القائد الوطني "علي دويغر": خاض انتفاضة مارس، وخاطب لجنة 1971، وأسس برنامج البعثات إلى الخارج!
2013-09-06 - 6:06 م
مرآة البحرين (خاص): برحيل المناضل اليساري الفذ، الدكتور علي عبد الله دويغر صباح اليوم الجمعة (6 سبتمبر/أيلول 2013)، خسرت البحرين قامة وطنية شامخة متعددة المواهب في البحث العلمي والفن التشكيلي والنضال السياسي والفكري.
نذر دويغر حياته لمقارعة الاستعمار والقوى الرجعية، وتنقل بين المنافي والسجون، كان (علي) مثابراً بصمت، مفعمٌاً بحلم التغيير، ومناضلا شجاعاً من أجل مبادئه الحقه العادلة وحلمه الوطني والإنساني الكبير في نصرة الكادحين وتحقيق الديمقراطية والتقدم الاجتماعي الحقيقي للعيش في وطن حُر سيد نفسه.
على دويغر الذي غادرنا تعرفه ساحات النضال في السنوات الأولي من الخمسينات، حيث تشبّع بالفكر اليساري بالعراق حين كان طالباً للدراسة، ونال عضوية الاتحاد العام لطلبة العراق كأول طالب بحريني، وعاد إلى البحرين متسلحاً بالفكر الإنساني وحلم التغيير ليصبح من المؤسسين الرئيسيين لجبهة التحرير الوطني البحرانية مع نخبة من المناضلين في 15 فبراير/ شباط 1955، لتغدو الجبهة أول تنظيم يساري في البحرين والخليج.
ويروي رفاق دويغر أن لهذا المناضل الفضل في "الكونفرنس الأول" للجبهة في العام 1958 بوضع برنامجها السياسي الذي أطلق عليه "برنامج الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والسلم والتقدم الاجتماعي الحقيقي"، ليكون أول وثيقة سياسية لهذا التنظيم الفتي الذي يسترشد فكرياً بالاشتراكية العلمية.
وفي هذا الاجتماع التاريخي ينقل رفاقه أنه انتخب لقيادة الحزب في الداخل، في حين انتخب الراحل أحمد الذوادي لقيادة الحزب في الخارج.
يقول الذوادي في محاضرة له بمقر المنبر التقدمي في 2004، تحت عنوان "حديث الذكريات": "بدأت إحدى الخلايا الأولي في العمل النضالي السري تتشكل في منزلنا بفريق الذواودة بالمنامة، من الناشطين في الحركة العمالية أولاً، ثم امتد تشكيل الخلايا في صفوف الطلبة والشباب، علماً بأن الناشطين من العمال كانوا شبابا أيضاً".
وفي تبادل للأدوار، كان الرحل علي دويغر أحد مهندسي الكادر المتقدم في صفوف التنظيم، وبدأ النشاط في السنوات الأولى من خلال الاهتمام بالتعليم في الخارج، حيث نسج التنظيم علاقات متقدمة مع الأحزاب الشيوعية العالمية وبالأخص في دول المنظومة الاشتراكية للحصول على بعثات للدراسة في هذه الدول في المجالين الأكاديمي والنقابي العمالي.
وهكذا استطاع التنظيم تشكيل "وزارة تربية" موازية للوزارة الرسمية، فابتعث طلابا إلى الاتحاد السوفييتي منذ 1959، وفي بداية الستينات بدأ العشرات ثم المئات من الطلاب البحرينيين (ذكورا وإناثا) يدرسون في موسكو وبرلين الشرقية وبلغاريا والمجر وتشيكوسلوفاكيا، وأيضاً في كوبا.
ويشار في هذا الصدد، إلى أن الدكتورة غالية دويغر، شقيقة الراحل علي، ابتعثت إلى موسكو للدراسة بجامعة الصداقة بين الشعوب "يتريس لوممبا" في العام 1963، أي بعد عام من افتتاح هذه الجامعة لمساعدة الشعوب الفقيرة، لتصبح أول طالبة بحرينية وخليجية تدرس في الاتحاد السوفيتي، بالرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية آنذاك بين البحرين والاتحاد السوفيتي.
الراحل المناضل علي دويغر تعرض للملاحقات والمطاردات وشظف العيش من أجل المثل التي يؤمن بها وحلم التغيير نحو وطن حُر، فقد تم اعتقاله في العام 1964 وأودع السجن لمدة 8 أشهر. وتكرر اعتقاله مرة أخرى العام 1965 إثر انتفاضة مارس الشعبية التي عمت البحرين وساهمت فيها جميع القوى الوطنية، وقد كان أول المعتقلين الذين أودعوا سجن "جزيرة جِدة" في هذه الانتفاضة، وآخر من خرج من هذا المعتقل، وكان يعتبر عند السلطات الاستعمارية والرجعية "الشيوعي الأخطر" في البحرين.
ولم يتوقف مسلسل المضايقات، إذ اعتقل دويغر العام 1968 ونفي إلى خارج الوطن، وأمضى فترة في الكويت، ثم سافر بعدها إلى السويد العام 1969 واستقر هناك لمواصلة دراساته العليا، حيث عاد إلى البحرين منتصف 1973 واستمر في نشاطه السياسي، وبالتنسيق مع بعض الرموز الوطنية البارزة عمل على تقييم الوضع السياسي وبلورة المواقف لخوض الانتخابات البرلمانية، حيث قام بإسهام بارز في صياغة برنامج "كتلة الشعب" المكونة من 12 مرشحاً، وكان عضواً مرشحاً فيها قبل أن تجبره السلطات على مغادرة البلاد قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، والعودة إلى الوطن بعد الانتخابات، حيث فازت هذه الكتلة الوطنية بثمانية مقاعد من أصل 11 مرشحاً، قبل أن تسقط عضوية النائب الفائز الدكتور عبد الهادي خلف لاحقا بمزاعم صغر سنه.
للراحل إسهامات كثيرة في بلورة وصياغة البرامج والرسائل وعقد الاتفاقات مع الأحزاب في شتى دول العالم، ويروي أحد رفاقة لـ"مرآة البحرين" كيف استطاع علي دويغر إقناع حزب توده الإيراني بإلغاء بند في برنامجهم السياسي يتكلم عن قضية ضم البحرين إلى إيران، على اعتبار أن البحرين دولة عربية، وكان هذا اللقاء في أوائل الستينات من القرن الماضي.
فيما تحدثت أدبيات جبهة التحرير عن أن الراحل صاغ رسالة تاريخية في 30 مارس/آذار 1970، إلى رئيس لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة الإيطالي السيد رونسبيرجيو شاردي، وذلك بعد أن وصلت اللجنة إلى البحرين لتتعرف على رأي الشعب بمطالبة شاه إيران ضم البحرين لإيران بعد انسحاب المستعمر البريطاني، حيث انتهت، بعد لقاء المبعوث الدولي مع ممثلي الأندية والمآتم، إلى أن شعب البحرين يريدها دولة عربية مستقلة ويرفض المطالب الإيرانية.
رسالة دويغر سلمتها قيادة جبهة التحرير الوطني البحرانية لمبعوث الأمم المتحدة في محل إقامته بفندق الخليج، وجاء فيها أن الجبهة ترفض الفكرة التي طرحها الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك السيد ريوثانت من خلال المبعوث الشخصي له، ولخصت جبهة التحرير مواقفها في عدد من النقاط أبرزها رفض الاستعمار البريطاني والحكم الرجعي وإدانة الادعاء الإيراني، وإلغاء المعاهدات الاسترقاقية، والمطالبة بحق تقرير المصير الذي يكفل الاستقلال الحقيقي، وإبعاد القواعد العسكرية وأجهزة الدمار والحرب، وإطلاق الحريات العامة والديمقراطية إلى جانب إلغاء حالة الطوارئ لكي يتمكن الشعب من ممارسة جميع حقوقه السياسية في جو ديمقراطي لا يستند إلى اللون أو العنصر أو الطائفة، وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين والسماح بعودة المنفيين إلى الوطن.
الراحل الكبير علي دويغر، إلى جانب إسهاماته المهمة في العمل السياسي الذي أفنى زهرة شبابه فيه بين سجن ومنفى، هو أيضاً فنان تشكيلي مبدع وله عدة لوحات فنية، الكثير منها رسمت بريشته في السجون التي تردد عليها، وإلى جانب قدراته الفنية، فهو أيضاً باحث قدم عدة دراسات من بينها "البحرين: الرأس مال الأجنبي والنمو السكاني" و"البحرين: تأثير اللؤلؤ والنفط على العمل" و"تحليل مقارن للإدارة العامة في البحرين"، وعدد آخر من الدراسات عن خصائص التطور الاجتماعي السياسي في البحرين، من بينها تلك الأطروحات التي نال عنها درجاته العلمية في جامعة لوند بالسويد.
هوامش:
- فاضل الحليبي يروي لـ"مرآة البحرين" جانبا من سيرة الراحل "علي دويغر"
- "أبو سلام"عن المناضل "علي دويغر": كاد يموت من التعذيب وظل صامدا مقداما
- «التقدمي» ينعى «دويغر»: أعد مشروع الاستقلال الوطني
- مؤسس جبهة التحرير البحرانية في ذمة الله