحوار وهذه هي الأسباب
يوسف مكي - 2013-09-10 - 8:35 ص
يوسف مكي*
على امتداد الحركات السياسية المتعاقبة المطالبة بالديمقراطية في البحرين، وبمختلف توجهاتها وأيديولوجياتها، لم يدخل النظام الحاكم في حوار سياسي جاد يخرج البلاد من من أزماتها السياسية المزمنة والمُرحّلة من جيل إلى جيل مع أي من هذه الحركات. هذا مع العلم أن كل هذه الحركات كانت من دعاة الحوار وتغليب منطق العقل والمصلحة الوطنية على منطق القوة والعنف والمصلحة الفئوية.
ودون مبالغة، فإن منطق الحوار ليس من شيم النظام الخليفي ولا من صفاته، واستقراء التاريخ البعيد والقريب خير شاهد. حتى الحوار، الذي يسميه "حوار التوافق الوطني" والأفضل أن يسمى (حوار ماهب ودب)، مع المعارضة الرسمية، استعاض نيابة عنه بأشخاص لا يحلون ولا يربطون، بل يتحركون بالرموت كنترول، بشهادتهم. أما جلوس شخوص النظام، الذين يقررون فيه، مع المعارضة، فهذا من رابع المستحيلات، ويجب ألا يكون، فالعائلة الحاكمة لا تحاور أحدًا، ولا تجلس مع أحد من مواطنيها.
ولكنْ، لماذا لا يحاور النظام المعارضة؟
في تقديرنا أن ذلك يعود إلى ثلاثة أنواع من الأسباب؛ وهي أسباب مترابطة: أما السبب الأول فيعود إلى طبيعة وبنية النظام الخليفي نفسه؛ فبحكم منطق القبيلة المتغلبة بالغزو والسيف، فإنها تتعامل مع الأرض والناس كغنيمة حرب لا يمكن التفريط فيها أو التنازل، لا كليًا ولا جزئيًا، عنها بأي حال من الأحوال، ولأن الناس من منظورهم مجرد رعايا للشيوخ، في أحسن الأحوال، وأنهم أتباع لهم، وليسوا مواطنين متساوين في الحقوق، كما أنهم ـالرعاياـ-لا ينبغي لهم أن يتساووا مع أولياء نعمتهم/ الشيوخ.
كما أن النظام يتعامل مع الأرض كملكية كبيرة من أملاك الشيوخ، وليست وطنًا لكل أبنائه، وكل ما في الأمر أن النظام/ القبيلة لا يمكن أن تجلس على قدم المساواة مع من تعتبرهم عبيدًا وأتباعًا وموالين، ورقيق في يومٍ ما، وأن كل ما يملكه هؤلاء إنما هو من خير الشيوخ ومكارمهم. ولذلك انقلب النظام على أحد شخوصه، سلمان بن حمد، في مبادرته السباعية مع المعارضة، وهو أيضا التزم، منذ 13/3/2011، تراث القبيلة المتمثل في منطق الغزو والغنيمة، وتراجع عن المبادرة والحوار، لأن ذلك يشكل سابقة في عرف القبيلة يجب ألا تحدث. وبالفعل فقد تم تجاوزها، وتوارى سلمان عن الأضواء، لا بل انقلب في أحيان كثيرة على نفسه ومبادرته.
أما السبب الثاني فيعود بتقديرنا إلى القوى الدولية الراعية (بريطانيا وأمريكا) للنظام، منذ اتفاقية 1820 بين بريطانيا وقبائل الخليج، والتي كرست حكم هذه القبائل، ومن ضمنها قبيلة آل خليفة في البحرين، وبعد 37 سنة من الاستيلاء الخليفي. وأصبحت بريطانيا بموجب هذه الاتفاقية، والاتفاقيات اللاحقة، حامية للنظام من الخارج ومن ثورات الداخل، على امتداد أكثر من مئة وخمسين عامًا، ثم حل الأمريكان مكان البريطانيين منذ 1971. وهاهم الآن يغطونه سياسيًا ويتواطؤون معه ضد الحراك الشعبي، المستمر منذ 14 فبراير2011، فهم قادرون دائمًا على إجبار النظام على القيام بإجراء إصلاح سياسي حقيقي، بحكم علاقتهم الاستراتيجية مع النظام، وحتى فرض الحوار عليه. لكن التغيير ممنوع، بحسب المصالح الإمبريالية في هذه المنطقة عمومًا وفي البحرين خصوصًا، مما يعتبر عاملًا مهمًا في تكريس سياسة (التطنيش) والغنيمة.
وفيما يتعلق بالسبب الثالث؛ فيتمثل في المعارضة الرسمية، ذلك أن المعارضة الرسمية تعاني من عدم وضوح الموقف، ومن رخاوة الموقف، بمعنى: ماذا تريد المعارضة؟ هل تريد الإصلاح أم الإسقاط؟ وإذا كان الإصلاح، فأي مستوى من الإصلاح؟ وإذا كانت تريد الإسقاط، فلماذا التشويش على القائلين بالإسقاط؟ لماذا لا تتحدث بلغة ثورية وليس لغة ضبابية مائعة؟
أما عن رخاوة الموقف، فيبدو واضحًا في بيانات ومواقف الشجب والاحتجاج التي تعلنها المعارضة الرسمية إزاء اجراءات النظام، ولكنها سرعان ما تخضع لها في اليوم الثاني، وفي العمل السياسي، لا يوجد شيء أخطر على الحركة السياسية، أي حركة، - من الاحتجاج على قوانين وإجراءات النظام، أي نظام، الجائرة، ثم الخضوع لها في اليوم التالي. وهذا ما يحدث بالضبط للمعارضة الرسمية، بينما الموقف الصلب هو أمر مختلف. يضاف إلى ذلك أن المعارضة الرسمية تفتقد إلى القيادات الثورية من جهة، وإلى القيادات السياسية المحنكة من جهة أخرى، خاصة أن لدى المعارضة أوراق قوة تنازلت عنها للنظام دون مقابل، كما أن لدى النظام مواقع ضعف لم تستثمرها المعارضة، وإلا ماذا يعني العمل السياسي غير ذلك؟ بمعنى هو شكل من أشكال الاستثمار في السياسة؟ وكل ذلك يتم في مقابل حنكة النظام وألاعيبه، وقدرته على الاستثمار السياسي الجيد، في مقابل فشله في الاستثمار الاقتصادي.
هذه العوامل الثلاثة، كما نعتقد، هي التي تلعب دورًا كبيرًا في عدم رغبة النظام في إجراء حوار جدي، يخرج بنتائج من شأنها أن تغير بنيته القبلية، وتقلب منطق الغنيمة ومكاسب الغلبة إلى منطق القانون والنظام المؤسس على دستور عقدي، يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتداول سلمي للسلطة، في ظل دولة مدنية علمانية، يتمتع فيها المواطنون بكافة الحقوق المتساوية، دون النظر لانتماءاتهم الأخرى.
وبناء على ما سبق، فإن الحوار المزعوم "حوار التوافق الوطني" الذي تخوضه المعارضة الرسمية والموالون للنظام بدلًا عنه، إنما هو مضيعة للوقت، ولا طائل من ورائه، والمستفيد الأول والأخير منه هو النظام. أما المعارضة فغير مستفيدة من حوار لا يتوفر فيه الحد الأدنى لشروط ومتطلبات الحوار الجدي. إن هذا الحوار هومماطلة النظام في وجه المعارضة.
ولكل هذه الأسباب والحيثيات، فإن النظام لا يحاور المعارضة، وليس ذلك من أدبيات الحوار، إنما يناور ويبدد المعارضة حتى تذوب في قضايا تافهة وهامشية، بحيث تخرج هذه المعارضة في النهاية من المولد بلا حمص ـ كما يقال ـ وفي أحسن الأحوال، بفتات لا يساوي قطرة دم مسفوكة ولا دمعة أم مثكولة، أو زوجة رمّلها النظام.
*باحث بحريني في علم الاجتماع.