محمود العرادي، الشنفري الستراوي: عجزوا عن اصطياده راجلاً، فاستهدفوه راكباً
2013-08-09 - 10:48 ص
مرآة البحرين (خاص): هو يوم العيد إذاً، في سترة التي تعيش في كل عيد فجيعة، وتقدّم قرباناً. في منطقة واديان بسترة، تنتشر صور الفقيد الشاب (محمود العرادي) في كل طريق وممر، وبعض بصماته، والكثير الكثير من ذكرياته، أزقتها وعتبات البيوت ووقفات الشوارع ولمة الصبية. في كل محطة ستجد له حكاية بتوقيعه، الكل هنا يبكيه وكأنهم يبكون ابناً فقدوه للتو، الجميع بلا استثناء يفتقد الشاب (محمود العرادي).يذكرونه باسم الشهيد البطل.
هل كان (محمود العرادي) يشبه في بعض محطات حياته الأخيرة، ذلك الفارس الشاعر في العصر الجاهلي المعروف بـ(الشنفري الأزدي)؟
الشنفري الأزدي هو (صعلوك) من العصر الجاهلي مشرد من قبيلة (الأزد) اليمنية، كان فارساً شجاعاً وجريئاً لا يخاف الموت حتى قيل أن الشنفري (كتيبة تمشي في رجل)، عرف بسرعته في العدو حتى لا تدركه الخيل وقيل (أعدى من الشنفري)، وقد عاش مشرداً في البراري والجبال حتى ظفر به أعداؤه وقتلوه.
أعدى من الشنفري..
منذ أكثر من عامين، ومحمود البالغ من العمر 20 عاماً، يقضي مطلوباً ومطارداً ومشرداً. لا يسكن تحت سقف، فالسقوف بالنسبة له لا أمان لها والجدران لها عيون، ظل هائماً على وجهه بين طرقات قريته ومرافقها. يحب أن يُنادى بالزعيم "أبو عرُّود"، ويفخر بهذا التدليل الذي يختص به دون سواه، كان كثير الذكر والتأسي على الشهيد (علي بداح)، يخصه بحزنِ الفقد دون سواه فكان له مثال الشهيد البطل.
ميدان الشهيد (علي خضير) بواديان، كان ناديه الخاص الذي يتمرن فيه ولا يفارقه إلا حين يرخي الليل سدوله، وأحياناً لا يفارقه حتى تشرق الشمس، في ميدان الشهيد يمارس هوايته في الكر والفر، أشبه بتمارين الصباح والمساء هناك حيث الساحات والميادين مناطق اشتعال.
احترف التربص بقوات المرتزقة الأجانب الذين يأتون مدجّجين بآلات القمع، فكانوا يلاحقونه برجالهم وأجيابهم ولا يقدرون عليه، لأنه (أعدى من الشنفري)، لهذا سمى بالزعيم. أصابهم هوس البحث عن هذا الفتى (الشنفري) الذي قضّ مضاجعهم بشكل يومي. أخيراً نالوا منه، بعد أن حركوا أعين المخابرات المحلية، وصار مطلوباً ملاحقاً مع بضع من رفاقه، وقُبض على العشرات بفضل تلك الأعين.
حين الكرّ يكون (محمود) أول المقبلين، وحين تفرّ عنه المرتزقة خائرة القوى، يأخذ فسحة ليوزع على صحبه البارد والماء ويعوض عليهم تمارين السجال في عز القيض، وكأنهم في ضيافته، أما بيته الذي ينام فيه، فهي مقبرة واديان بستره، يتمدّد عند قبر الشهيد (علي البداح)، يلتحف علم وطنه ويرقد بسلام فلم يعد مكاناً آمناً غير جيرة القبور. يأكل ما يجود به أهالي قريته عليه وثلة من صحبه، كان يسميه بأكل المشردين، ولكنه لا يفارق سيجارته وإن بقي صائماً لأيام، حلمه أن يتم إعمار دوار اللؤلؤة من جديد.
الشنفرى الستراوي..
هل يمكن أن نسميه الشنفري الستراوي، نسبة إلى جزيرة سترة؟ أتراه ردد كما ردّد الشنفري الأزدي (من قبيلة أزد): "وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى"؟ لعلّه كان أكثر من يعمر ميدان (واديان)، يعبئه بصرخات التكبير، ويهز قلوب الشباب المترددة، يصنع (الملوتوف) من عبوات العصير الفارغة، يحملها ويصرخ هازئاً: " من يريد شربت"؟ يقف أمام المدججين بالسلاح وهو عار الصدر ليستقبل رشات الشوزن، وهي تتوزع على أنحاء جسده النحيل.
في ذلك الحادث الغامض والمحير، انحرفت سيارته من وسط الشارع العام، دون سبب واضح، إلا من لفتة كشفها شريط الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت فيها سيارة سوداء تتقدمه بمسافة قريبة، أعاقت حركة سيارته، وظهر في الفيديو ما يشبه خروج شخص من سقفها، أثار شكوكاً أنه أطلق النار على السيارة مما أدى لانفلاتها بذلك الشكل المروّع. هل كان عجز الأمن عن اصطياده راجلاً، جعلهم يستهدفونه راكباً؟
"شباب تغيير سترة" أعلنه شهيداً، والأهالي يؤكدون أنه لم يمت بحادث عادي، بل إنه كان مستهدفاً، وأكثر ما في الحادث من ريب، الطلقة التي تظهر على زجاج السيارة من الأمام، وذهاب قوات الأمن إلى منزله في ذات صباح يوم الحادث، دون أي أسئلة كما قالت والدته: "وكأن هناك متربصا بشر".
رفقاؤه في الحلم والألم..
عرف محمود بدماثة خلقه وطيبته المفرطة، وتواجده في كل محفل واحتفال، كان معروفاً بمشاكساته اللطيفة، وطرافته، وقربه للكبير والصغير، "من المستحيل أن تعرف محمود ولا تحبه" هكذا يقول أصحابه، كان شهما كريما، يساعد من يحتاج إلى المساعدة إن كان يستحق ذلك الشخص أو لا يستحق، "فقدنا عزيزا.. فقدنا بوعرُّود .. لن تنجب الأمهات مثله"، هكذا يقول أحد صحبه وهو مغتم وفي عينيه بكاء الفاقدين.. يتوعد "العيش لن يهنأ للطغاة.. سننتقم، بإمكانياتنا البسيطة فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله".
"كان أكثرنا عزماً وحزماً، أخذ على عاتقه أن يحمل قضية الوطن، فكان بطل الميادين بحق، يرعب أعداءه بطلعاته الحيدرية وكأنه يرمي بنفسه إلى التهلكة، يقود المظاهرات التصادمية، ويشجع الفتية على الإقدام وكأنه فارس حرب، الميادين تشتاق إلى تكبيراته، إلى ندائه بأعلى صوته يا علي"، يقول رفاقه.
ويكمل آخر: "حين عجزوا عن ملاحقته والقبض عليه لسرعته وخفته ومهارته، اختاروا تصفيته وقتله، نحن لا نحتاج لتأكيد ولا يهمنا المشككين، نحن على يقين أنه قتل، ونتوقع أن يتكرر هذا الحادث، ولكن لن يثنينا عن دربنا، فكلنا محمود العرادي وسنواصل الدرب، فذلك سيفرحه".
هوامش
تشييع جنازة الشهيد محمود العرادي.