26 أغسطس 1975 والانقلاب على أوّل تجربة برلمانية في البحرين
يوسف مكي - 2013-08-16 - 10:05 م
يوسف مكي*
* باحث بحريني في علم الاجتماع.
عودًا على بدء، ربما غاب عن الكثيرين في معمعان الاحتفاء بـ 14 أغسطس، أن هذا الشهر لم يكن شهر الاستقلال فقط، إنما الشهر الذي تم فيه الانقلاب على أول تجربة برلمانية حديثة في تاريخ البحرين الحديث، والتي أعقبت الاستقلال مباشرة في 1971. ففي 26 أغسطس من سنة 1975، وبعد مرور سنتين على أول تجربة برلمانية، انقلب النظام الخليفي على هذه التجربة، وأدخل البلاد والعباد بعدها تحت طائلة قانون أمن الدولة السيء الصيت، كما أدخل البلاد في حالة أزمة سياسية بنيوية طاحنة مستمرة منذ ذلك الوقت حتى الآن.
إننا إذْ نستذكر 26 أغسطس 1975، فإنما نستذكر مناسبة تاريخية هامة مثلت المدخل الخاطئ لسياسات ومعالجات النظام الأمنية للمشاكل السياسية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد على امتداد أربعة عقود الاخيرة . لذلك فإن ما تعيشه البحرين إنما هو في تقديرنا امتداد ونتيجة منطقية للانقلاب على هذه التجربة البرلمانية الوليدة، والتي فيما لو استمرت لكانت البحرين بلدًا مختلفا وعلى كل المستويات عما هي عليه، ولتجنبت الوضع السياسي المسدود.
هذا وعلى الرغم من أن التجربة قصيرة جدًا، فقدت شهدت البحرين تحولًا ملحوظًا، وحراكًا سياسيًا واجتماعيًا مفيدًا كان من الممكن أن ينقل البحرين من الحكم القبلي إلى الحكم الدستوري، من منطق القبيلة إلى منطق الدولة الحديثة، من حكم الشيوخ إلى حكم المؤسسات، ومن وضع الرعايا والمحسوبية إلى شعب محكوم بمبدأ المواطنة والكفاءة.
إلا أن الحكم القبلي، وقد بيّت النية على الانقلاب على التجربة البرلمانية، حيث لم يكن أصلًا مقتنعًا بالإرادة الشعبية والمشاركة في الحكم، فاختلق الحجج والذرائع للانقضاض على هذه التجربة الوليدة، تحت ذريعة عامة واهية هي عدم تعاون المجلس مع الحكومة، وذلك بعد رفض المجلس لمشروع قانون أمن الدولة، الذي أراد الحكم بموجبه أن يحكم البلاد بالنار والحديد، ولكن بموافقة نواب الشعب، أي بتغطية من هؤلاء النواب على إجراءاته القمعية، وسياساته الاستبدادية، ولكن المجلس الوطني رفض أن يبصم على قانون الحكومة القمعي.
وقد عاد الحكم -لم يتعلم- بعد أربعة عقود إلى نفس المنطق، عندما طلب من المجلس الوطني مؤخرًا استصدار مجموعة من التوصيات هي من حيث المحتوى أشبه بقانون أمن الدولة، ولكن من جهة تشريعية ليمارس البطش المنفلت من عقاله تجاه الحراك الشعبي. وفي المقارنة بين الحلتين ما أشد الفرق بين المجلس الوطني لسنة 73، الذي رفض المصادقة على قانون أمن الدولة، والمجلس الوطني الحالي، الذي بصم على 22 توصية هي أشبه بقانون أمن الدولة، وكأن أعضاء هذا المجلس بغرفتية مجموعة من البصامين وليسوا نواب الشعب.
هناك في مجلس 73؛ ممثلو الشعب يرفضون أن يكونوا لعبة في يد النظام، وهنا في مجلس 2003 يلعب أعضاء المجلس الوطني بغرفتيه مع النظام ضد الشعب، ويطالبون بتغليظ العقوبات ضد الشعب، معتبرين أنفسهم ومجلسهم امتدادًا للحكومة.
ربما يضع البعض اللوم على المجلس الوطني المنحل في وصول التجربة، وهي في منتصف سنواتها الأربع (منتصف الفصل التشريعي الأول)، إلى ما وصلت إليه، لكن بتقديري أن المجلس قام بما يجب أن يقوم به بحكم وظيفته كممثل للإرادة الشعبية، ولم يكن على خطأ. ولم يكن سببًا في القضاء على التجربة، في حين أن النظام أراده تابعًا أو ذراعًا له ضد الإرادة الشعبية، وهو مالم يقبله المجلس الوطني. لذلك فإن حل المجلس، في 26/8/ 1975، مثل انقلابًا، لأن المجلس لم يعد مرة أخرى، حيث كان من المفترض أن تجرى انتخابات بعد الحل في غضون 60 يومًا، وفي حالة عدم إجراء هذه الانتخابات يعود المجلس المنحل إلى الانعقاد وكأن شيئًا لم يكن (مادة 65 من دستور 1973).
بالنتيجة لم تجرِ الانتخابات، ولم يعد المجلس المنحل، مما يعني أن النظام كان يبيت انقلابًا (إلغاءَ) للبرلمان (المجلس الوطني)، وقد نفذ ذلك بالفعل، بإلغاء الحياة النيابية تمامًا طوال ثلاثة عقود، أي أن التجربة كانت مستهدفة من قبل النظام في كل الأحوال، وهو من يتحمل مسؤولية إجهاض التجربة، وليس نواب الشعب.
ومن جراء هذا الانقلاب دخلت البحرين إلى نفق مظلم، واستبدل حكم الشعب بحكم القبيلة. وعليه، لا غرابة أن نستذكر 26 أغسطس بكثير من الاهتمام والعبرة، والتذكير بأن هذا اليوم كان مناسبة حزينة، تم فيها الانقضاض على أول تجربة ديمقراطية لشعب البحرين، وبدلًا من تطوير التجربة وترشيد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، قام النظام الخليفي بالانقلاب على التجربة، وألغى الدستور العقدي الذي تم بموجبه التعاقد والتفاهم بين الشعب والقبيلة على نوع النظام الذي يجب أن يحكم البحرين.
والآن، وبعد مرور قرابة أربعة عقود على هذه التجربة، ها هي البحرين تتخبط في ظروف سياسية شديدة الخطورة، ربما كنا في غنى عنها، ولتجنبتها البحرين فيما لو التزم الحكم القبلي بما اتفق عليه مع شعبه، ولم ينقلب على دستور 1973، ولم يلغِ، بجرَة قلم، التجربة البرلمانية الوليدة في 26/8/1973، اليوم الذي انقلب فيه النظام على الرلمان قبل 38 عامًا.
نعود إلى القول بأنه في شهر أغسطس نال الشعب البحريني استقلاله، وقد مثّل ذلك بدء انطلاقة جديدة نحو المستقبل، وفي 26 من أغسطس 1975 عاد الشعب البحريني إلى الوراء، عندما انقلب النظام على الحياة الديمقراطية، وألغى المجلس، وزج بالمعارضين وغير المعارضين في السجون، وحكم بقانون أمن الدولة، الذي ما زال قائمًا وبأشكال أخرى، مما أدى إلى قيام انتفاضة التسعينات، ثم ثورة 14 فبراير 2011، وحركة تمرد في 14 أغسطس 2013، والمستقبل السياسي في البحرين مفتوح على كل الاحتمالات، طالما أن منطق القبيلة هو الحاكم وليس منطق الدولة المؤسساتية.
في 14 أغسطس، يوم الاستقلال، احتفل الشعب البحريني على طريقته بهذا اليوم، وأطلق على احتفاله اسم تمرد، وكان احتفالًا ناجحا بكل المقاييس، أعاد هذه المناسبة المنسية إلى الواجهة.
سؤال: بمناسبة 26 أغسطس، حيث تفصلنا بضعة أيام: كيف سيحيي الشعب البحريني وقواه السياسية هذه المناسبة؟ وماذا سيطلق عليها؟ وكيف سيقيّم هذه التجربة القصيرة ولكن المهمة جدا بموضوعية؟ في كل الأحوال، هي مناسبة جديرة بالاحتفال وأخذ العبر.